عاد من عمله كما يعود الأزواج من عملهم كل يوم..
يتخيل طوال طريقه الطعام الشهي الذي أعدته له زوجته بعد يومِ عملٍ شاق وطويل,
يفتح باب البيت ليفاجأ بأول قنبلة موقوتة في طريقه؛
البيت مليء بالضيوف, “يبدو أن الغداء سيقتصر اليوم على الخبز والملح”.
هكذا ردد في نفسه.
أصيب الزوج بحالة من الغضب بسبب الطعام الذي لم تنتهِ منه الزوجة أو على الأرجح لم تبدأ في عمله بعد.
قابلته الزوجة بابتسامة صفراء
وهي تقول: الحمد لله أنك جئت الآن يا زوجي الحبيب, أين هي؟!
يتعجب الزوج من سؤالها قائلاً: أين ماذا؟!! قالت: المشروبات الغازية التي طلبتها منك!!
يا الله.. تلك هي القنبلة الثانية؛
لقد نسي الزوج إحضارها,
وهاهم الضيوف جالسون وليس في البيت ما يقدَّم لهم..
غضبت الزوجة هي الأخرى من عدم اكتراث زوجها, وأدارت وجهها لتدخل إلى الضيوف مرة أخرى.
مر اليوم سريعًا,
وهاهي الآن الساعة تدق العاشرة مساءً..
الزوجان يستعدان كلاهما للدخول للنوم بعد هذا اليوم المشحون,
بالطبع بعد أن أكل الزوج رغيفًا ونصف الرغيف من الخبز الذي أحضره معه
مع قطعة من الجبن المملح,
وبعد أن قامت الزوجة بتقديم بعض من أكواب الشاي للضيوف
مع بعض الفطائر التي كانت قد أعدتها منذ ثلاثة أيام!!
دخل الزوج ليأخذ مكانه على السرير,
ثم أتت الزوجة بعده لتأخذ مكانها,
ثم.. بدأ النقاش حول ما حدث في هذا اليوم,
وأخذ كل منهما يعتب على صاحبه تقصيره في حقه
وكيف أن المرأة قد خذلت زوجها بعد يوم تعب طويل
كان ينتظر فيه لقمة تسد جوعته,
وكيف أن الرجل قد خذل امرأته عندما عاد إلى البيت دون إحضار ما كانت تريد؛
مما تسبب في إحراجها بين ضيفاتها.
هنا أقول للزوجين: .. نقطة نظام..
لا تدخلا غرفة النوم.. .بل قوما فاخرجا منها الآن.
غرفة النوم “الغرفة المقدسة”:
يخطئ الزوجان خطأً فادحًا عندما يبدأ كل منهما في بث شكواه من الآخر
وتقديم عريضة العتاب في غرفة النوم,
فإن هذه الغرفة ينبغي ألا تكون إلا مكانًا يبث فيه كل من الزوجين إلى الآخر حبه وشوقه
وعاطفته الجياشة التي يشعر بها تجاه صاحبه,
بل ينبغي أن تكون لهذه الغرفة خصوصية عن بقية الغرف؛
فلا مناقشة فيها لمشاكل الزوج والزوجة,
ولا مشاكل الأطفال مع بعضهم,
ولا مشاكلهم مع مدرسيهم,
ولا مشاكلهم مع الأم,
وإنما يخصص لذلك مكان آخر,
وليكن غرفة الجلوس مثلاً أو غرفة الاستقبال أو أي مكان آخر غير غرفة النوم.
ألا ترى معي أنك لو امتلكت بعض الأموال وبعض الأشياء الثمينة والمجوهرات الرائعة الجمال,
ألا تتفق معي في أنك تخصص لها خزانة خاصة محكمة الغلق,
ليس لها إلا مفتاح واحد معك أنت كي لا تتسرب إليها الأيدي بالعبث والإفساد!!
هل من الممكن أن تكون هذه الخزانة مكانًا للقاذورات والأشياء التافهة
التي ليس لها مكان إلا صندوق المهملات؟!
كذلك غرفة نومك أيها الزوج..
كذلك غرفة نومكِ أيتها الزوجة..
فلتحيطوها بهذا النوع من التقديس,
فلتجعلوها مكانًا ليتبادل فيه الحبيب الحبَّ مع حبيبه,
ولتتلاقى فيه القلوب فرحة مسرورة مغتبطة بتلك المشاعر الفياضة قبل أن تتلاقى فيه الأبدان.
اجعلوا غرفة النوم مكانًا لتبادل كلمات الحب والتقدير والإعظام الإجلال من الزوجة لزوجها,
ولتبادل الزهور والرياحين والهدايا وبث الأشواق والعواطف الجياشة من الزوج لزوجته.
اجعلوا غرفة النوم مكانًا للاحتفالات الخاصة بين الزوج وزوجته..
فلتقيموا حفلاً لعيد الفطر في غرفة النوم..
ولتقيموا حفلاً ثانيًا لعيد الأضحى أيضًا في غرفة النوم..
ولتقيموا ثالثًا ورابعًا وخامسًا… إلخ, كلها في غرفة النوم.
إذا كانت اللغة المسيطرة في هذه الغرفة ه
ي لغة حكاية المشاكل وتبادل العتاب وبث الأحزان
واقتراح الحلول للمشاكل التي تواجه التعثر في الحياة الزوجية
ومكانًا لطلبات المرأة التي قد تثقل عاتق زوجها
أو للتباحث حول الأموال الطائلة التي يحتاج إليها الأبناء في دراستهم
أو إيجار المنزل أو فاتورة الكهرباء أو الغاز أو المياه
أو الثلاجة التي تحتاج إلى تصليح أو الموقد الذي يحتاج إلى تغييره بآخر جديد
أو بلاّعة المياه التي انسدت أو ماسورة الصرف التي “طفحت” فأغرقت الدار…
إلى غير ذلك من المشاكل التي لا تنتهي.
فإننا بذلك نحوّل هذا المكان الجميل الذي يأنس فيه الحبيب إلى حبيبه
إلى مصلحة حكومية باردة لا مشاعر فيها ولا أحاسيس.
أما إذا كانت اللغة المسيطرة على هذا المكان هي لغة العواطف..
لغة المشاعر.. لغة العيون.. لغة القلوب التي تتلاقى على محبة الله
وعلى المحبة في الله وعلى المحبة لله جل في علاه,
لا شك أن هذا المكان سيكون أشبه ما يكون بواحة غنّاء,
وروضة فيحاء, وحديقة تحتوي من الخضرة والبهاء,
على ما ترتقي إليه الأنفس وتشتهيه الأعين.
إذا كان مطلوبًا من الزوجين كليهما أن يحسنا اختيار وقت النقاش:
فيُجتنب وقت الغضب ووقت الراحة ووقت الجوع وغير ذلك,
فإن عليهما كذلك أن يحسنا اختيار مكان بث الهموم والأحزان والمشاكل,
وليبتعدا تمامًا عن.. غرفة النوم.
والآن أيها الزوجان الحبيبان..
فلتتشابك الأيدي.. ولتتعانق القلوب..
وليقبِّل كل منكما رأس صاحبه..
والآن – والآن فقط – أقول لكما: ادخلا غرفة النوم.
ليلة سعيدة ان شاء الله