من عادة المغاربة الشروع في الاستعداد لرمضان الكريم، أسابيع قبل حلوله، تبدأ مع حلول شهر شعبان،
وهناك فئة تبدأ في الاستعداد له قبل ذلك بكثير، إلا أن هذه الظاهرة عرفت هذه السنة صعوبات لتزامن
الاستعداد لشهر رمضان مع الدخول المدرسي. الأسواق الشعبية العشوائية والنظامية مملوءة عن آخرها،
والدكاكين مزدحمة والنساء يتدافعن فيما بينهن، وكأنهن يتهيأن لتخزينها كما لو كانت البلاد على أبواب
أزمة اقتصادية، يجمعهم في ذلك هم مشترك، وتفرقهم القدرة الشرائية التي تختلف بين أسرة وأخرى.
الحركة في سوق (باب بوجلود) سوق (باب الجلود) بمدينة (فاس) عاصمة المغرب العلمية
والثقافية، والذي يشهد في مثل هذا الوقت من السنة رواجاً كبيراً، حيث تمتلئ ساحاته بمختلف المواد
الاستهلاكية، ابتداءً من الحلويات والتمور والتين المجفف (المعروف بالشريحة) وكل أنواع العسل الطبيعي
والاصطناعي، مروراً بالفواكه الجافة، التي تعد ركيزة أساسية من ركائز رمضان، وهي اللوز والكاكاو
والسمسم وزريعة الكتان وحبة النافع والبسبيسة وغيرها التي تدخل في الحلويات المغربية التقليدية
الشهيرة. السيدة مباركة في منتصف الأربعينات من عمرها تقول “رمضان يأتي ببركاته وخيراته، فرغم أننا
خرجنا للتو من محنة لوازم الدخول المدرسي، والتي كلفتنا الشيء الكثير، إلا أننا نتدبر أمرنا من أجل
الاستعداد لرمضان، وذلك بتهيئة لوازم الصيام، من حلويات مختلفة الأشكال ومن رغائف سفوف وتمور
وتين مجفف وغيرها، فلا يمكن تصور رمضان بدون لوازم كهذه…”. إذن وبالرغم من أن جل الأسر المغربية
تتدبر أمر رمضان بصعوبة بالغة، حيث تعمل النساء على الشروع في الاستعداد لرمضان مع إطلالة شهر
شعبان أو حتى شهر رجب بالنسبة للأسر المعوزة عبر تخزين العدس والحمص، واستغلال رخص الطماطم
وطحنها والاحتفاظ بعصيرها، إلى حلول رمضان، باعتبار أن الوجبة الرئيسية للأسر المغربية خلال الشهر
الفضيل هي شربة الحريرة المصنوعة من هذه المكونات المخزنة. بالرغم من هذا التدبير المنزلي فإن هناك
أسراً من ذوات الدخل المحدود تجد صعوبة بالغة في التوفيق بين متطلبات الشهر الكريم، وخصوصاً أمام
ارتفاع الأسعار، أسعار المواد المستعملة والمستغلة في هذا الشهر الكريم، ما يدفع بالكثير من ربات البيوت
إلى تسجيل أنفسهن في العديد من الجمعيات الخيرية الحكومية والمستقلة، التي تقوم بتوزيع المساعدات
خلال شهر رمضان، ومنها شربة الحريرة والبيض والحليب والسكر والزيت، وهي مساعدات تأتي لتخفيف
العبء عن مجموعة من الأسر ذوات الدخل المحدود والمنعدم في كثير من الأحيان، بل وللالتفاف حول
المساعدات البسيطة لهذه الجمعية أو تلك، يبادرك أكثر من فرد من الأسرة، خاصة تلك التي تتميز بكثرة
أفرادها في التسجيل في أكثر من جمعية. وأهم ما يميز رمضان هو ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية،
والتي تشكل عائقاً في وجه المستهلكين، رغم تطمينات الدوائر الحكومية التي تصدر عادة في الأيام التي
تسبق حلول الشهر الكريم. (الحريرة) ملمح مركزي في رمضان وتمس هذه الارتفاعات المواد التي تعتبر
الحجر الأساس في الوجبة الرئيسية لكل مائدة، وهي الحريرة، فحسب السيدة (فاطنة) ذات 35 ربيعاً، تكلف
وجبة الحريرة وحدها ما يقارب الثلاثين درهماً (3 دولارات) لأسرة متوسطة الدخل والأفراد، دون الحديث
عن اللوازم الأخرى، فللحصول على وجبة الحريرة لثمانية أفراد، يستوجب توفير كيلوغرامين من الطماطم
والتي يتراوح ثمنها ما بين أربعة وخمسة دراهم (نصف دولار تقريباً)، دون ذكر مسحوق مركز الطماطم الذي
يصل ثمنه إلى درهمين ونصف (ربع دولار)، بالإضافة إلى مقادير معينة من الحمص والعدس واللذين يصل
ثمنهما إلى ثلاثة عشر درهماً للكيلوغرام الواحد (دولار ونصف)، والأرز والمفدنوس والسمن البلدي وقليل
من قطع الدجاج أو اللحم وغيرها من التوابل… أما المواد الأخرى التي تعد ثانوية عند البعض وأساسية
عند البعض الآخر حسب إمكانات الأسر واستعدادها المادي، ومنها البيض المحدد سعره في درهم واحد،
والذي قد يرتفع أو ينخفض تبعاً لمنطق العرض والطلب، والحليب ومشتقاته التي يكثر عليها الطلب، خلال
شهر رمضان، ما يدفع عدداً من الأسر إلى الاستعانة سواء بالحليب التقليدي المجلوب من القرى المجاورة
أو بمسحوق الحليب، بعد أن يتعذر على مراكز الحليب تغطية كل الطلب. وتعرف اللحوم البيضاء والحمراء
والأسماك إقبالاً منقطع النظير خلال رمضان، حيث يصبح الميناء (مرسى السمك) قبلة للجميع، وتصبح
الأسواق الجانبية والهامشية التي تقام في كل الدروب محجاً للأفراد والجماعات، ما يجعل أسعارها ترتفع
ارتفاعاً جنونياً”. تبذير يناقض مفهوم الصيام حول هذه الظاهرة يقول الحسن وهو شاب تزوج حديثاً “خلال
شهر رمضان تزيد نسبة الاستهلاك لدى الناس، أظن أنه وبسبب الجوع الذي يتملك الإنسان خلال رمضان،
العين بدورها تأكل وتشتهي قبل البطن أحياناً، ولكن غياب النظام وغياب التدبير العقلاني لاقتناء المواد،
يجعل الأسر تتنافس في اقتناء كل المأكولات والمشروبات ومتطلبات الشهر، والتي لا تستهلك كلها مع
الإعلان عن موعد الفطور، إذ لا يكاد المرء يشرب كأساً من القهوة، وصحن من الحريرة حتى يصاب
بالإعياء والإجهاد…”. ونحن نغادر مركز المدينة، حيث تتواجد الضاحية القديمة (التاريخية) من مدينة
(فاس) كان موعد الآذان قد أزف، ما يجعل خط السير في أغلبه أحادياً من مركز المدينة إلى الأحياء الشعبية
المتواجدة في ضواحي الدار البيضاء، ويجعل الشارع المتجه الذي يسير في الاتجاه المعكوس شبه خال.
الأحياء الشعبية والحواري تبدو كخلية نحل.. فالصائمون يجرون ويعدون في كل الاتجاهات، الأيادي ممسكة
بأكياس بلاستيكية مملوءة بالخبز ومختلف الحلويات والمشروبات والفواكه، والأسماك المقلية والمشوية، و
سيارات الأجرة تتسابق من أجل الفوز بزبون محتاج إلى عودته إلى بيته، أغلب الزبائن من الرجال، باعتبار
أن النساء من ربات البيوت وحتى الموظفات يتواجدن في مثل هذا الوقت في المنازل، مهمتهن إعداد أطباق
الفطور. مظاهر ومفارقات على غرار الأحياء الشعبية بالمدن المغربية هناك حالة غريبة ترصدها الأعين
بمدينة (فاس) حالات من الخصام، والزعيق ومشادات هنا وهناك، ويواكب ذلك كلام سوقي يتبادله من
يصومون بالرغم عنهم، خاصة من المدمنين على التدخين. من الأشياء التي يمكن رصدها أيضاً الأسواق
المتنقلة التي تشهدها أزقة المدن المغربية في مثل هذا الشهر من كل سنة، حيث تزدحم الأسواق بمختلف
السلع والتي أغلبها مجهول المنشأ باعتبار أن أغلبية هذه السلع مهربة، خاصة وأن مدينة (فاس) تقع في
تقاطع الطرق، فالطريق الذي يربط مدن الغرب المغربي بشرقه (حيث توجد (فاس) المجاورة للحدود
الجزائرية) وشماله الشرقي (حيث توجد (مليلية) المحتلة من قبل إسبانيا) ما يجعل جل هذه المواد
الاستهلاكية الأساسية التي تتميز برخص أسعارها تباع في ظروف غير صحية، تنعدم فيها شروط النظافة
والوقاية والمراقبة الطبية. من بين ما تم رصده في أحياء وحواري (فاس) المباريات الكروية التي تمتلئ
بها ساحة المدينة، والتي تعرف بدوري رمضان، والتي تقام فعالياتها غالباً في ساعات ما بعد العصر وقبيل
دوي مدفع الإفطار، والتي غالباً ما تعرف مواكبة مكثفة من قبل الجمهور الذي يعتبر أغلبه أن هذه المباريات
تقتل الوقت الذي يعرف بطئاً ملحوظاً أثناء تقدمه نحو أذان المغرب.
تحياتي ..