الحمد لله مقدر المقدور، ومصرِّف الأيام والشهور، ومجري الأعوام والدهور، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، إليه تصير الأمور، وهو العفو الغفور.
الأيام تمر، والأعمار تنقضي، والساعات تذهب، جيل يموت وجيل يخلق، عام يأتي وعام ينصرم، والكيس الفطن من يعتبر بغيره ..
تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام إشراقة سنة هجرية جديدة، وإطلالة عام مبارك بإذن الله، بعد أن أفلت شمسُ عام كامل مضى بأفراحه وأتراحه، فقوِّضت خيامه، وتصرَّمت أيامه، فالله المستعان عباد الله !
ما أسرع مرور الليالي والأيام .. ! وتصرُّم الشهور والأعوام.. ! لكن الموفق الملهم من أخذ من ذلك دروساً وعبراً، واستفاد منه مُدَّكَراً ومُزدَجَراً، وتزود من الممر للمقر؛ فإلى الله سبحانه المرجع والمستقر، والكيس المُسَدَّد مَن حاذَرَ الغفلة عن الدار الآخرة، حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرة، فيكون بعد ذلك عظة وعبرة، واللهَ نسأل أن يجعل من هذا العام نصرة للإسلام والمسلمين، وصلاحاً لأحوالهم في كل مكان، وأن يعيده على الأمة الإسلامية بالخير والنصر والتمكين إنه جواد كريم.
في ظل ازدلاف الأمة إلى عام جديد، وتطلعها لمستقبل مشرق رغيد؛ تبرز بجلاءٍ قضايا حولية، وموضوعات موسمية، جديرة بالإشادة والتذكير، وحفية بالتوقف والتبصير، علها تكون محركاً فاعلاً يستنهض الهمم ويشحذ العزائم لمراجعة الذات، وتدقيق الحسابات، وتحديد الرؤى والمواقف، وتقويم المسيرة لتستعيد الأمة تاريخها المجيد ومجدها التليد، وما امتازت به من عالمية فريدة، وحضارة عريقة، بوأتها في الطليعة بين أمم الأرض قاطبة، والإنسانية جمعاء.
أخوتي في الله
إن قضية المناسبة تكمن في وقفة المحاسبة، فاستقبال الأمة لعام جديد هو بمجرده قضية لا يُستهان بها، وإن بدا في أنظار بعض المفتونين أمراً هيناً لطول الأمل والغفلة عن صالح العمل.
وإن في مراحل العمر وتقلبات الدهر وفجائع الزمان لعبرة ومزدجراً، وموعظة ومدَّكراً، يحاسب فيها الحصيف نفسه، ويراجع مواقفه، حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غِرَّة، ويكون بعد ذلك عظة وعبرة.
ولئن أُسدل الستار على عام مضى فإن كل ماضٍ قد يُسترجع إلا العمر المنصرم، فإنه نقص في الأعمال، ودنو في الآجال.
نسير إلى الآجال في كل لحظةٍ ,, وأيامنا تُطْوَى وهن مراحلُ
وإذا كان آخر العمر موتاً ,, فسواءٌ قصيرُه والطويلُ
فكم من خطوات مُشيت، وأوقات صُرفت، ومراحل قُطعت؟! ومع ذلك فالإحساس بمضيها قليل، والتذكر والاعتبار بمرورها ضئيل، مهما طالت مدتها، وعظُمت فترتها، ودامت بعد ذلك حسرتها.
إخوتي في الله:
إن عجلة الزمن وقطار العمر يمضيان بسرعة فائقة، لا يتوقفان عند غافل، ولا يحابيان كل ذاهل، كم ودعنا فيما مضى من أخ وقريبٍ؟! وكم فقدنا من عزيز وحبيب، هزنا خبرُه، وفجعنا نبؤه؟!
حتى إذا لم يدع صدقه أملاً ,, شرقت بالريق حتى كاد يشرقني
لقد كانوا زينة المَجالس، وأُنسها، سبقونا للقبور، وتركوا عامر الدور والقصور.
فاللهم أمطر على قبورهم سحائب الرحمة والرضوان، ولا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى. فالله المستعان !
إلى متى الغفلة يا عباد الله ؟!
ماذا ران على قلوبنا ؟!
وماذا غشي أبصارنا وبصائرنا ؟!
إن الموفق الواعي من سعى لإصلاح حاله ليسعد في مآله، وإن الكيس الملهم من أدام المحاسبة، وأكثر على نفسه المعاتبة، وتفقد رصيده الأخروي، وحاذر كل لوثة عقدية وفكرية وسلوكية؛ ليحيا حياة السعداء، ويبوَّأ نزل الشهداء، وما ذلك بعزيز على ذي المن والعطاء
أهمية الرجوع إلى التاريخ
اقرءوا التاريخ إذ فيه العبرْ ,, ضل قومٌ ليس يدرون الخبرْ
حاجة الأمة إلى وقفة تأمل ومحاسبة
قال سيدنا عمر رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية“.
فضل صيام يوم عاشوراء
]width=500 height=405
***
نسير إلى الآجال في كل لحـظة *** وأعمارنا تطــوى وهن مــراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمــــــرك أيام وهنّ قـلائـل
وما هذه الأيام إلا مــــــراحــل *** يحث بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها *** منازل تطـوى والمســـافر قــــاعد
*
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله
اللهم اجعل هذا العام هالاً علينا بالأمن، وهذا الشهر هالاً علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق فيما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير
اللهم اجعل ما نستقبل من أيامنا خيراً مما نستدبر، ووفقنا ويسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى
اللهم اجعل هذا العقد عقد خيرٍ ونصر للإسلام والمسلمين، اللهم ارفع به كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وارفع به التوحيد وأهله وأذل به الشرك وأهله، اللهم انصر به المجاهدين في كل مكان، وأقر أعيننا بنصر الإسلام والإيمان يا حي يا قيوم يا ديان إنك على كل شيء قدير
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك. والحمد لله رب العالمين