من المكتبة الاسلامية … الشريعة الإسلامية عطاء لا ينضب
يجمع كتاب “قضايا فقهية معاصرة” لمؤلفه الدكتور عبدالحق حميش من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الشارقة والذي أصدره قسم النشر العلمي في الجامعة في 340 صفحة، عددا من القضايا الفقهية المستجدة ذات المكانة العظيمة في حياتنا المعاصرة، وقد سد المؤلف بكتابه فراغا في المكتبة الإسلامية، حيث بحث عن مرجع جامع لهذه القضايا فلم يجد.
يقول المؤلف: (لقد منّ الله على هذه الأمة بأن جعل الشريعة الإسلامية خالدة، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، فلا ينضب معينها، ولا ينفد عطاؤها، فهي أبدا تفي بحاجات كل عصر، ومتطلبات كل دهر، فلا تجد حادثة إلا وللشريعة فيها حكم، ولا تنزل نازلة إلا ولأهل العلم والفقه رأي استنادا إلى النصوص تارة، أو قياسا واجتهادا تارة أخرى. وهذا الكتاب يحوي قضايا ونوازل حيوية تمس حياة الأمة الإسلامية في شتى مجالاتها تم بحثها من خلال الشريعة الإسلامية الأصلية واجتهادات العلماء والمجامع الفقهية.
تناول الكتاب قضايا متنوعة تشمل أبواب الفقه: العبادات المعاملات والقضايا الطبية والفنية والنظام السياسي.
وهو يعرض كل قضية مع التعريفات اللازمة لها، وبيان أنواع القضية وأقسامها إن كانت متشعبة، ثم يفصل في عرض الآراء المختلفة مع ذكر الأدلة من القرآن والسنة أو أنواع التعليلات الأخرى والاستعانة بفتاوى هيئات كبار العلماء ومراكز البحوث الفقهية، ويناقش أدلة المانعين والمجيزين وأصحاب الآراء الفقهية، وفي النهاية يخبرنا بترجيحه أو اختياره من الآراء مع التعليل.
مباحث الكتاب
يتألف الكتاب من فصلين هما: مدخل إلى القضايا الفقهية المعاصرة ويضم ستة مباحث:
الأول منها بعنوان (خصائص التشريع الإسلامي) ونطالع فيه العناوين التالية: صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك، دلائل صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان.
المبحث الثاني بعنوان: (حقيقة القضايا الفقهية المعاصرة) وفيه تعريفات بهذه القضايا والألفاظ ذات الصلة بها.
المبحث الثالث نجده بعنوان: (أهمية موضوع القضايا الفقهية المعاصرة) حيث نتعرف فيه على أنواع القضايا وأمثلتها، وخصائصها، وفوائدها.
المبحث الرابع هو: (الاجتهاد في القضايا المعاصرة) ويندرج تحته: شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة، واجتهاد الصحابة في النوازل.
(الاجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة) هو عنوان المبحث الخامس وفيه نقرأ: تعريف الاجتهاد الجماعي، وأهمية الاجتهاد الجماعي في هذا العصر، وظهور المجامع الفقهية.
أما المبحث الأخير من الفصل الأول فهو: (مصادر القضايا الفقهية المعاصرة) وفيه هذه الموضوعات: أهم الكتب التي تعرضت للقضايا الفقهية المعاصرة، المجلات المتخصصة في الدراسات الإسلامية وأبحاث الفقه والاجتهاد، المواقع الإلكترونية المهتمة بالقضايا الفقهية المعاصرة.
وفي الفصل الثاني دراسة لبعض القضايا المعاصرة ويضم ستة مباحث كذلك. وختم الكتاب بملحق لأهم قرارات المجامع الفقهية.
ومن هذه القضايا التي تناولها في مجال العبادات: اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية، ومصارف الزكاة الحديثة. وفي مجال المعاملات اختار المؤلف قضايا: البطاقات الائتمانية والتأمين وإجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة، وفي الأحوال الشخصية توقف مع قضية زواج المسيار. وفي القضايا الطبية: حكم التبرع بالأعضاء، إجهاض الجنين المشوه أو الناتج عن اغتصاب، الاستنساخ، وقتل الرحمة.
وفي النظام السياسي تأمل في قضايا اشتراك المرأة في الانتخاب ومؤسسات الشورى، ومسائل من فقه الأقليات المسلمة، وحكم التجنس بالجنسية الأجنبية، وكان المبحث السادس خاصا بالفن والسينما والتمثيل.
قضية التأمين
نتوقف مع قضية التأمين التي انتشرت كثيرا في مجالات الحياة كافة حيث دخل عالم الصناعة والتجارة والزراعة كما صار من أنواعه التأمين على البيت والسيارة والصحة والحياة وحتى ما بعد الموت.
والتأمين نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة، غايته التعاون على ترميم أضرار المخاطر الطارئة بواسطة هيئات منظمة تزاول عقوده بصورة فنية على أسس وقواعد إحصائية ويهدف التأمين إلى تحصين المجتمع من آثار المصائب والنكبات وتحقيق التحابب والتماسك بين أفراد المجتمع.
وعقد التأمين بتنظيمه الحديث غربي المنشأ لم يكن معروفا من قبل، وأنواع التأمين هي:
أولا التأمين التعاوني بحيث تجتمع مجموعة من الأشخاص المعرضين للخطر المشابه ويدفع كل منهم اشتراكا معينا وتصرف هذه الاشتراكات لأداء التعويض لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإن نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، وأعضاء التأمين التعاوني لا يسعون إلى تحقيق الأرباح ولكن يسعون إلى تخفيف الخسائر، وهذا النوع قليل التطبيق اليوم، وهو جائز شرعا.
ثانيا التأمين بقسط ثابت حيث يدفع المؤمن له قسطا محددا إلى المؤمن وهو شركة التأمين المكونة من أفراد مساهمين غير المؤمن لهم، وهؤلاء هم الذين يستفيدون من أرباح الشركة ويهدفون إلى الربح على حساب المشتركين المؤمن لهم.
وهذ النوع (التأمين التجاري بقسط ثابت) فيه خلاف حيث أجازه فريق من الفقهاء مثل عبدالوهاب خلاف ومصطفى الزرقا، ومن أدلتهم قياس عقد التأمين على بعض العقود الإسلامية التي تهدف إلى تخفيف أثر المصائب وتعميق التكاتف بين أفراد المجتمع مثل نظام (العاقلة) ونظام (ضمان خطر الطريق) وهذا جائز عند الحنفية، وعقد نظام التقاعد والضمان الاجتماعي.
أما الرأي الثاني وهو رأي جمهور العلماء فيقول بالتحريم لكل أنواع التأمين، وبه قال معظم المجامع الفقهية لما يحتويه هذا النظام من الغرر الفاحش، ولما فيه من ضروب المقامرة (الميسر) حيث نجد فيها المخاطرة في معاوضات مالية وفيها غرم بلا جناية، وفيها غنم بلا مقابل أو بمقابل غير مكافئ. وفي هذا العقد أيضا شيء من الربا بنوعيه (ربا الفضل وربا النسيئة). وأورد المؤلف نص قرار مجمع الفقه الإسلامي وفيه مناقشة آراء القائلين بالجواز والرد على أدلتهم، وبيان سبب التحريم بالتفصيل.
وثمة رأي آخر في قضية التأمين وهو يقوم على التفريق بين التأمين على الأموال كالسيارات، والتأمين على الحياة، حيث أجازوا الأول ومنعوا الثاني.
والمؤلف يؤيد القول الثاني الذي يحرم التأمين بكل أنواعه، ثم يدعو المجتمعات الإسلامية إلى إقامة شركات التأمين التعاوني وهو النوع الأول من أنواع التأمين وهو يوافق روح الشريعة الإسلامية، وينبع من مبدأ الأخوة الإسلامية، ويحقق التكافل في المجتمع.
اكتساب الجنسية الأجنبية
وفي مبحث: حكم التجنس بالجنسية الأجنبية نتعرف الى مصطلح الجنسية وهو مصطلح سياسي جديد يرجع تاريخه إلى قيام الدولة بمفهومها الحديث، فهو لم يكن معروفا في استعمال فقهائنا القدامى، وهو يعني الرابطة السياسية والقانونية بين الفرد ودولة معينة تجعله عضوا فيها وتقيد انتماءه إليها وتجعله في حالة تبعية سياسية لها. وهذه الرابطة تفرض على الفرد واجبات نحو بلده الذي منحه الجنسية.
وقد كانت بداية تجنيس المسلمين بغير جنسياتهم قد بدأت في عهد الاحتلال للدول العربية مما جعل التجنس معينا لدولة الاحتلال وردة عن الإسلام وخيانة للأرض، ولكن مع تغير الأحوال أخذت أعداد كبيرة من المسلمين تذهب إلى الغرب طلبا للرزق والعمل والإقامة وبحثا عن الأمان أحيانا حين تفتقده في بلادها، وهؤلاء تمنحهم تلك الدول جنسياتها بعد إجراءات وشروط خاصة، وهذا من جديد قضايا الفقه الإسلامي المعاصر.
وينقسم التجنيس الى نوعين، هما: التجنيس الاضطراري والتجنيس الاختياري، فالأول هو مثل حال الأقليات المسلمة التي تقيم في دول غير إسلامية وأبناء هذه الاقليات هم من سكان تلك البلاد فعلا كالمسلمين في الجمهوريات الإسلامية التابعة للاتحاد السوفييتي السابق، فهؤلاء ممن ابتلي بالحكم الشيوعي في بلاده، وكان أمامه خيار التجنس ليبقى في بلده أو مغادرة أرضه مع أهله وأولاده، فقبل التجنس حفاظا على إقامته في بلاده. فمثل هؤلاء لا حرج عليهم في التجنس بشرط أن تكون نياتهم أنهم مكرهون وأن هذا سبيلهم لحياة كريمة في بلدهم، وأن يعملوا على نشر الإسلام، وألا يمانعوا إذا وجدوا سبيلا للخروج إلى بلد إسلامي.
ومن المضطرين أيضا بعض من يعاني الاضطهاد في بلاده كأفراد المجموعات الإسلامية، فيخرج باحثا عن أمنه وقوت عياله فيحتاج الى الجنسية لتأمين متطلباته تأمينا مناسبا فيجوز له ذلك لأن إقامة الدين واجب على كل مسلم فإن لم يتمكن من ذلك إلا بخروجه فله أن يفعل ذلك مع نية الرجوع إلى بلده الأصلي عند تيسر العودة وزوال الاضطرار.
وأما التجنس الاختياري فنراه في حالة الساكنين في بلاد الغربة للعمل ثم استوطنوها وحصلوا على جنسياتها، لكنهم لم ينسوا إسلامهم وعملوا لبقائه وكونوا مراكز إسلامية، فهؤلاء يرى بعض الفقهاء أنهم على خطر، ويرى بعض أنهم يجوز لهم ذلك ما داموا قادرين على أداء شعائرهم وما دامت إقامتهم في تلك البلاد ليست إقامة ذلة وهوان.
حالة خاصة
كما نرى التجنس الاختياري في حالة أخرى يسعى فيها المسلم للجنسية اعتزازا وافتخارا وتفضيلا لتلك الجنسية الأجنبية على جنسية الدول الإسلامية رغبة منه في بلاد الأجانب وفي البقاء بين أظهرهم، ويرى أن معاملتهم والانتماء إليهم أفضل من المسلمين، ويرضى بإجراء أحكامهم عليه بغير ما أنزل الله في الطلاق والزواج والميراث، فهذا النوع لا شك في ردته عن الإسلام ردة صريحة حتى لو قال إنه مسلم، وذلك لأن من يطلب الجنسية من دولة اجنبية ميلا إليهم ومحبة في القرب منهم والانضمام إليهم والدخول في سلكهم، والرضا بسيطرتهم عليه وعلى ذريته فإنه داخل تحت قوله تعالى: “لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله” المجادلة، والجنسية تعبير عن الولاء، كما أن الإقامة بين هؤلاء الأجانب فيها خطر على تنشئة الأولاد والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تتركوا الذرية إزاء العدو”.
كما ينقل لنا المؤلف بعد هذا الرأي السابق الذي أخذه من فتوى الشيخ محمد بن سبيل رأي الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي يحرم جنسية بلد المحتل ويضرب مثلا بفرنسا وبلاد المغرب العربي، ثم يقول: عندما يتغير الوضع والزمان والحال فلا مانع من تجنس المسلم بجنسية البلد التي يعيش فيها، فالجنسية هذه أعطته القوة والصلابة والقدرة على المطالبة بحقوقه، وإبداء رأيه، والتصويت في الانتخابات من دون أن يتنازل عن دينه ويعايش من حوله بالمعروف ويحسن معاملتهم “أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” فيستفيد بها لدينه ودنياه وجاليته.
ويختم الباحث بعرض رأيه بعد كل الآراء التي عرضها لنا فيقول: وفي ظل الأوضاع التي يعيشها المسلمون في تلك البلاد هذه الأيام من تضييق عليهم في موضوع الحجاب والتعليم وغيره فإنني أميل إلى القول الأول الذي يمنع التجنس في مثل هذه الحالات وعلى المسلم أن يبحث عن مكان إقامة مناسب له في البلاد الإسلامية حفاظا على دينه وعلى أولاده الذين يتعرضون في كل يوم بل في كل حين إلى شتى أنواع الفتن والبلايا في الدين والأخلاق والمعاملات والله أعلم.