إذا استعرضنا سريعا تاريخ بعض الألعاب الإسرائيلية والأمريكية التي تناولت حروب العرب مع إسرائيل، في إطار الغزو الثقافي المتبع تجاه شعوبنا، نجد أن هناك تزييفا كاملا للحقائق في هذه اللعبات وهو ما نتج عنه تأثر أجيال كاملة بالمعلومات الخاطئة عن الجيش الإسرائيلي، وتفوقه على المصريين في أكتوبر 1973 ، فعلى سبيل المثال كانت أشهر هذه الألعاب هي لعبة Israeli Air Force أو القوات الجوية الإسرائيلية، والجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي قام بتوزيعها في جميع أنحاء العالم ليقوم بترويج أفكاره، وزرع الخنوع في قلوب العرب من خلال لعبة تصور الطائرات الإسرائيلية تقتحم سوريا ومصر، مستخدمة أحدث الطائرات في مقابل معدات متخلفة من الطرف الآخر الذي يسهل هزيمته بسهولة، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تقدم اللعبة ما يشبه سيناريوهات محتملة لحروب سورية أو عراقية أو لبنانية مع إسرائيل، ولذلك يهتم الجيش الإسرائيلي بنفسه بترويج هذه اللعبة نظرا لأهمية العامل النفسي ودوره في الحروب الحقيقية.
وعلى جانب آخر وبعيدا عن التعميمات، هناك ألعاب إسرائيلية متخصصة في استعراض إحدى المعارك بعينها في حرب ما، مثل الألعاب التي توضح أحداث معارك السويس وقت الحصار أو المعارك الواقعة في الجولان، وكل ذلك بالطبع يشوبه العديد من الأخطاء التاريخية المقصودة بغرض خدمة أهداف معينة.
ووسط كم هائل من الألعاب الإسرائيلية الأمريكية غير المحايدة، خرجت علينا منذ عامين “دار الفكر” السورية بأول لعبة كمبيوتر عربية مستوحاة من الانتفاضة الفلسطينية تسمى “تحت الرماد” ، وذلك في محاولة لتقديم بديل عن الألعاب الأمريكية التي يستعملها الأطفال العرب والتي تظهر أبطالا أمريكيين وهم يقتلون عراقيين وأفغانا.
وتصور اللعبة شابا فلسطينيا اسمه أحمد يقوم بإلقاء الحجارة على الجنود الإسرائيليين قبل أن يلتحق بصفوف حزب الله في جنوب لبنان، ويشارك في هجوم على موقع إسرائيلي يدمر فيه رادارا ويقتل جنودا إسرائيليين.
وأوضح المدير التنفيذي للمشروع حسان سالم “نريد أن نقدم بديلا للأفكار الساميّة التي تطرح لأطفالنا عبر الألعاب الأمريكية”.
وأضاف “هذا السلاح القادم للجيل الجديد له هدف تربوي, نرغب في أن يتعرف الجيل الصاعد الذي لا يستمع للأخبار على القضية الفلسطينية”.
وقال خالد فضة أحد أعضاء فريق العمل “هذه هي أول لعبة عربية ثلاثية الأبعاد استعملنا فيها التقنية نفسها التي يلجأ إليها الغرب لمحاربتنا في ألعاب ضد العرب والمسلمين”.
واستغرق تصميم لعبة “تحت الرماد” عاما ونصف العام، وتصل كلفتها إلى حوالي ثمانية دولارات، وطرحت في الأسواق السورية وبيع منها حوالي عشرة آلاف نسخة خلال شهر من طرحها.
وتتألف اللعبة من عدة مراحل أولها الوصول إلى المسجد الأقصى مع تجنب نيران المستوطنين, ورشق الجنود الإسرائيليين بالحجارة. ثم تبدأ المرحلة الثانية بالوصول إلى حرم المسجد حيث يتوجب على اللاعب مساعدة المصابين للخروج منه, ثم الحصول على سلاح أحد الإسرائيليين وتطهير الحرم من القوات الإسرائيلية.
في المرحلة الثالثة على اللاعب الدخول إلى مستوطنة ورفع العلم الفلسطيني عليها قبل الدخول إلى مستودع أسلحة إسرائيلي ومحاولة الاستيلاء على رشاش، لكن اللاعب يقع أسيرا ويحاول الهرب.
وفي المرحلة الأخيرة ينضم البطل إلى صفوف المقاومة في جنوب لبنان، ويشارك في هجوم على موقع إسرائيلي يدمر فيه رادارا ويقتل جنودا إسرائيليين. ويفوز اللاعب إذا توصل إلى اجتياز جميع المراحل دون أن يصاب.
ويشير مروجو اللعبة إلى أن البطل فيها لا يهاجم إلا “قوات الاحتلال والجنود والمستوطنين ولا يتعرض للمدنيين”.
ولم تكن “تحت الرماد” هي اللعبة العربية الوحيدة التي تسير في هذا الاتجاه، فهناك محاولات أخرى، وإن كانت أقل من الناحية التكنولوجية تعبر عن طموحات الشباب العربي في مواجهة العدو الإسرائيلي، فقد نفذ الإنترنت المركزي لحزب الله لعبة افتراضية تجسد القتال الذي كان يدور بين مقاتليه وبين الجيش الإسرائيلي الذي انسحب من جنوب لبنان عام 2000.
وتتألف اللعبة من ثلاث مراحل، تتمثل المرحلة الأولى في التدريب على الرماية واستعمال الأسلحة، حيث يطلق اللاعب النار على صور لرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون، ولوزير الدفاع شاؤول موفاز، ولوزير الدفاع السابق له بنيامين أليعازر، ولدى انتهاء التدريب بنجاح يتلقى اللاعب تهنئة من الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله، أما في المرحلة الثانية فيهاجم اللاعب موقعا حقيقيا إسرائيليا جنوب لبنان، ثم يحيي صور الشهداء الذين استشهدوا في هذه المنطقة، وفي المرحلة الثالثة والأخيرة نجد اللاعب يشترك في صد هجوم الإسرائيليين في معركة مشابهة لإحدى معارك الثمانينيات، وعندما يقتل الجندي الإسرائيلي يقول بالعبرية “لقد قتلتني”.
وعلى الرغم من رواج بعض الألعاب العربية في عدة دول ، إلا أننا نجد أن النسخ المباعة من هذه الألعاب تكون من قبيل التجربة ومشاهدة ماذا صنع العرب فقط، أي أن اللعبة تعتمد أولا وأخيرا على فكرتها، ولكن إذا نظرنا إلى هذه الألعاب من الناحية التكنولوجية نجدها بسيطة وتفتقر مقومات المتعة والتشويق وكل الأساليب الجذابة في الألعاب الأمريكية، والدليل على ذلك أن هذه الألعاب العربية لا تعيش طويلا، ويعود المواطن العربي إلى الألعاب الغربية التي يجد بها غايته، ويحقق المتعة المطلوبة، على الرغم من معرفته ببعض المغالطات في بعض اللعبات العسكرية.
وفي هذا الصدد على العرب أن يدركوا أهمية هذا المجال، ولا يعتبرونه “لعب عيال”، فقد أدرك العالم المتقدم أهمية هذه اللعبات وتأثيرها على عقول الأجيال القادمة، مما دفع على سبيل المثال جامعة شمال غرب الصين إلى أن تقرر منح درجة البكالوريوس في ألعاب الكمبيوتر، وتعد بذلك أول جامعة تقوم بهذا النشاط، ويستطيع طلبة هذا القسم الحصول على بكالوريوس في ألعاب الكمبيوتر، ودراسة التصميم ثلاثي الأبعاد والبرمجة وتطوير البرامج، كل ذلك من أجل اكتشاف أسرع الطرق للوصول إلى عقل المستخدم.
وعلى شركات البرمجيات العربية أن تدرك أن جودة الإخراج لا تقل أهمية عن نبل الفكرة المطروحة، وهنا يجب أن نشير إلى ضرورة التميز في إخراج معارك عسكرية تحمل أفكارا وخططا جديدة تنافس الأفكار الأمريكية والإسرائيلية، ولا نكتفي بأن يفوز العرب في اللعبة بالحماس والروح فقط، حيث إن هذه المفاهيم لا تجذب الطفل كي يمارس اللعبة أصلا وبالتالي لن تحقق غايتها، ولذلك يجب أن يتم الاهتمام بالجوانب الفنية والتقنية بجانب الاهتمام بعرض الفكرة وتوضيح الحق في القضية العربية الإسرائيلية؛ كي يتحقق الهدف النهائي للعبة من حيث توضيح الحق بجانب تحقيق المتعة، لأن الموضوع أولا وأخيرا هو لعبة يمارسها الشباب وليست درسا تعليميا حول تفنيد مزاعم إسرائيل فقط.