السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان رسول اللّه يسامر نساءه ويتجاذب معهن أطراف الحديث الذي يعجبهن، وربما طاب لهن أن يتلهين بأحاديث خرافية أو أقاصيص للمتعة، فيشترك معهن في ذلك، وربما ذكّرهن من هذا القبيل بالكثير. ولم يكن عليه الصلاة والسلام يرى في ركونه إلى ذلك أي منقصة تلحقه. بل كان يرى في ذلك قربة إلى اللّه عز وجل… وقد وصلنا من ذلك حديث (أم زرع) الذي قصته عائشة على رسول اللّه، وهو من الطرائف والملح التي تتناقله النساء في مجالسهن، فقال لها رسول اللّه في نهاية الأقصوصة التي ذكرتها له: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع)…
وعلى الرغم من حديث رسول اللّه (خيركم خيركم لأهله ..) فإن هناك ثلة من الرجال، يمارسون نقيض هذا الذي أوصى به رسول اللّه!.. إذا كان أحدهم بين أصدقائه ومعارفه أو مع الناس في سوقه، أراهم من وجهه كل بشاشة ولطف، ومن لسانه أعذب الكلمات، ومن نفسه أطيب المعاملة. فإذا عاد إلى داره في المساء، تجهم منه الوجه وكسا نفسه برداء الهيبة، وحبس حديثه في نطاق الجدّ، ولم يتكلم إلا بمقدار.. وإني لأعلم أن في النساء من يشتهين قدوم رجال عليهن في البيت، كي يأنسن بما قد حُرِمْنَ منه من مباسطة أزواجهن لهن والخوض معهن في الأحاديث الممتعة، ولو من وراء حاجز، ولو جاءت هذه المباسطة مع غيرهن!..
ولكم تساءلت مع نفسي: الأخلاق الحميدة واحدة، فلماذا قضى رسول اللّه بأن تكون ممارستها في الدار مع الزوجة، أعلى درجة عند اللّه من ممارستها في الخارج مع الأصدقاء وعامة الناس؟..
ولقد هديت بحمد اللّه إلى الحكمة: إن ممارسة الرجل للأخلاق الفاضلة خارج المنزل مع الناس، تأتي بدوافع مختلفة شتى، من أبرزها تحقيق المصالح الدنيوية وراء ذلك، ومن أهمها أن ينسج لنفسه بين الناس سمعة طيبة، وأن يغرس في نفوسهم أنه من أصدق الناس قولاً وأبشهم وجهاً، وألطفهم معاملة… وبذلك يمهد لتحقيق آماله الاجتماعية المتنوعة، ومن أخفاها وأضعفها البحث عن مرضاة اللّه عز وجل.
أما في داخل الدار، حيث يخلو وجه الرجل إلى زوجته، فإن المطامع التي كانت تدعوه إلى أن يتجمل في حديثه ويلاطف في معاملته تختفي هنا نهائياً، ولايبقى أمامه من مطمع للاستمرار في تلك الملاطفة والظهور بمظهر الأخلاق الفاضلة إلا أن يبتغي مرضاة اللّه.
فمن هنا كان لطف الرجل مع أهله في المعاملة، داخل الدار، مقياساً دقيقاً في الدلالة على صدقه وعدم نفاقه، إذ لافائدة من النفاق هنا، إلا في الحالات النادرة جداً…
دموع2005