« فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين »(سورة آل عمران آية 61).
وهذه الآية المباركة نزلت في واقعة تاريخية حسّاسة جرت بين معسكر الإيمان الفتيّ في يثرب، ومعسكر الضّالين عن درب الهداية المتمثّل بنصارى نجران وغيرهم.
والتاريخ الإسلامي يعرض في هذه الواقعة كيف تنهزم قوى الضّلال أمام قوى الإيمان المسدّدة من الله جبّار السماوات والأرض.
وتتلخّص الحادثة في: أنّ وفداً من نصارى نجران قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان فيهم السيد والعاقب والقس والحارث، وأسقفهم عبد المسيح بن يونان، وقد جرت بين ممثّلي المعسكرين محاورة قصيرة:(2).
الأسقف: « يا أبا القاسم، موسى من أبوه ؟ ».
الرّسول (صلى الله عليه وآله): « عمران ».
الأسقف: فيوسف، من أبوه ؟
الرّسول (صلى الله عليه وآله): يعقوب.
الأسقف: فأنت من أبوك ؟
الرّسول (صلى الله عليه وآله): أبي عبد الله بن عبد المطلب.
الأسقف: فعيسى من أبوه ؟
ـ وحين يسأل الأسقف هذا السؤال فكأنّما أراد أن يقول للرسول (صلى الله عليه وآله): فما دام لكلّ نبي أو لكلّ رجل من الذين ذكرت أب، فلماذا تنكرون علينا قولنا ـ نحن النّصارى ـ ؟ وانطلاقا من هذه الحقيقة: أنّ لعيسى أباً هو الله تعالى ـ.
الرسول (صلى الله عليه وآله): يطرق قليلاً ليوكل الرأي إلى السماء لتعطي الرأي الحاسم في المسألة، فتعلن حقيقة خلق عيسى كخلق آدم ـ من قبل ـ وهو مّما أتفق الطرفان على شكل خلقه: « إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون »(سورة آل عمران الآية 59).
الأسقف: ـ والذهول يستولي على كلّ جانحة فيه ـ:
أتزعم أنّ الله أوحى إليك أنّ عيسى خلق من تراب لا نجد هذا فيما أُوحي إلينا ولا يجده اليهود فيما أُوحي إليهم.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يتلقى بلاغاً جديداً من السّماء، فيتلوه عليهم:
« فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ».
الأسقف: لقد أنصفتنا ـ يا أبا القاسم ـ فمتى نباهلك؟
الرسول (صلى الله عليه وآله) بالغداة إن شاء الله.
وينصرف وفد النصارى، وهو على موعد للعودة من جديد لكي يباهل الرّسول (صلى الله عليه وآله) فيظهر الحق ويزهق الباطل.
ينصرف الوفد ولكنّ أمواجاً من الهواجس والأحاسيس تترك في نفوس أكثر أعضائه، ولعلّ بعضهم وثق من صحّة دعوى محمد (صلى الله عليه وآله) بالنبوّة، ولكنّه لا يستطيع أن يعلن ذلك خشية الضغط الاجتماعي الذي يعيشه، فلا بد من الانتظار ولكن محادثة أملتها المخاوف التي تجرُّها المباهلة، ـ إن وقعت ـ جرت بين طليعة الوفد:
السيد للحارث: ما تصنعون بمباهلته ؟
الحارث: إن كان كاذباً ما تصنع مباهلته شيئاً، وإن كان صادقاً لنهلكنّ.
الأسقف: إن غدا، فجاء بولده وأهل بيته، فاحذروا مباهلته، وان غدا بأصحابه فليس بشيء.
واشرأبّت الأعناق تنتظر صباح الغد لترى الحالة التي يأتي عليها محمد (صلى الله عليه وآله) للمباهلة، فجاء ـ وهو يحتضن الحسن والحسين (عليهما السلام) وفاطمة وعلياً (عليهما السلام) يمشيان خلفه وجثا على ركبتيه جاعلاً عليّاً (عليه السلام) أمامه وفاطمة (عليها السلام) خلفه والحسن (عليه السلام) عن يمينه والحسين (عليه السلام) عن شماله وخاطبهم: إن دعوت فأمّنوا.
وحين يأتي محمد (صلى الله عليه وآله) بهذه الهيئة التي خشيها الأسقف سابقاً على أصحابه امتلأت نفوس النّصارى رعباً وهلعاً من ضراعة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى ربه، وخافوا أن تلّم بهم قارعة. أو يحلّ عليهم عذاب الله سبحانه، حيث أعلن أسقفهم: جثا والله محمد كما يجثو الأنبياء للمباهلة.
ويعقّب الأسقف مخاطباً قومه: « إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ».
ويتدارك النّصارى الأمر فقالوا: « يا أبا القاسم، أقلنا أقال الله عثرتك ».
الرسول: « قد أقلتكم ».
ولكنّ النّصارى أعلنوا لمحمد (صلى الله عليه وآله) أن يبقى كلٌّ على دينه، ولكنّه أصرّ على أن يسلموا أو الحرب.
النّصارى: « لا طاقة لنا بحربك ».
وقرروا مصالحته شريطة أن يعطوه ضريبة الجزية كاعتراف منهم بسلطان دولته السياسي على أرضهم وأبنائهم، ويحفظ الرّسول (صلى الله عليه وآله) عهدهم ما داموا عليه.
وينتهي المشهد وتنتصر قوى الإيمان، فيعلن محمد (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك بقوله: « والذي نفسي بيده إنّ العذاب تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطَّير على الشّجر، ولما حال الحول على النَّصارى كلَّهم حتّى هلكوا »(3).
وهذه الواقعة التاريخية، وهذه الآية المباركة التي نزلت لتبيان معالمها تجلّي لنا بوضوح مقام الزَّهراء (عليها السلام) عند الله سبحانه ورسوله (صلى الله عليه وآله) حيث وصفتها الآية بـ « نساءنا » وهي على هذا الأساس نموذج العنصر النسائي في المعسكر الإسلامي الكريم، ولا مثيل لها في النساء على الإطلاق، ولذا باهل بها رسول الله بأمر السماء، ولو وجد خيراً منها تقىً أو ورعاً أو كرامة عند الله سبحانه لقدّمها لهذا المقام الرفيع، ولكنّها ـ فاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ التي طهّرها الله سبحانه من الرّجس فارتفعت إلى المستوى الذي جعل منها ممثلة لجماهير النّساء في معسكر الإيمان لكي يقتدين بها، سيّما بعد أن سبقتهن بهذه الدرجة الرفيعة.
************************************************** *************************************
لو كنا جميعا كمجتمع تربينا على مكانة النساء الطاهرات ببناء المجتمع و الحياة ككل………….لما رأينا ما أصاب النساء المسلمات من ظلم سواء من أزواجهن او آبائهن أو إخوانهن
فالرسول يأخذ بضعته فاطمة الزهراء ليباهل بها تبيانا لمكانتها السامية و منها أن المرأة يجب أن تشارك ببناء المجتمع و إلا لتركها في البيت و أخذ الرجال فقط.