السلام عليكم
ابي.. لما تنتقم مني ؟!
جلس الأب في غرفة المعيشة مع زوجته يتجاذبان أطراف الحديث ،وينظرإلى ابنهم الجالس يلعب بلُعبه أمامهم .. وبينما هما كذلك؛ إذ بالأبن يترك اللعب ويتوجه إلى أبيه موجهًا الحديث له قائلاً :[ أبي لما تنتقم مني؟!! ]، عقدت المفاجأة لسان الوالد واعتدل في جلسته ،ولكن لم يجد ما ينطق به .. أضاف الأبن [أبي إن لم تخف علي – وأنا أبنك – ، ألا تخاف على نفسك عندما تبلغ من الكبر عتيًا ،فلا تجدني سوى ابنًا عاقًا لايرحم ولايُرحم ،فأضيعك في دنياك لتضيعني أنت في آخرتي .. أبي أنت لم تزرع في سوى “حقد” فماذا تتوقع أن تحصد من مثلي؟! ].
نظر الوالد إلى ابنه نظرة ذهول ممزوجة بمزيج من الغضب والحزن ثم أطرق رأسه ولم يجد ردًا .. أكمل الأبن وهو يكاد يبكي قائلاً : [أبي أنا زينتك في هذه الحياة الدنيا ،فهل تُعامل الزينة هكذا؟!! أبي أنت تنتقم مني ضربًا لا تؤدبني أو تربيني .. أرجوك أسمع مني قبل أن تحولني إلى بركان متحرك من الغضب والحقد].
رفع الأب رأسه لينظر إلى وجه ابنه ليرى نظرة استعطاف ورجاء لم يراها على وجه ابنه الصغير من قبل .. رق قلب الأب رغم وقع الكلام المدمدم عليه .. أشار إليه – بحزم – قائلاً : [ أكمل ] …
بدأ الأين قائلاً : والدي العزيز … أنا مازلت طفل على الفطرة كالورقة البيضاء بواعثي وحوافزي كلها طيبة وخير محض ،غير أنني لا أملك من سعة الخبرة والاستقرار الذهني ما يمكناني من الأستمرار والمداومة على الصواب دائمًا .. وهنا يأتي دورك أنت وأمي في توجيهي وإرشادي .. وأذكرك بقول العلامة (الكسائي): [ إن الصبي يُعزر تأديبًا لا عقوبة ؛لأنه من أهل التاديب .. وذلك بطريق التأديب والتهذيب ،لا بطريق العقوبة لأنها تستدعي الجناية ،وفعل الصبي لايوصف بكونه جناية ].
أبي الحبيب … إن الأصل في التعامل معي هو اللين والعطف ،وأن عقابك لي أمر طارئ – فهو كالملح للطعام – أن زدت فيه فقد مفعوله وقلت هيبته في نفسي .. كما أن علماء النفس قد أقروا أن المصدر الرئيسي للتأديب الصحيح للطفل هو أن ينشأ في أسرة ودودة محبة ليتعلم كيف يحب الآخرين ولا يسبب المشاكل.
أبي … لا تجعل عقابك لي مجرد ردة فعل أو تنفيسًا لغضبك تجاه الخطأ الذي ارتكبته ،ولكن ليكن عقابك لي فعلاً هادفًا من أجل تنشئتي تنشئة صالحة .. فالعقوبة التي تصل إلى حد الحقد ؛لن تولد إلا حقدًا مثله ،والعقوبة التي تصدر منك على أنها حكم من قاض على متهم تجعلني أشعر بأننا لسنا في أسرة بل في قاعة محكمة !!
أبتاه … أنت لا تعيش معي في عالمي .. فلا تعرف شيء عني ،أو عن عقلي ،وكيف أفكر ،وما مدى حدود إدراكي! لذا تتوقع مني فعل أشياء لا أقدر عليها ،وأن أنتهي عن أشياء لا أعلم أنها خطأ أصلاً .. فأرجوك عش معي في عالمي ولو لدقائق معدودة يوميًا ،لتعرف كيف أفكر ؛وما طرق العقاب التي ستفلح معي.
والدي العزيز … إنك في كثير من الأحيان تتطلب مني القيام بأعمال لم يسبق لي القيام بها ،أو رأيت أحد يمارسها ؛ لذا أقع في الخطأ فتعاقبني ،وفي هذا حيف وظلم!! وليكن حالك معي كحال الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما مر بغلام يسلخ شاة ولا يُحسن ،فقال له الرسول – صلى الله عليه وسلم – [ تنح حتى أريك ] .. ليكن شعارك معي يأبي [ تنح حتى أريك ].
أبي الحبيب … لا عقاب إلا على ذنب أو خطأ ارتكبته ،ويجب مناقشتي في ذلك الخطأ حتى لاأعود إليه مرة آخرى فلا تحتاج لتعاقبني .. وإلا فلن يجدي عقابي شيء إذ مازلت مصرًا على الخطأ.
أبي … كم مرة عاقبتني وأنت غضبان؟! ونسيت قول الحبيب – صلى الله عليه وسلم – [ لايقض القاضي وهو غضبان ] ،وأنت هنا في حال القاضي مني .. فمتى أردت معاقبتي على خطأ ارتكبته وشعرت بالغضب ،فمن فضلك اترك المكان ولو لدقيقة واحدة حتى تهدأ وتفكر لعلك تصل إلى حل أو بديل آخر غير العقاب والضرب.
أبي … هذا بالنسبة لغضبك .. فهل فكرت في غضبي!! هل حاولت مرة أن تحتويني وتمتص غضبي بدلاً من معاقبتي .. أرجو أبي أن تحترمني وتحترم مشاعري.
والدي العزيز … عندما تعاقبني على خطأ ارتكبته [ ككسر زجاج الجيران مثلاً ] ،فأنت هنا تعاقبني لا على الخطأ الذي ارتكبته ،بل تعاقبني على ضرورة تحملي مسئولية خطأي [ تخصم ثمن الزجاج المكسور من مصروفي ].
أبي الغالي … وأنت تعاقبني يجب عليك أن تشعرني بأنك تتألم لهذا الأمر ولكن للضرورة أحكام .. حكى لي أحد أصدقائي أن أمه عندما كانت تريد ضربه ؛كانت تضربه بعصا كتَبت عليها [[ إني أحبك ]] لتعلمه بمدى حبها له ،ومدى تألمها وهي توقع عليه العقوبة.
والدي … ليس الضرب هو كل العقاب أو الطريقة الوحيدة للعقاب بل هو النهاية ،وكما قيل آخر العلاج الكي ؛كذلك الضرب .. فكم من الممكن أن تكون للكلمات وقعٌ أشد على النفس من الضرب عندما تكون تلك الكلمات ” لينة ” ولكنها ” حاسمة ” في نفس الوقت .. وللعقاب وسائل آخرى كـ ( النظرة الحادة / الإهمال – بشرط ألا يطول – / الهمهمة / مدح غيري أمامي / التهديد – شرط أن ينفذ إذا تهاون وإلا فقد فاعليته – / شد الأذن ).
أبي الحبيب … لي رجاء عندك أبعثه لك مشفوعًا بلفته نبوية رائعة وهو .. ارفع يدك عني إذا ذكرت الله ،قال – صلى الله عليه وسلم – [ إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله ،فارفعوا أيديكم ] .. قد يجيء في بالك أنني قد اتخذ هذا الأمر وسيلة للتهرب من العقوبة .. أرد قائلاً : بأنك بفعلك هذا يا أبي الحبيب تعظم أمر الله -عز وجل- ورسوله – صلى الله عليه وسلم – في قلبي ؛وهذا هو منتهى ما تريده من تربيتك وتأديبك لي.
يبتسم الأب .. مما يجرئ الأبن على الإضافة قائلاً : [ أعلم أني قد أثقلت عليك أبتاه ؛ولكن مازالت هناك بعد النقاط التي أرغب أن تتيح لي الفرصة لوضعها بين يديك ] .. يربت الأب على كتف ابنه ويقول له باهتمام : [ أكمل فمازلت أريد السماع منك ]..
يكمل الأبن قائلاً : أبي الغالي … لا ترغمني على الأعتذار بعد معاقبتك إياي فورًا لأن في ذلك إذلالاً لي ، ولكن اتركني لأهدأ ثم عرفني خطأي الذي عاقبتني من أجله حتى أقتنع ؛وإلا فإن اعتذاري سيكون بلا فائدة.
والدي … إذا لم يجدي الضرب نفعًا في تعديل سلوكي أو كفي عن الخطأ ؛فابحث عن عقاب آخر غير الضرب لأنه لن يجدي نفعًا ولن يورث سوى الحقد والذل والأستهانة.
أبي …[ هل من الممكن أن تحدد لي آداة للعقاب؟! ] بانت على الوالد علامات الدهشة والأستغراب .. فأكمل الطفل قائلاً : [ نعم حدد لي آداة للضرب ،فإني كلما رأيتها سارعت إلى التصحيح والمسابقة إلى الألتزام وتتقوم أخلاقي وسلوكي .. وقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – يعلق السوط في البيت ولا يستعمله!! ].
أبي … لا تضربني أكثر من ثلاث ضربات عند عقابي ؛وعشر ضربات في القصاص .. وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم – [ لا يُجلد فوق عشر جلدات ،إلا في حد من حدود ].
أبي … لا تضربني بعد وعدك إياي بعدم الضرب ؛ لأني بذلك أفقد الثقة فيك.
أبتاه … لا تحاول تذكيري مرارًا وتكرارًا بخطأي بعد ان عاقبتي عليه .. وتناساه
والدي العزيز … أرجوك ألا تضربني أمام من أحب ؛لأن في ذلك إذلال لي وإهانة لكرامتي أمامه .. وكيف لمن يراني أضرب أمامه أن يحترمني بعد ذلك.
وعند تلك اللحظة فقط هزت الزوجة كتف زوجها لتخرجه من حلم يقظته الذي أدخله فيه نظرته إلى ابنه الصغير – ذو العامان – وهو يلعب .. وإذا بالأبن يقوم وهو يتعثر ممسكًا بلعبته مدًا يده إلى أبيه وهو يضحك .. فيبتسم الأب ويحتضن ابنه قائلاً :[ نعم ..لم تقل لي هذا الكلام واقعًا ،ولكن ضحكتك قالت لي الكثير!! ].
منقول
💡 دعواتكم لي:(