مقال اعجبني للدكتور ميسره طاهر حبيت تشاركوني رأيكم فيه :
خرج من الدار ونظر إلى السماء فوجدها مسودة مكفهرة، غيومها السوداء المتلبدة تزحف نحو سماء البلدة، والبرق ينير الأرض مع بعده، أسرع الخطى لظنه المؤكد أن عاصفة رعدية قادمة بعد وقت وجيز، مع ما يرافقها عادة من مطر غزير، ركض مسرعا نحو حصانه الذي يحبه، والذي جمعته به ذكريات كثيرة سارة في مجملها، مسك بالرسن وجره باتجاه الحظيرة في محاولة لحمايته من العاصفة، إلا أن الحصان لم يتحرك من مكانه، حاول ثانية وبقوة أكبر، ومع ذلك أبى وتمنع، وبقي في مكانه كأنه جمد، رفع رأسه باتجاه نافذة البيت فوجد ولده الشاب ينظر إليه ويبتسم، فأومأ له بأن احضر حالا، وصار هو يسحب وولده قوي البنية مفتول العضلات يدفع الحصان، إلا أن كل محاولاتهما باءت بالفشل والحصان ثابت في مكانه، كانت الخادمة هي الأخرى ترقب ما يفعلانه من النافذة، ولم تستطع الانتظار طويلا فهرعت إليهما وقالت لصاحب الدار وابنه دعوه لي، وأدخلت إبهامها المبلل بالماء في علبة للسكر حيث تعلق السكر بإصبعها ووضعت إصبعها في فم الحصان فصار يمص السكر ويمشي وراءها حتى دخل الحظيرة، تبسم الأب متعجبا ونظر لابنه القوي وقال له: يا بني يبدو أن القوة ليست دائما من يجعل الناس يفعلون ما تريد، خرجت الخادمة من الحظيرة لتجد الأب وابنه بانتظارها، وسألها الأب من أين تعلمت هذه الطريقة لجعل الحصان يفعل ما تريدين، فقالت: يا سيدي تعلمتها من أمي، فحين كنت صغيرة كانت لي سلحفاة صغيرة أطعمها وألاعبها، وفي أحد الأيام الباردة كيومنا هذا دخلت على سلحفاتي وهي تدخل رأسها في قوقعتها، فرجوتها أن تخرج رأسها، ولكنها رفضت، ضربت قوقعتها بعصا كانت بيدي فأبت أن تخرج رأسها، صرخت بها ولم تجبني، التفت نحو الباب، لأجد أمي تبتسم وتطلب مني أن أدعها وأرافقها فأجلستني بالقرب من المدفأة ثم أشعلتها وجلست معي تحدثني وأحدثها، وحين انتشر الدفء في الغرفة كلها أخرجت السلحفاة رأسها فهرولت إليها وقلت لأمي: لماذا أخرجت السلحفاة رأسها دون أن نطلب منها ذلك؟ فقالت لي: يا ابنتي أدخلت السلحفاة رأسها حين شعرت بالبرد، وأخرجته حين شعرت بالدفء، وتذكري أن الناس كالسلحفاة إن أردت أن ينزلوا عند رأيك فأدفئيهم بحبك وعطفك ولا تجبريهم وتكرهيهم على ما تريدين بعصاك أو بكلامك القاسي، ألم ترين أمس كيف تبعني الحصان وهو يمص قطع السكر العالقة بيدي في حين أنه لم يجب أباك الذي شده وجره وضربه، إن الناس يندفعون لتلبية ما تريدين منهم حين يتذوقون حلاوة معاملتك تماما كما فعل الحصان معي أعطيته السكر فتبعني، وأدفأنا السلحفاة فخرجت ولبت لك رغبتك، وتأكدي يا ابنتي أن البشر لن يعطونا مكانا نسكن به في قلوبهم إلا بدفء مشاعرنا وصفاء قلوبنا ونقاء أرواحنا، يومها ذكرتني بحديث رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حين قال: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»، وبدل إضاعة الوقت في سحب الحصان ودفعه وإضاعة طاقتنا في ذلك، منحناه بعض السكر فتبعنا وأحبنا وذهب معنا إلى حيث نريد. وحين أشعنا جو الدفء حول السلحفاة أخرجت رأسها وزحفت نحونا وأراحتنا من الصراخ والضرب والغضب عليها، يومها يا سيدي تعلمت من أمي هذا الدرس ولو لم أتعلم إلا هو لكفاني للترحم عليها مدى الحياة.