مرحبا اختي الفراشة …
هل تجولتي يوما في حديقة مليئة بالازهار المتعددة الوانها وشذاها ؟
وهل ذهبتي يوما الى بستان فاكهة مختلف الوانها ومذاقها ؟
وهل خطر لك ان تتسائلي … من اين جاء هذا التنوع في اللون والرائحة والطعم؟
وهل جال بخاطرك التعرف على الكيفية التي يميز الانسان بها بين هذه الالوان والروائح والطعوم المختلفة ؟
******
نجيب عن هذة التساؤلات ببساطة ونقول .. ان السر وراء لون الازهار والفواكه وطعمها ورائحتها يكمن في طبيعة الجزيئات الكيميائية التي تحتويها اما احساسنا بذلك كله فيعود الى التفاعلات الكيميائية بين هذه الجزيئات من ناحية وبين المستقبلات الحسية الموجودة في اعضاء حواسنا من عينين تفرقان بين الالوان المختلفة ولسان وشفتين تميز بين الطعوم المتباينة وانف بفتحتين يتعرف على الروائح ما سر منها وما كدر ونفر .
وتبدأ عملية الرؤية بتعرض المستقبلات الضوئية في العين لاثارة فيزيائية تنجم عن الاشعة الضوئية .
ويتلو ذلك عمليات كيميائية تتمثل في كشفه ومعالجته نقل الاشارة العصبية . وتتكون شبكية العين من نوعين من المستقبلات الاولى عمودية (RODS) والثانية مخروطية (CONES) . ويوجد في العين بلايين من المستقبلات العمودية التي لها القدرة على العمل في الضوء الخافت ولكنها لا تستطيع التمييز بين الالوان المختلفة .
اما المستقبلات المخروطية فيصل عددها الى حوالي ثلاثة ملايين وتعمل في الضوء الباهر وتستطيع تمييز الالوان المختلفة . ويوجد من هذه المستقبلات ثلاثة انواع مختلفة ، يمتص كل نوع منها لونا مختلفا .
اما الاحمر او الاخضر او الازرق ، وبعدها ترسل الاشارات الخاصة الى الدماغ لتنشيط الشعور بهذا اللون او ذاك . هذا وتحتوي كل مستقبلة في العين على جزيئات كيميائية خاصة حساسة للضوء لها القدرة على نقل احساسها الى الدماغ على شكل اشارات ورسائل معينة .
ومن اهم هذه الجزيئات الكيميائية المسؤولة عن الرؤية هو جزيء الريتينال وهو مركب هيدروكربوني مكون من سلسلة من ذرات الكربون تتناوب فيها الروابط الاحادية والثنائية وتنتهي السلسلة بمجموعة الألدهيد . هذا ويوجد لهذا الجزيء تماكبان ، يتمثل احدهما بالريتينال المقرون والآخر بالريتينال المفروق .
ان تناوب الروابط الاحادية والثنائية يضفي على هذين المركبين خاصية مهمة وهي قدرتهما على امتصاص الضوء . ويقوم الريتينال المقرون بامتصاص الضوء الساقط على العين . ويتصل هذا الجزيء في المستقبلات العمودية مع بروتين (أوبسين) ليكون جزيء (رودوبسين) الشديد الحساسية للضوء . كما يتصل الريتينال المقرون في المستقبلات المخروطية بثلاثة بروتينات أخرى ، ليكون مركبات يمكنها تغيير الموجات الضوئية التي تمتص وتحويلها الى اللون الاحمر والازرق والاخضر .
وتتم عملية الرؤية عندما يسقط الضوء على المستقبلات العمودية والمخروطية في الشبكية ، وعندها يقوم الريتينال المقرون بامتصاص الضوء مما يؤدي الى تحوله الى المماكب المفروق وبالتالي يتغير شكل بروتين أوبسين مما يؤدي الى ارسال اشارة الى الدماغ عن طريق العصب البصري ، وهنا تحدث الرؤية .
وبعدها ينفصل مركب الريتينال المفروق عن بروتين أوبسين ويعود الى شكله المقرون الذي يعاود بدوره الاتصال ببروتين أوبسين ويمارس دوره مرة أخرى في امتصاص الضوء ليسبب رؤية جديدة .
وهكذا تتكرر هذه العملية وترسل اشارات متكررة الى الدماغ كلما وقع النظر على لون جديد .
وهنا قد نتسائل … لماذا للورود والازهار والفواكه الوانا مختلفة ؟
ان السر في ذلك يكمن في طبيعة التركيب الكيميائي للجزيئات التي تحتويها هذه الازهار والثمار ، وبالتالي تأثر هذه الجزيئات بالضوء الذي يقع عليها . وهنا لابد لنا ان نوضح حقيقتين ، اولاهما ان الضوء المرئي خليط من الوان الطيف المختلفة ، التي تختلف عن بعضها في طول موجة كل منها .
اما الحقيقة الثانية فهي ان التركيب الكيميائي للجزيئات يحدد نوع الموجات التي يستطيع امتصاصها من الضوء المرئي حينما يقع عليها .
فهناك جزيئات تمتص اللون ذا الموجة الطويلة ذات الطاقة القليلة وهو اللون الاحمر . مما يؤدي الى ظهورها باللون المكمل للاحمر وهو الاخضر .
اما اذا امتصت الجزيئات لونا ذا موجة قصيرة ولها طاقة عالية مثل اللون الازرق ظهرت المادة باللون المكمل للأزرق وهو البرتقالي .
وهناك العديد من الجزيئات التي يسمح لها تركيبها الكيميائي بامتصاص لون محدد من الوان الضوء الابيض لتظهر باللون المكمل .
ومن امثلتها جزيء الكلوروفيل في الاوراق الذي يكسبها اللون الاخضر ، والكاروتين في الجزر هو الذي يكسبه اللون البرتقالي ، ومركب الزيازانثين الذي يهب الذرة لونها الاصفر الذهبي ، ومركب البيتاسيانين الذي يعطي للشمندر لونه الاحمر وغير ذلك كثير .
اما الاحساس بالطعم او التذوق فهو مثال على ما يسمى الاستقبال الكيميائي .
ويقتصر الحس بالطعم لدى الانسان وباقي الثدييات على المنطقة الرطبة في الفم . اما بعض الحشرات فتحس بالطعم من خلال ارجلها ، في حين نجد ان جميع انحاء جسم السمك مغطى بالمستقبلات الكيميائية لتمكينه من الاحساس بالطعم .
وتوجد المستقبلات الكيميائية الخاصة بالتذوق عند الانسان في فمه على اللسان . هذا ويبلغ معدل طول لسان الانسان حوالي عشرة سنتيمترات ، وينتشر عليه حوالي 9000برعم ذوقي ، ويتناقص هذا العدد مع تقدم السن . ويتألف كل برعم منها من مجموعة مكونة من 50-100 خلية ظهارية يتصل بكل منها من النهايات العصبية ويقتصر وجود البراعم الذوقية عند الانسان البالغ على محيط اللسان ، والذي ينقسم الى اربعة اجزاء يتجاوب كل منها مع مذاق معين . وهذه المذاقات هي الحلاوة والملوحة والحموضة والمرارة.
ويتذوق الانسان الحلاوة في مقدمة لسانه
اما طعم الملوحة فيتذوقها في الطرفيين الاماميين للسان
في حين يتذوق الحموضة في الطرفيين الخلفيين للسان
اما الاحساس بالمرارة فيتم في النصف الخلفي للسان .
وتسمى الجزيئات التي تثير الاحساس بالطعم بجزيئات النكهة .من اهم خواصها قابليتها للانحلال في الماء حتى تتمكن من الوصول الى براعم التذوق ويلاحظ ان لكل جزيء مسئول عن النكهة ترتيب معين للذرات في مجموعة لها شكل محدد تسمى وحدة النكهة . ووحدة نكهة الحلاوة هي الجلوكوفور .
ومن الملاحظ ان شكل الجلوكوفور يتناسب مع شكل احدى البروتينات الموجودة في مستقبلات التذوق على طرف اللسان الامامي ، وهكذا يتمكن الجلوكوفور من التآثر مع هذا البروتين فيرسل اشارة الى الدماغ لتمييز المذاق الحلو. ويمكن تمثيل هذا التآثر بين الجلوكوز والبروتين بالقفل والمفتاح . اذ ان القفل (في هذه الحالة البروتين ) لايمكن فتحته الا بمفتاح (جلوكوفور) له مواصفات معينة .
وهكذا نجد ان الجزيئات ذات المذاق الحلو مثل الفركتوز (سكر الفاكهة) والسكروز والجلوكوز ، جميعها لها جلوكوفورات تتناسب وتركيب المستقبل البروتيني في الطرف اللسان . وقد امكن اصطناع مواد حلوة المذاق مثل السكرين والسكلامايت والاسبرتيم وكلها لها مذاق حلو يفوق حلاوة السكر عشرات المرات .
اما الحموضة والمرارة فتكون المسئولة عن الاحساس بها الاجزاء الخلفية من اللسان .والحموضة تنجم عن وجود ايون الهيدروجين الموجب الشحنة الذي تطلقه الاحماض مثل حمض الخل او الحمض الفسفوري والحمض الكربوني ، وجميعها تضاف الى المشروبات لاعطائها حموضة مستساغة .
وهناك ايضا فيتامين (ج) او الحمض الاسكوربي الذي يوجد في الليمون والحمضيات بشكل عام .
ويمكن ايضاح آلية الاحساس بالحموضة اذا علمنا ان براعم التذوق المنتشرة على جوانب اللسان الخلفية تحتوي على جزيئات البروتينات الغنية بأيونات الكربوكسيل (-COO-) الناجمة عن مجموعة الكربوكسيل بعد فقدانها لأيون الهيدروجين . ويلاحظ ان هذا التفاعل من التفاعلات العكوسة ، فمجموعة الكربوكسيل تفقد أيون الهيدروجين لتكون ايون الكربوكسيل السالب الشحنة الذي يمكنه اعادة الاتحاد مع ايون الهيدروجين الموجب الشحنة ليكون مجموعة الكربوكسيل مرة اخرى . وهكذا فان وجود أي من الاحماض في الفم يطلق ايونات الهيدروجين الموجبة الشحنة والتي تتحد مع ايونات الكربوكسيل السالبة الشحنة الموجودة على براعم التذوق ، وبذلك يتغير شكل جزيئات البروتين التي تحمل ايونات الكربوكسيل ، وهذا بدوره يؤدي الى ارسال اشارة عصبية الى الدماغ يكون مدلولها الشعور بالحموضة .
اما مذاق المرارة فهو مرتبط بجزيئات كيميائية تحتوي على ذرات النيتروجين مثل المركبات القلوانية التي توجد في الكثير من النباتات المغلفات البذور . ومن امثلة هذه الجزيئات الستركنين والكافئين والنيكوتين ، والتي تتمتع بسمية شديدة . وتعتمد آلية الشعور بالطعم المر الى نظرية القفل والمفتاح . اذ ان الجزيئات المرة تحتوي على جلوكوفور يتناسب مع براعم التذوق الخاصة بالمرارة فاذا ما لامسها نجم الاحساس بالطعم المر. .
اما حاسة الشم فتنجم عن تأثير الجزيئات الكيميائية على النهايات العصبية الشمية في الأنف واثارتها .
ويعد حس الشم فريدا من نوعه بين الحواس ، اذ يوجد عدد هائل من مستقبلات الرائحة يصل عددها الى حوالي 50 مليونا موجود في بطانة الانف . وتتألف جميعها من نهايات عصبية عارية . وهكذا فان حس الشم هو اتصال مباشر بين العالم الخارجي والجملة العصبية (الجهاز العصبي) وكأن الدماغ مكشوف على الانف .
وحس الشم له علاقة وثيقة بأكثر مراكز الدماغ بدائية وهو النظام اللمبي او الحرفي ، وهذا النظام مسئول ايضا عن العواطف الانسانية وقد يفسر هذا التأثير القوي واللاشعوري الذي تسببه الرائحة لدى الانسان .
وتجدر الاشارة الى ان الجزء الذي يسبب رائحة المادة الكيميائية يدعى حامل الرائحة والازموفور . ومن الخواص التي لابد وان تتحلى بها الجزيئات ذات الرائحة قابليتها للتطاير حتى تصل الانف عن طريق الهواء ، واضافة لذلك ينبغي لها ان تكون قابلة للذوبان في الماء ولو جزئيا ، حتى تتمكن من الانحلال في الغشاء المخاطي للانف والوصول الى النهايات العصبية الشمية.
وقد اهتم العلماء بدراسة حاسة الشم وعلاقتها بالروائح المختلفة ، ويمكن ايجاز اهم ما توصلوا اليه في النقاط التالية :
– هناك ما يقرب من 400000 رائحة مختلفة يمكن التمييز بينها.
– اذا تحدث الانسان وفمه مليء بالاكل فان هذا يقلل من قدرته على تذوق الطعم المميز لما يأكله .
– يزداد وقع رائحة المواد عند حفظها في اواني معتمة او ملونة .
– نجمت عادة بعض الشعوب او الجماعات في احراق جثث الموتى من رغبتهم في منع هذه الجثث من التعفن واصدار الروائح الكريهة .
– ان استخدام الامهات لعطر معين عند خروجهن من البيت يخلق عند أطفالهن شعورا بكراهية رائحة هذا العطر لأنه يشير الى قرب فراق امهاتهم لهم .
دمتن بخير