بسم الله الرحمن الرحيم
اب يروي لإبنته قصة ولادتها قال لها : بعد يوم شاق من العمل .. طبعت آثاره على وجهي .. دخلت المنزل لأفرغ غضبي واستيائي في صفع الباب صفعة قوية .. مما جعل والدتك تأتي مسرعة لتعرف مصدر الصوت .. وما أن رأتني حتى أطلقت ابتسامتها .. كم يدهشني سحــر تلك الابتسامة !! .. ففي لحظة واحدة مسحت كل تلك الملامح لترسم ابتسامة الرضا على شفتي .. اتجهت للغرفة لأبدل ملابسي .. وذهبت هي للمطبخ .. وبعد أن جلسنا على الطاولة .. أحسست بعينيها وكأنها تريد أن تقول شيئاً .. عرفت بعد ذلك بأنها حامل .. لم أصدقها .. طلبت منها أن تعيد ما قالته .. أردت أن أحملها وأطير بها .. الدنيا كلها لم تسع فرحتي .. سأصبح أبا أخيراً . طلبت منها أن لا تخرج من البيت .. وتقلل من حركتها .. ومع مرور الأيام بدأت بطنها تكبر وتكبر .. كانت تقول لي بأنها تحس بك تتحركين في أحشائها .. وتشتكي أحياناً من ركلاتك .. تتحدث إليك كما لو كنت تسمعين وتفهمين .. كانت عندما تستيقظ في الصباح تتحسس بطنها .. وتسألك كيف كان منامك .. وفي المساء كانت تجلس بجانبي وتضع رأسها على صدري .. وتتنهد قائلة : كم أشعر بالراحة وأنا إلى جانبك .. يا إلهي كم أشتاق لرأسها الصغير على صدري .. كم أشتاق لوالدتك .. كنت أتحسس بطنها بيدي وأتحدث معك .. كنا نخطط مستقبلك معاً .. لا زلت أذكر ذلك اليوم الذي أخبرتها فيه الطبيبة بأن الجنين أنثى .. كانت فرحتها لا توصف .. أصبحت تحلم بأول يوم لك في المدرسة .. وأنها ستمشط شعرك .. وتضع لك تلك الشرائط الملونة .. وتلبسك المريول المدرسي .. وتجهز فطورك .. وبدأ خيالها يتسع أفقه .. فأصبحت تحلم بيوم عرسك .. أذكر يومها بأني ضحكتُ حتى غضبت مني .. !! وكل يوم على هذا الحال .. وفي الشهور الأخيرة من الحمل .. ازداد حجم بطنها .. أصبحت حركتها ثقيلة .. وتبدلت الأحلام بكوابيس الخوف من الولادة .. كنت أخبرها بأني سأبقى إلى جانبها .. وأذكرها بأحلامنا لتسكن الطمأنينة في قلبها وتنزع الخوف .. كان شيئاً بداخلها يقول لها بأنها لن تخرج منها .. ذاك الإحساس اللعين الذي أرق منامها .. عجزت عن تخليصها منه .. وفي ذلك اليوم .. وبالتحديد عند غــروب الشمس .. بدأت آلام المخاض تغير لون وجهها .. ارتبكت حين رأيتها في ذلك المنظر .. حملتها بين ذراعي .. وذهبت بها إلى المستشفى .. وضعتها بيدي على السرير .. والممرضات يدفعنها لغرفة الولادة .. كنت أرى الخوف في عينيها .. قلت لها : لا تخافي ستكونين بخير .. سأكون إلى جانبك .. كان في تلك الغرفة جيش من الممرضين والأطباء .. كنت أمسح دموعها .. وأمسح قطرات العرق من على جبينها .. كانت تصرخ تارة وتبكي تارة أخرى .. لم أستطع تحمل رؤيتها تتألم .. أردت أن أخرج من الغرفة .. ولكنها كانت تمسك بيدي بقوة .. لجأت إلى الله بالدعاء بصوت عال .. وأقرأ آيات من القرآن .. وبعد ساعات أطلقت أول صرخة .. تلك الصرخة التي أعادت لي ولوالدتك الحياة من جديد .. أحسست وأنتِ تخرجين لهذه الدنيا وكأن الشمس قد أشرقت في الليل .. أصبحت أردد الحمد لله .. الحمد لله .. بأعلى صوتي .. وما أن وضعوك على صدر والدتك مسحت بيديها المرتجفتين على رأسك الصغير .. كانت دموع ?