بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حديث :
( استفت قلبك ولو أفتاك الناس ) رواه الامام أحمد .
عن وابصه بن معبد رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له : ( جئت تسألني عن البر والإثم ، فقال : نعم ، فجمع أنامله فجعل ينكتُ بهن في صدري ويقول : يا وابصه استفت قلبك واستفت نفسك ثلاث مرات ، البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ماحاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ) .
وقد جاءت احاديث أخرى تدل على مادل عليه حديث وابصه ، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( البر حُسُن الخُلُق ، والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه الناس ) رواه مسلم .
وعن أبي ثعلبه الخنشي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البر ماسكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم مالم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون ) .رواه أحمد .
* يخطىء كثير من الناس في فهم هذا الحديث ، حيث يجعلونه مطية لهم في الحكم بالتحليل أو التحريم على وفق ماتمليه عليهم أهواؤهم ورغباتهم ، فيرتكبون مايرتكبون من المحرمات ويقولون ( استفت قلبك ) ! .
مع أن الحديث لايمكن أن يراد به ذلك ، وإنما المراد من الحديث أن المؤمن صاحب القلب السليم قد يستفتي أحد في شيء فيفتيه بأنه حلال ، ولكن يقع في نفس المؤمن حرج من فعله ، فهنا عليه أن يتركه عملا بما دله عليه قلبه .
_ قال ابن القيم رحمه الله :
” لايجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه وحاك في صدره من قبوله ، وتردد فيها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( استفت نفسك وإن افتاك الناس وأفتوك ) .
فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا ، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه ، كما لاينفعه قضاء القاضي له بذلك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من نار ) .
والمفتي والقاضي في هذا سواء ، ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ماسأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن ، سواء تردد أو حاك في صدره ، لعلمه بالحال في الباطن ، أو لشكه فيه ، أو لجهله به ، أو لعلمه جهل المفتي ، أو محاباته في فتواه ، أو عدم تقيده بالكتاب والسنه ، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفه للسنه ، وغير ذلك من الأسباب المانعه من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها ” . اعلام الموقعين 4/ 245 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أي : حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز ، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه ، فإن هذا من الخير والبر ، إلا إذا عملت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض ” .شرح رياض الصالحين 2 / 248 .
فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم ، لا القلب المريض ، فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لاشبهة فيها ! .
وفي هذا قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
( الإثم ماحاك في نفسك )
أي : تردد وصرت منه في قلق .
( وكرهت أن يطّلع عليه الناس )
لأنه محل ذم وعيب ، فتجردك مترددا فيه وتكره أن يطّلع عليك الناس .
وهذه الجمله إنما هي لمن كان قلبه صافيا سليما ، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ماكان إثما ، ويكره أن يطّلع عليه الناس .
أما المُتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لايبالون ، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم ، فالكلام هنا ليس عاما لكل أحد ، بل هو خاص لمن كان قلبه سليما طاهرا نقيا ، فإنه إذا همّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده مترددا يكره أن يطّلع الناس عليه ، فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن ” . شرح الأربعين النوويه 294 / 295 .
والله أعلم ..
منقول .