السعدي وأحببت أن تشاركوني الاستفادة والمتعة.
يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وانهم فقراء الى اللّه من جميع
الوجوه:
1- فقراء في ايجادهم، فلولا ايجاده اياهم، لم يوجدوا.
2- فقراء في اعدادهم بالقوى والاعضاء والجوارح، التي لولا اعداده اياهم [بها]، لما
استعدوا لاي عمل كان.
3- فقراء في امدادهم بالاقوات والارزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله واحسانه
وتيسيره الامور، لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء.
4- فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وازالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه
عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وازالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
5- فقراء اليه في تربيتهم بانواع التربية، واجناس التدبير.
6- فقراء اليه، في تالههم له، وحبهم له، وتعبدهم، واخلاص العبادة له تعالى، فلو لم
يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت ارواحهم، وقلوبهم واحوالهم.
7- فقراء اليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا،
ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات اليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض انواع الفقر ام لم
يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من امور دينه ودنياه،
ويتضرع له، ويساله ان لا يكله الى نفسه طرفة عين، وان يعينه على جميع اموره،
ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا احرى بالاعانة التامة من ربه والهه، الذي هو
ارحم به من الوالدة بولدها.
أما قوله تعالى {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} اي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه، فلا
يحتاج الى ما يحتاج اليه خلقه، ولا يفتقر الى شيء مما يفتقر اليه الخلق، وذلك لكمال
صفاته، وكونها كلها، صفات كمال، ونعوت وجلال.
ومن غناه تعالى، ان اغنى الخلق في الدنيا والاخرة، الحميد في ذاته، واسمائه، لانها
حسنى، واوصافه، لكونها عليا، وافعاله لانها فضل واحسان وعدل وحكمة ورحمة، وفي
اوامره ونواهيه، فهو الحميد على ما فيه، وعلى ما منه، وهو الحميد في غناه [الغني في
حمده].
وقوله {اِنْ يَشَاْ يُذْهِبْكُمْ وَيَاْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يحتمل ان المراد: ان يشا يذهبكم ايها الناس
ويات بغيركم من الناس، اطوع للّه منكم، ويكون في هذا تهديد لهم بالهلاك والابادة، وان
مشيئته غير قاصرة عن ذلك.
ويحتمل ان المراد بذلك، اثبات البعث والنشور، وان مشيئة اللّه تعالى نافذة في كل
شيء، وفي اعادتكم بعد موتكم خلقا جديدا، ولكن لذلك الوقت اجل قدره اللّه، لا يتقدم عنه
ولا يتاخر.
وقوله تعالى {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} اي: بممتنع، ولا معجز له.
فسبحان الله العلي المتكبر الجبار هو الغني ونحن الفقراء إليه ومع ذلك نعصيه
ونقابله بالاساءه وهو يقابلنا بالاحسان غفر الله لنا ورحمنا أسأل الله العظيم
رب العرش العظيم أن يتجاوز عن سيئاتنا ويغفرها لنا ويتوب علينا
ويعطي كل واحدة منا سؤلها.