الباحث المؤرخ جاسم محمد صالح
لكي نعرف أطفالنا وننمي فيهم قدراتهم الدفينة ، لابد لنا أن نفهمهم فهما جيدا، وان نلم أولا بمعرفة أوليات وأسس تلك القدرات التي نسعى لتنميتها لدى أبنائنا الأطفال.
الموهبة أولا :
لمعرفة الطفل الموهوب لابد لنا أن نقيس قدراته مع قدرات من هم بسنه وبعمره العقلي وان لهذا الطفل الموهوب قدرات تختلف عن غيره من حيث القدرة على الحفظ والاسترجاع وكذلك على التعبير والتصور والخيال .
يبدو الطفل الموهوب مختلفا عن أقرانه الأطفال العاديين ، ويظهر ذلك الاختلاف جليا من خلال استعماله لأدوات الرسم و كيفية الإمساك بالكتب والدفاتر والأقلام , وحتى في طريقة وضعها في الحقيبة وكيفية حمل الحقيبة , وتعامله مع أقرانه وأمه وأبيه والأقارب ومن طريقة وكيفية الرد على أسئلتهم ,كل هذه المعلومات ستفتح لنا المجال واسعا لان نرصد قدرات الطفل الموهوب ونضعه في خانة الأطفال الموهوبين .
إن رعاية الطفل الموهوب من خلال وضعه في صفوف خاصة وتلقّيه لعناية متميزة و حصوله على رعاية تتناسب وقدراته ستضاعف موهبته وتجعله يحافظ على مركز الصدارة والتميّز في الصف , وتتيح له في الوقت نفسه فرصا واسعة للنشاط القيادي ومصاحبته لأقرانه الموهوبين وكذلك الابتعاد كليا عن مشاكسات الأطفال العاديين ، إضافة إلى خلق روح التنافس والرضا النفسي , وكذلك فسح المجال له لممارسة ثقافاته خارج الدوام المدرسي وبالشكل الذي يرغب به ويسد حاجاته المتنوعة لمصادر المعرفة والثناء.
الإبداع ثانيا :
من المعلوم أن السلسلة تتشكّل من عدة حلقات متداخلة ومترابطة ، فالموهبة التي تم رصدها تقودنا في الوقت نفسه إلى رصد الإبداع , فالطفل لا يكون مبدعا إلا إذا كان موهوبا، وعملية رعاية الموهبة هي الأخرى تخلق من الموهوب طفلا مبدعا , والحالة التي تجعلنا نعرف أن الطفل الموهوب أصبح مبدعا هي استمراره في الحفاظ على قدرات الموهبة, مع قدرته على ديمومتها ونموها بالاتجاه الأفضل مع تمكنه من الإنتاج الإبداعي الذي يتصف بالجد والابتكار وحسب عقلية الطفل وقدراته وفق تفكيره .
لابد لنا أن نعرف حقيقةً أن الطفل المبدع لم يأتِ من وادي عبقر الأسطوري وولد ولادة من اللاشيء , وإنما هو طفل نمّينا فيه قدراته ومواهبه وفجّرنا فيه معامل الذكاء والاستعدادات الوراثية الكامنة فيه ونمطية السلوك
الاجتماعي والإلهام التخيلي، وهذه الحقائق كلها تقودنا إلى ان نؤمن بجملة حقائق ذات صلة بموضوعنا الذي نحن بصدده منها:
1- ان كل طفل موهوب يمتلك قدرة على الإبداع, وان اختلفت هذه القدرات وتفاوتت من طفل
الى آخر .
2- ان تفجير القدرات الإبداعية لدى الطفل الموهوب تتعلق في كثير من الأحيان ببعض العوامل الوراثية والدوافع الشخصية والبيئية للطفل الموهوب , وان كانت هذه العوامل الوراثية في كثير من الأحيان لا تقود الى تفجير حالات الإبداع كلها لدى الطفل إلا إذا تداخلت معها عوامل أخرى ذاتية…وغير ذاتية كالبيئة والوضع الاجتماعي والاقتصادي وحتى النفسي.
3- ان الحالات الإبداعية لدى الأطفال تظهر بوضوح في كثير من المجالات ,وتحديدا مجال المعرفة، لكن الإبداع بالنسبة للطفل الموهوب شخصيا لا يظهر إلا في مجال إبداعي واحد , ونادرا ما نراه يظهر في مجالين أو أكثر.
4- ان جميع القدرات التي تشكل التفكير الإبداعي للطفل هي في حد ذاتها أنواع مختلفة من المهارات الفعلية للتنمية والتدريب والممارسة السلوكية اليومية , وان الآباء والمربين لهم القدرة إذا كانوا بمستوى المسؤولية على توجيه هذه القدرات والتحكم فيها , وفي كثير من الأحيان تعديلها وتبديلها بالاتجاه الأفضل والذي يشكل أكثر فائدة للموهوب، لهذا توجّب علينا ان نربي الإبداع فيه وتعزيزه وتقديم السند العلمي له .
ان الإبداع كائن حي لا ينمو عفويا من تلقاء نفسه ولا يتطور بالاتجاه الذي نطمح إليه ونريده ، إلا إذا وفرنا له البيئة الاجتماعية من عوامل التربية ومقوماتها ونفسح له المجال واسعا لدخول حقل الإبداع , فالبيئة التي نتعاون على توفيرها له تساعدنا على الإبداع وتنمية الموهبة الإبداعية الكامنة وقيادتها نحو الإنتاج الإبداعي والمعرفي ، وهذا كله لا يتأثر إلا من وجود وعي تربوي , يُعنَى ببناء شخصية الطفل المبدع بناء سليما وقادرا على توفير المناخ الملائم لهذا النمو، وهذا يقودنا أيضا الى متابعة الإبداع ورصده في المراحل التي تسبق المرحلة الدراسية , كأن تكون رياض الأطفال مثلا.
هنا تظهر الحاجة الملحة الى مربين تربويين بمستوى المسؤولية , يعرفون الموهبة ويفهمون الإبداع … ومطلعون في الوقت نفسه على وسائل وأسس التعامل معها , من حيث الاحتواء أولا والتنمية ثانيا .
بعد كل هذا لابد هنا ان نفرق بين الإبداع الفردي والإبداع الجماعي, من خلال النظرة التربوية ، فالإبداع الفردي غالبا ما يكون في الأمور الأدبية إذ يتمكن الطفل المبدع في هذا المجال من توظيف قدراته الجمالية والمعرفية والتخيلية واللغوية في كل ما يتعلق بأمور الأدب ومن حيث اختيار واستعمال الأدوات الفنية وتوظيفها بالاتجاه المطلوب
منقووووول