¤¦|¦ محظورات الإحرام – حكم النسيان والخطأ في تطبيق شرع الله ミ¤¦|¦


محظورات الإحرام – حكم النسيان والخطأ في تطبيق شرع الله

… فيا عباد الله، اتَّقوا الله تعالى واعلموا أن الله تعالى بحكمته ورحمته فرض عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحَدَّ حدودًا فلا تعتدوها، فرض عليكم تعظيم شعائره وحرماته وجعل ذلك من تقوى القلوب فقال الله تعالى: ?وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ? [الحج: 32]، وقال: ?وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ? [الحج: 30]، وقال: ?إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ? [البقرة: 158]، ألا وإنَّ من شعائر الله: الحج والعمرة كما قال الله عزَّ وجل: ?إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ? [البقرة: 158]، فعظِّموا هذه المناسك فإنها عبادة عظيمة ونوع من الجهاد في سبيل الله .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:

فيا عباد الله، اتَّقوا الله تعالى واعلموا أن الله تعالى بحكمته ورحمته فرض عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحَدَّ حدودًا فلا تعتدوها، فرض عليكم تعظيم شعائره وحرماته وجعل ذلك من تقوى القلوب فقال الله تعالى: ?وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ? [الحج: 32]، وقال: ?وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ? [الحج: 30]، وقال: ?إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ? [البقرة: 158]، ألا وإنَّ من شعائر الله: الحج والعمرة كما قال الله عزَّ وجل: ?إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ? [البقرة: 158]، فعظِّموا هذه المناسك فإنها عبادة عظيمة ونوع من الجهاد في سبيل الله .

سألت أم المؤمنين عائشة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقالت: هل على النساء جهاد ؟ قال: «عليهنّ جهاد لا قتال فيه: الحجّ والعمرة»(1) .

أدّوا هذه العبادة مُخلصين لله – عزَّ وجل – مُعظِّمين لشعائر الله، واعلموا أنكم في عبادة من حين أن تُحْرموا حتى تحلّوا وتُنْهوا مناسككم، وقد بَيَّنَ الله – سبحانه وتعالى – في كتابه وفي سنّة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ما يتجنبه المحرمون بحج أو عمرة، قال الله عزَّ وجل: ?فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ? [البقرة: 197] .

قوموا لله تعالى بِما أوجب عليكم من الطهارة والصلاة في جماعة في أوقاتها والنصح للمسلمين وبذل المعروف وكفّ الأذى، واجتنبوا ما حرّم الله عليكم من المحرّمات العامة والخاصة، فاجتنبوا الفسوق بجميع أنواعه، اجتنبوا الكذب، واجتنبوا الغِش، والخيانة، والنّميمة، والغِيبة، والاستهزاء بالمسلمين والسخرية منهم وأذيّتهم، واجتنبوا الاستماع إلى المعازف والأغاني المحرمة، واجتنبوا التدخين – وهو: شرب الدخان – فإنه حرام في حال الحِلِّ والإحرام لِمَا فيه من ضرر الأبدان وضياع الأموال، فمَنْ شرب الدخان وهو مُحْرم بحج أو عمرة فإن نسكه يكون ناقصًا؛ لأنه عصى الله – عزَّ وجل – في قوله تعالى: ?فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ? [البقرة: 197]، والإدمان على شرب الدخان من الفسوق .

واجتنبوا – أيها المسلمون – ما حرّم الله عليكم من المحرّمات الخاصة بالإحرام وهي ما يسمّيه العلماء: محظورات الإحرام، فاجتنبوا الرفث وهو: الجِماع ومقدّماته من اللمس والتقبيل والنظر لشهوة وتلذّذ؛ فإن الجِماع أعظم محظورات الإحرام وأشدّها تأثيرًا، فمَنْ جامَع في الحج قبل التحلل الأول فإنه يترتّب على جِماعِهِ أمور، أولاً: الإثم، وثانيًا: فساد حجه، وثالثًا: لزوم إنهائه، ورابعًا: قضاؤه من العام المقبل، وخامسًا: فديةٌ وهي بدنةٌ ينحرها ويتصدّق بها على الفقراء في مكة أو مِنى .

واجتنبوا الأخذ من شعر الرأس؛ فإن الله تعالى يقول: ?وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه? [البقرة: 196]، وأَلْحَقَ بذلك كثير من العلماء أو أكثرهم شعرَ بقية البدن فقالوا: إنه تحرم إزالته كشعر الرأس وقاسوا على ذلك أيضًا إزالة الأظفار وقالوا: لا يجوز للمُحْرم أن يأخذ شيئًا من شعره أو أظفاره إلا إذا انكسر ظفره فآذاه فله أخذ المؤذي منه فقط، فمَنْ حلق رأسه لعذر أو غيره فعليه فدية، لقول الله تعالى: ?فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُك? [البقرة: 196]، وبَيَّنَ النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أن الصيام ثلاثة أيام وأن الصدقة: إطعام ستة مساكين: لكلِّ مسكين نصف صاع، وأما الشاةٌ فهي ما يجزئ في الأضحية .

واجتنبوا قتل الصيد؛ فإن الله تعالى يقول: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ? [المائدة: 95]، والصيد هنا هو: الصيد البَرِّي المأكول المتوحّش طبعًا؛ أي: في أصل الخلقة سواء كان طائرًا كالحمام أم سائرًا كالظباء والأرانب، فمَنْ قتل صيدًا متعمّدًا فعليه الجزاء وهو: إما ذبح ما يماثله من الإبل أو البقر أو الغنم فيتصدّق به على المساكين في مكة أو مِنى، وإما تقويمه بدراهم يتصدّق بِما يساويها من الطعام على المساكين في مكة أو مِنى، وإما أن يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا .

وأما قطع الشجر فلا علاقة له بالإحرام، فيجوز للمُحْرم وغير المحرم قطع الشجر إذا كان خارج الحرم، مثل: عرفة ولا يجوز إذا كان داخل الحرم، مثل: مزدلفة ومِنى ومكة إلا ما غرسه الآدمي بنفسه فله قطعه، ويجوز للمُحْرم أن يضع البساط على الأرض ولو كان فيها حشيش أخضر إذا لم يقصد بذلك إتلافه
.

واجتنبوا عقد النكاح وخطبة النساء؛ فقد صحَّ عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه قال: «لا يَنكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب»(2)، فلا يحل للإنسان أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره، فلو فرِض أن رجلاً له بنت حلال غير مُحْرمة وزَوَّجها شخصًا آخر حلالاً غير مُحْرم ولكنّ الولي مُحْرم فإن النكاح لا يصح .

واجتنبوا الطيب بجميع أنواعه دُهنًا كان أم بخورًا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لا تلبسوا ثوبًا مسَّه الزعفران»(3)، وقال في الرَّجل الذي مات بعرفة وهو مُحْرم: «اغسلوه بماء وسدر ولا تخمّروا رأسه ولا تحنّطوه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبّيًا»(4)؛ وذلك أن رجلاً كان واقفًا بعرفة فوقَصَتْه ناقته فمات فأتوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يسألونه ماذا يصنعون به فقال ما سمعتم: «اغسلوه بماء وسدر ولا تخمّروا رأسه – أي: لا تغطّوه – ولا تحنّطوه وكفِّنوه في ثوبيه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبِّيًا»(5)؛ أي: كفِّنوه بثياب الإحرام التي كانت عليه حتى يُبعث يوم القيامة وهو يقول: لبّيك اللهم لبّيك، وهذا كالشهيد إذا قُتل فإنه يُدفن في ثيابه ولا يؤتى له بكفن آخر ولكنّ الشهيد لا يُغسَّل ولا يُصلى عليه؛ ذلك أن الشهادة كفَّرت عنه كل ذنب .

فلا يجوز للمُحْرم أن يدّهن بالطيب أو يتبخّر به أو يضعه في أكله أو شرابه أو يتنظّف بصابون طيِّب فيه رائحة الطيب بيِّنة، وأما الصابون الذي ليس فيه إلا نكهة فقط فإنه لا بأس به، ويجوز للمُحْرم أن يغتسل ويزيل ما لوّثه من وسخ، وأما التطيّب عند عقد الإحرام فإنه سنّة ولا يضرّ بقاؤه بعد عقد الإحرام، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: «كنتُ أطيّب النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لإحرامه قبل أن يُحْرم، وقالت: كأني أنظر إلى وبِيص المسك – أي: إلى بَرِيقِه ولمعانه – في مفارق رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وهو مُحْرم»(6).

واجتنبوا تغطية الرأس وهذا خاص بالرجال، اجتنبوا تغطية الرأس بِما يغطى به عادةً ويلاصقه كالعمامة والغُتْرة والطّاقِيّة؛ فقد قال النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في المحرم الذي مات: «لا تخمّروا رأسه»(7)؛ أي: لا تغطّوه، فأما ما لم تجرِ العادة بكونه غطاءً كالعفش يحمله المحرم على رأسه فلا بأس به وكذلك ما لا يلاصق الرأس كالشمسية ونحوها فلا بأس بذلك؛ لأن المنهي عنه تغطية الرأس لا تظليل الرأس .

و «عن أم الحصين – رضي الله عنها – قالت: حجَجْتُ مع النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حجة الوداع فرأيت أسامةَ وبلالاً وأحدهما آخذٌ بخطام ناقة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – والآخر رافع ثوبه يستره من الحرِّ حتى رمى جمرة العقبة»(8).

أما المرأة فإنه يجوز لها أن تغطي رأسها وأما وجهها فالمشروع لها كشفه إلا أن يراها الرجال غير المحارم فيجب عليها ستره، ولا يجوز لها أن تلبس النقاب ولا البرقع حال الإحرام .

واجتنبوا من اللباس ما نهى عنه النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – حين سُئلَ عمّا يلبس المحرم فقال: «لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا الخِفاف»(9)، هذه خمسة أشياء: القميص، والعمامة، والبرانس، والسراويل، والخِفاف وقال: «مَنْ لم يجد نعلين فلْيلبس الخفّين ومَنْ لم يجد إزارًا فلْيلبس السراويل»(10) .

وتحريم اللباس خاص بالرجال، فلا يجوز للرَّجل إذا أحرم أن يلبس القميص وهو مثل ثيابنا هذه ولا ما كان بمعناه كالفَنَيلة والصّدْرِيّة والكَوْت، ولا يلبس العمامة ولا ما كان بمعناها كالغُتْرة والطّاقِيّة، ولا يلبس البُرْنس وهو: ثوب يوصل بغطاء للرأس ولا ما كان بمعناه كالمِشْلَح، ولا يلبس السراويل سواء كانت نازلةً عن الركبتين أو فوق الركبتين، ولا يلبس الخفّين ولا ما كان بمعناها كالشرّاب .

ويجوز للمُحْرم أن يلبس الساعة والخاتم ونظّارة العين وسماعة الأذن وعقد الإزار وشبك الرداء إذا احتاج إلى شبكه ولا يشبكه إلا بمشبك واحد؛ لأنه لا يحتاج إلى أكثر، ولا يشبكه بمشابك متواصلة؛ لأنه حينئذٍ يشبه القميص وقد نهى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عن لبس القميص .

ويجوز للمرأة أن تلبس ما شاءت من الثياب المباحة لها قبل الإحرام غير متبرّجةٍ بزينة؛ لأن النساء ليس لهنّ ثياب خاصة للإحرام، ويَحْرم على الرَّجل وعلى المرأة أيضًا لبس القفّازين وهما: شرّاب اليدين، ويجوز للرَّجل والمرأة أن يغير ثياب الإحرام إلى ثياب أخرى يجوز لبسها سواء غيرها لوسخ أو نجاسةٍ أو غيرهما .

فافهموا – أيها المسلمون – محظورات الإحرام واجتنبوها واحرصوا أن تؤدّوا المناسك على الوجه الأكمل؛ فإن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .

وفّقني الله وإياكم لصالح الأعمال، وجنَّبنا جميعًا سيئ الأعمال، وحمانا من التفريط والإهمال؛ إنه جوادٌ كريم واسع الفضل والنوال .

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الخطبة الثانية

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لِمَن شكر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك به وكفر، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله سيّد البشر، الشافع المشفّع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

أما بعد:

فيا عباد الله، استمعتم إلى ما ذكرناه من محظورات الإحرام، واعلموا أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: ?رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا? [البقرة: 286]، فقال الله تعالى: «قد فعلت»(11)؛ أي: لا أؤآخذكم بِما نسيتم أو أخطأتم فيه، فالنسيان معروف والخطأ هو الجهل، وقال عزَّ وجل: ?وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً? [الأحزاب: 5]، فهذه المحظورات التي سمعتموها إذا فعلها الإنسان ناسيًا أو جاهلاً أو مُكْرهًا فلا إثم عليه ولا فدية عليه وحجُّه صحيح ليس فيه نقص؛ ذلك بأن الله – عزَّ وجل – عفا عن عباده النسيان والخطأ والإكراه، فلو أن الإنسان نسيَ فأبقى سرواله عليه ولم يتذكّر إلا في أثناء النسك فلا شيء عليه ولكنْ يخلعه متى ذَكَر، ولو أن الإنسان قَبَّلَ زوجته وهو مُحْرم ناسيًا أو جاهلاً يظن أن المحرَّم هو الجِماع فقط فإنه لا شيء عليه لا إثْم ولا كفّارة ولا نقص في حجّه، ولو أن الإنسان جهل فغطّى رأسه يظن أنه لا بأس بذلك فإنه لا شيء عليه لا إثْم ولا فدية ولا نقص في حجّه .

جميع المحظورات التي سمعتموها إذا فعلها الإنسان ناسيًا أو جاهلاً أو مُكرهًا فلا شيء عليه
، حتى الصيد: لو أن الإنسان دهس حمامة غير متعمّد فليس عليه شيء لا إثْم ولا جزاء ولا نقص في حجِّه، ولو أن الإنسان يمشي فلطمت السيارة حمامة فماتت فلا شيء عليه لا إثْم ولا جزاء ولا نقص في حجِّه، هذا الذي نقوله هو قول الله – عزَّ وجل – ولا قول لأحد بعد قول الله – تبارك وتعالى – مهما كان، إننا لم ننقل هذا عن كتاب فلان أو فلان ولكنّنا نقلناه عن قول الله عزَّ وجل، وللفقهاء في هذا الموضع لهم تفصيلات ليس عليها دليل لا من كتاب الله ولا من سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمعتمد هو القرآن، فقد قال الله عزَّ وجل: ?رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا? [البقرة: 286] .

فاعتمد أخي المسلم، اعتمد هذه القاعدة العظيمة من الله عزَّ وجل، واحمد الله تعالى على عفوه وإحسانه وتأمّل قوله: ?وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً? [الأحزاب: 5]، فَلِمغفرته ورحمته لا يؤاخذ عباده إلا فيما تعمدّت قلوبهم .

أخي المسلم، يقرأ بعض الناس قول الفقهاء رحمهم الله: من محظورات الإحرام لبس المخيط، وهذه العبارة لم تأتِ بالقرآن ولا في السنّة؛ ولذلك أحدثت إشكالاً عند كثير من الناس حتى ظنّ بعض الناس أن كل ما فيه خياطة فإنه مُحرّم وليس الأمر هكذا .

إن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بيَّن الأشياء التي لا تُلْبس، وقد سُئِلَ عمّا يلبس وهذا يعني: أن كل شيءٍ يُلْبَس إلا هذه الأشياء التي بيَّنها النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وقد سمعتموها في الخطبة الأولى .

يسأل بعض الناس عن لبس النعال المخروزة فنقول: لا بأس بها، لماذا يسأل ؟ لأنه سَمِعَ أن لبس المخيط مُحرّم وليس الأمر كذلك .

يسأل بعض الناس عن الرداء المرقَّع هل يجوز أم لا؛ لأنه قد خِيط ؟

فنقول: لا حرج ولا بأس؛ لأنه رداء جائز لبسه سواء كان طبقة واحدة أم طبقتين وسواء كان سليمًا أم مرقَّعًا؛ ولذلك لو أن الإنسان لَبِسَ قميصًا طبقة واحدة لم يخط بل نُسج على أنه قميص فإن ذلك حرام عليه مع أنه لا خياطة فيه، فالعبرة بِما حرَّمه الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا بغيره .

يسأل بعض الناس عن الإزار إذا كان مخيّطًا هل يجوز أم لا ؟

فنقول: نَعم يجوز؛ لأنه إزار وإن خُيّط، والمنهي عنه هو القميص وما كان بمعناه وما سمعتموه في الخطبة الأولى .

وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو أعلم الخلق بشريعة الله وأنصح الخلق للخلق لم يقل للأمة إنه حرام عليكم لبس المخيط فإنه لا يجوز أن نعلّق الحكم بذلك بل نعلّقه بِما علّقه النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – به وهو لبس الأشياء الخمسة وما كان بمعناها .

اللهم ارزقنا فقهًا في دينك، اللهم اجعل مرجعنا إلى كتابك وسنّة نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ارزقنا بهما علْمًا وفقهًا وتطبيقًا يا رب العالمين .

ولا شَكّ أن ما قاله بعض الفقهاء من أمور تخالف ما جاء في الكتاب والسنّة فإنه عن اجتهاد وهم فيه مأجورون؛ لأن مَنْ اجتهد من هذه الأمة – ولله الحمد – فله أجران إن أصاب وله أجر واحد إن اجتهد، فنسأل الله تعالى أن يثيبهم على ما تعبوا فيه من بيان الحق وهم في ذلك مجتهدون، ولا عصمة للخلق إلا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة .

اللهم أعذْنا من الإشراك وارزقنا الإخلاص وأعذْنا من الابتداع وارزقنا الاتّباع، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم يسّرنا لليسرى وجنّبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛
إنه هو الغفور الرحيم ..

——————–

(1) أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في باقي مسند الأنصار، رقم ، وعند ابن ماجة في سننه -رحمه الله تعالى- في كتاب [المناسك] رقم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .

(2) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [النكاح] من حديث عثمان رضي الله تعالى عنه، رقم .

(3) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب [العلم] من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، رقم ، وعند الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] رقم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .

(4) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، رقم ، وعند الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] رقم .

(5) أخرجه الإمام البخاري، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، رقم في كتاب [الحج]، وعند الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] رقم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .

(6) أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، رقم .

(7) سبق تخريجه .

(8) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أم الحصين -رضي الله تعالى عنها- في كتاب [الحج] رقم .

(9) أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] رقم ، ومسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] رقم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما .

(10) أخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، رقم ، وأخرجه مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب [الحج] من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، رقم .

(11) أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى، من حديث أبي بن كعب بن قيس -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الإيمان] رقم .

عن jodteen

شاهد أيضاً

للتفاؤل طــاقه عجيبه وغـــداً مشرق…!