“التساهل في الحلف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فمن الأخطاء العقدية الشائعة لا سيما عند التجار والصغار كثرة الحلف، فيبادرك أحدهم بالحلف ولو لم يقتضي الأمر ذلك، ويزداد الأمر سوءاً حينما يتبين لك كذبه، ولعل السر في الاتصاف بذلك ضعف تعظيم الله في القلب..
وقد دلت النصوص على تحريم ذلك، وأرشدت إلى حفظ اليمين، وتوعدت من استهان بهذا الباب، فإليك أيها القارئ الكريم طرفاً منها:-
1-قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} قال ابن عباس: يريد لا تحلفوا. وهذا أحد القولين في الآية.
2. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب}. متفق عليه
أي الحلف نفاق
ورواج للسلع، والمحق هو النقص والمحو، والمعنى أنه إذا حلف على سلعة أنه أعطي فيها كذا وكذا، أو أنه اشتراها بكذا وكذا، وقد يظنه المشتري صادقا فيما حلف عليه، فيأخذها بزيادة على قيمتها، والبائع كاذب في ذلك، وإنما حلف طمعا في الزيادة، فيكون قد عصى الله، فيعاقب بمحق البركة، فإذا ذهبت بركة كسبه دخل عليه من النقص أعظم من تلك الزيادة التي دخلت عليه بسبب حلفه، وربما ذهب ثمن تلك السلعة بالكلية، فإن ما عند الله إنما ينال بطاعته، وإن تزخرفت الدنيا للعاصي، فعاقبتها الاضمحلال والذهاب والعقاب الوبيل.
3. عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم}. وذكر منهم المنفق سلعته بالحلف الكاذب.
قال ابن قاسم:وصاحبها إن كان موحدا فتوحيده ضعيف، وأعماله ضعيفة بحسب ما قام بقلبه، وظهر على لسانه وعمله، من تلك المعاصي العظيمة مع قلة الداعي إليها. [حاشية كتاب التوحيد]
4. [عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلمقال: {خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته}
قال إبراهيم النخعي:(كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار). وهذا فيه تمرين الصغار على طاعة ربهم، ونهيهم عما يضرهم، وفعلهم ذلك إنما هو لئلا يعتادوا إلزام أنفسهم بالعهود وهي الأيمان، لما يلزم الحالف من الوفاء، وربما أثم وكذا الشهادة، فإنه إذا اعتادها حال صغره سهلت عليه، فربما أداه ذلك إلى التساهل حال كبره، فإن من شب على شيء شاب عليه.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.