يقولون إن في السفر سبع فوائد، لكنه يصبح أحيانا سببا للكثير من الخلافات والمشاكل الزوجية، والأخطر أن خلافات السفر قد تدفع الزوجين إلى حافة الطلاق وتدمير الأسرة أحيانا. زوجة تريد السفر كل عام والزوج لا يستطيع تلبية رغبتها، زوجة تريد السفر من أجل الدراسة والزوج يرفض فتفكر في الطلاق، زوج سابق يرفض سفر أبنائه بصحبة أمهم فيرفع كل منهما قضية على الآخر. هذه نماذج لبعض الخلافات التي يشعلها السفر في البيوت ونتناولها في التحقيق التالي.
‘عشرات الرسائل تصلني مع قدوم الصيف وبدء الاستعداد للعطلة الصيفية، وكلها تتناول خلافات ومآسي تتعلق بالسفر. والغريب أن بعض هذه الخلافات يصل إلى قاعة المحكمة، وبعضها ينتهي بالطلاق’، هكذا بدأ المحامي خالد العبد الجليل حديثه عن الخلافات التي يشعلها السفر بين الزوجين، وأضاف:
من كثرة الرسائل والاستشارات القانونية التي تتعلق بالسفر خصصت أكثر من حلقة في برنامجي الإذاعي ‘مسائل قانونية’ لقصص وحكايات بطلها الأول السفر.
فهذه قصة زوجة تعشق السفر وتقدسه ربما أكثر من تقديسها للحياة الزوجية، فهي تريد السفر عدة مرات في السنة، وفي كل اجازة أو عطلة لا بد أن تذهب إلى بلد جديد فهي لا تحب أن تزور البلد الواحد مرتين. والزوج لا يستطيع أن يلبي مصاريف السفر الباهظة عدة مرات في العام، لكنه إذا فكر في رفض طلب زوجته تحولت حياته إلى جحيم وخلافات يومية لا تنتهي. أما الأمر الأصعب الذي يشعر معه بالإهانة، فهو أن الزوجة تسافر إن رفض بصحبة أهلها ومن دونه.
وكان سؤال الزوج المسكين لعبد الجليل: كيف أمنع زوجتي من السفر؟
السفر وعناد الأزواج
هل يمكن أن يكون العناد وراء خلافات السفر؟ نعم فهذه القصة تؤكد ذلك.
يقول الزوج بطل القصة إنه تزوج منذ ست سنوات وأثمر الزواج عن ثلاثة أبناء، لكن الحياة مع زوجته لم تسر طوال هذه السنوات على ما يرام، فلا يكاد يمر يوم من دون خلافات. وأراد الزوج أن يغيظ زوجته، فقرر حرمانها من السفر ورفض عندما طلبت منه قضاء العطلة في الخارج، وهددها بأنها لن تترك الديرة لمدة سنوات. لكن الغريب أن الزوجة قررت أن تأخذ أبناءها وتسافر وحدها من دون الزوج ضاربة برفضه عرض الحائط، وكأن لسان حالها يقول على المتضرر اللجوء إلى القضاء.
السفر وخلاف الأزواج السابقين
لا تنتهي مشاكل السفر بالطلاق بين الزوجين، بل ربما تبدأ بعد الطلاق. فهذه الأم المطلقة قررت أن تقضي مع أبنائها عدة أيام في رحلة خارج الكويت. وعندما عرف الزوج أعلن رفضه التام لسفر الأبناء، وظن أن الأم استسلمت للأمر الواقع، خاصة أن الأبناء لا يملكون جوازات سفر. وكانت المفاجأة المذهلة عندما اتصل به ابنه هاتفيا من خارج الكويت ليقول له ‘بابا شلونك’. صعق الزوج عندما علم أن أبنه يتحدث من الخارج، فكيف سافروا من دون جوازات سفر؟
الأمر بسيط، فالزوجة رفعت دعوى من أجل إصدار جوازات سفر لأبنائها، وحكمت لها المحكمة بذلك، وأصدرت جوازات السفر وسافرت بأبنائها إلى الخارج.
وهذه قصة أخرى بطلتها أيضا زوجة سابقة طلقها زوجها منذ سنوات. فقد قررت هذه الزوجة أن تسافر مع أبنائها بعد انتهاء الدراسة إلى بلد أوروبي جميل لقضاء رحلة تستغرق عدة أسابيع. لكن المشكلة أن الزوج السابق رفض أن يسمح بسفر أبنائه مع أمهم وزوجته السابقة. فقرر كل من الزوجين السابقين أن يرفع دعوى ضد الآخر: الزوجة تطلب تمكينها من السفر بصحبة أبنائها والزوج يطلب عدم السماح بسفر أبنائه مع زوجته السابقة.
السفر أو الطلاق
ربما من أكثر مآسي خلافات السفر أن يكون الاختيار صعبا: إما السفر وإما الطلاق. فهذه الحكاية لزوجة صغيرة السن ارتبطت بزوج لم يكمل تعليمه، بينما استطاعت هي على رغم أعباء الزواج أن تكمل تعليمها، لكن ذلك لم يكن يجري إلا بمساعدة الزوج.
حصلت على الشهادة الجامعية وتخرجت بتفوق وعينتها الجامعة معيدة، وكان لابد أن تسافر إلى دولة أوروبية بعد أن رشحتها الجامعة لبعثة لإكمال دراستها العليا. هنا ثار الزوج ورفض السماح لها بالسفر مهما كانت المغريات والمبررات. ودبت الخلافات بين الزوجين، هي تريد السفر ولو أدى الأمر إلى التضحية بالزوج والأبناء، والزوج يرفض السفر ويقول كفى.
والزوجان الآن أمام اختيار صعب: السفر أو الطلاق.
مأساة بطلها السفر
السفر عالم مجهول مليء بالمغامرات غير المحسوبة. بطلة هذه الحكاية مثال صارخ للتغيرات التي يمكن أن يحدثها السفر في حياتنا حيث قد يقلبها رأسا على عقب. خططت هي وزوجها للسفر عدة أيام إلى دولة عربية. وفي الفندق الذي نزلا فيه التقت بشاب وسيم موهوب في قول الكلام الجميل الذي يدير الرؤوس. ألقى الشاب الوسيم شباكه على هذه الزوجة، وبدأ يلقي على مسامعها كلاما معسولا كالذي يقال في الأفلام. ومرت العطلة بسرعة، وفي اليوم الأخير ذهب الشاب الوسيم ليودعها ويطلب منها أن تبحث له عن عمل في الكويت. طلبت منه صور أوراق جواز السفر، وبعد مرور فترة بسيطة على عودتها كان الشاب في الكويت. نجحت خطة الشاب الوسيم واستطاع أن يوهم الزوجة المغامرة بأنه يذوب فيها عشقا، فطلبت الطلاق من زوجها، وتنازلت عن كل حقوقها من أجل الحصول عليه. ضحت بالأبناء والمؤخر ونصيبها في البيت الفخم من أجل حبيب القلب الذي تعرفت عليه خلال رحلة سفر.
وبعد شهور كانت الزوجة في عصمة الشاب الوسيم الذي طلب منها التقاعد والسفر معه إلى بلده وتحويل راتبها إلى هناك، فباعت كل ما تملك وسافرت معه.
وفوجئت بعد فترة بطلب غريب من زوجها الجديد، وهو انه لا يريد أبناء ووافقت.
استطاع الشاب الوسيم أن يكون بأموالها ثروة كبيرة في بلاده، وهنا بدأ يظهر وجهه القبيج حيث حول حياتها إلى جحيم. وأخيرا قررت العودة إلى الكويت وهي تشعر بكراهية لكل شيء، وأول هذه الأشياء كلمة السفر.
القانون ليس الحل
سألت المحامي خالد العبد الجليل عن الخلافات العاصفة التي يثيرها السفر بين الزوجين، وهل يمكن للزوج أن يمنع زوجته من السفر، وهل يمكن للزوجة أن تسافر من دون موافقة زوجها، فقال العبد الجليل:
بعض الأزواج والزوجات يسرع بالذهاب إلى المحامين والمحاكم عند حدوث أي خلاف يتعلق بالسفر. وأقول لهؤلاء إن هناك مشكلات لا يحلها القانون وحده، فهناك وسائل اجتماعية وإنسانية وودية يمكن أن تساهم في حل ما يقابلنا من مشكلات ومنها مشكلة الخلافات التي تشتعل بين الأزواج والزوجات بسبب السفر. فالزوج الذي لا يوافق على سفر زوجته لا يجوز أن تتحداه زوجته بالسفر وحدها، وكأنها تطلب منه أن يضرب رأسه في الطوفة.
هناك أساليب أخرى تستطيع بها الزوجة الذكية، وبأساليب ودية، أن تنتزع موافقة زوجها على السفر، أو يمكنها أن توسط والد أو والدة الزوج لإقناعه بالموافقة. أما اللجوء إلى المحامي والمحكمة فهذا شيء غير منطقي، وأنا كمحام لا استسيغ هذا التصرف من بعض الزوجات، فكيف تسافر الزوجة من دون رغبة زوجها؟ أو كيف تأخذ المطلقة أبناءها إلى الخارج من دون استشارة والد أبنائها؟
السفر يرمم الخلافات ويؤججها
د. حسن الموسوي الاستشاري النفسي والاجتماعي يرى أننا نعاني في مجتمعاتنا العربية من عدم رؤية واضحة لمعنى السفر وهدفه، فيقول:
المفروض أن الهدف من السفر هو قضاء وقت ممتع بعد عام من العناء والعمل، وتغيير الأجواء للإفلات من الروتين اليومي لحياتنا. كما أن السفر يمكن أن يكون بدافع ترميم الحياة الزوجية، وإزالة ما يعتريها من خلافات طوال العام تأخذ من رصيد المحبة والرحمة بين الأزواج، فالسفر مع اللمة العائلية يمكن أن يعيد هذا الرصيد مرة أخرى من خلال فتح صفحة جديدة.
لكن المشكلة هي كيف يتعامل الأزواج مع السفر؟
ما يحدث أن السفر أصبح مظهرا من مظاهر المجتمع الاستهلاكي الذي نعيشه حاليا، بما يحمله هذا النمط الاستهلاكي من سلبيات مثل تقليد الآخرين، فغير المقتدر ماديا يريد تقليد المقتدر والسفر إلى الأماكن التي يسافر إليها من دون مراعاة ميزانيته المادية. والجميع يريد أن يسافر من دون تخطيط ومن دون وضع هدف محدد للسفر، كما يريد كل طرف أن يتخذ قرار السفر وحده من دون مراعاة لرغبات الطرف الأخر. وبذلك بدلا من أن يصبح السفر متعة، يتحول إلى أداة لتأجيج الخلافات الزوجية.
رأي القانون …….. خالد العبد الجليل :
القانون لا يعطي الزوج حق منع زوجته من السفر
يقول المحامي خالد العبد الجليل إن القانون لا يعطي الزوج أي حق لكي يمنع زوجته من السفر إن هي أرادت. فحتى لو سافرت الزوجة من دون رغبة زوجها لا يستطيع أن يفعل شيئا لها بالقانون. أيضا لا يستطيع الزوج السابق منع أبنائه من السفر مع أمهم التي هي مطلقته حتى لو على سبيل التنزه كما يقول القانون، أي لو أرادت الزوجة أو المطلقة السفر إلى الخارج من أجل تغيير الجو، لا يستطيع الزوج أو المطلق منعها أو الأبناء من السفر، حتى لو كانوا لا يمتكلون جوازات سفر فهي يمكن أن ترفع دعوى وتصدرها لهم وتسافر بهم من دون رغبة أبيهم.
الحالة الوحيدة التي يمنع فيها القانون الزوجات من السفر إذا كان السفر بهدف الإقامة والهجرة في الخارج، وبالطبع لا توجد زوجة كويتية تريد أن تقيم أو تهاجر خارج بلدها.
علم النفس والاجتماع : د. الموسوي: نحن نفتقد ثقافة السفر
يقول د. حسن الموسوي الاستشاري النفسي والاجتماعي: يمكن أن يكون السفر نعمة ومتعة للإنسان لكن يمكن أن يكون نقمة أيضا، وبابا لدخول المشاكل إلى الحياة الزوجية. كم من زوجة دخلت في خلافات مع زوجها لأنه لا يستطيع أن يجعلها تسافر في كل عطلة، وكم من زوج سافر وحده إلى بلاد بعيدة ليرضي غرائزه تاركا بيته وأولاده ضحية للإهمال، وكم من أم سافرت مع صديقاتها وأهملت زوجها وأبناءها.
نحن في حاجة لإعادة صياغة ثقافة السفر، وأول أبجديات هذه الثقافة أن نحدد هدفنا من السفر وأن نخطط جيدا له، وأن نراعي ميزانيتنا المادية، والأهم أن يكون السفر باتفاق الزوجين وبرغبتهما معا، لا أن يتفرد كل منهما بالقرار ويسافر وحده من دون الطرف الآخر.