اذا امعن احدنا في مراقبة احوال الذات الانسانية فانه سيلاحظ وجود تناسب عكسي بين تضخم الانا والفاعلية. فكلما تضخمت الانا ضعفت الفاعلية، وكلما صغرت الانا ازدادت الفاعلية. والحقيقة اننا لو تأملنا الفرق بين شخصين ينتميان الى شريحتين مختلفتين، شريحة فاعلة ومنتجة، وشريحة غير فاعلة وغير منتجة، ولنقل ان الشخص الاول هو باحث في الفيزياء والشخص الثاني عاطل عن العمل هوايته لعب السوليتير ( الورق ).سنلاحظ ان تأملنا السلوكيات العامة لهذين الشخصين بان المتطلبات الحياتية للاول اقل بكثير من المتطلبات الحياتية للآخر، فالاول غير مهتم باناه وحياته الخاصة، وكل اهتمامه منصب على البحث في المادة العلمية اما الشخص الثاني فهو شخص متطلب يريدالصغيرة قبل الكبيرة ويبغي الاشياء كما يريدها بالضبط دون زيادة او نقصان اننا في هذه الحالة امام انا متضخمة تتميز بفاعلية قليلة.
ترشيد الطاقة والتحكم بها وتسخيرها لخير الإنسان
كيف تتوزع الطاقة في الإنسان
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/10-5-2007//273442_280005.jpg
في الفيزياء قانون ينظم اشكال الطاقة وهو:
الطاقة الكلية =
الطاقة الكامنة + الطاقة الحركية
لنلاحظ ان الانسان ايضا شأنه شأن كل موجودات الكون يحتوي على طاقة كلية، وطبيعة الطاقة عند الانسان بيولوجية خلوية، وينطبق على هذه الطاقة القانون العام للطاقة. ونلاحظ ايضا عند الانسان في حال ثبات الطاقة الكلية- البيولوجية – ان كلا من الطاقة الكامنة والطاقة الحركية على تناسب عكسي، فزيادة قيمة احدهما تؤدي الى انخفاض قيمة الآخر والعكس بالعكس. وهناك ارتباط واضح بين:
الانا (في الكمون).. الطاقة الكامنة
الفاعلية الانسانية.. الطاقة الحركية
بحيث تشكل الطاقة الكامنة التعبير الطاقي للانا( في الكمون )، والفاعلية الانسانية التعبير الطاقي للطاقة الحركية. وهنا يشكل مجموعهما الطاقة البيولوجية عند الانسان التي تكافئ الطاقة الكلية في الفيزياء وتصبح معادلة الطاقة الانسانية على الشكل التالي:
الطاقة الانسانية ( البيولوجية ) = الانا ( في الكمون ) + الطاقة الحركية،
تدل عناصر هذه المعادلة على ما يلي:
1- الطاقة الانسانية:
هي الطاقة المتأتية من عمليات الاستقلاب والاحتراق في الخلايا داخل الكائن الانساني.
2- الانا في الكمون:
هو كل العمليات والتصورات والاحاسيس التي تحصل داخل الانا الانسانية دون ان يكون لها تعبير في الخارج ويمكن ان نصفها بالوجود بالقوة.
3- الطاقة الحركية:
وهي الطاقة التي تصرف على فعل خارجي كالسلوك او المشي او البناء او الهدم… الخ. وهي تستمد طاقتها من الطاقة البيولوجية الخلوية ونستطيع ان نصفها بانها الوجود بالفعل.
4- الطفولة:
يولد الطفل باناة متضخمة الى درجة الاطلاق، وهذا الاطلاق في واقع الامر يكون متحققا في الرحم، اما بعد الالم الاول (الولادة) فان الانا المطلقة تبدأ بالتحدد مع مرور الوقت، حيث ان مبدأ الواقع والنمو الادراكي يبدآن بتحديد هذه الانا واعطائها حيزها الحقيقي والواقعي مع مرور الوقت، وهنا نستطيع ان نتلمس وجود نزوعين متعارضين يقفان ازاء بعضهما البعض، نزوع فطري يسعى نحو البقاء في حالة الاطلاق وهو يضغط الانا نحو الخارج لتحافظ على اكبر مجال لها، ونزوع من طبيعة مختلفة تماما وهو نزوع الواقع الذي يدفع الانا نحو الداخل وتحديدها، وكما ان امل النزوع الاول هو تحويل الانا الى مطلق فان امل النزوع الثاني هو تحديد كل اشكال التعبير للانا وتحويلها الى شيء.. جماد.. مادة اولية.. الى كيان منفعل بمبدأ الواقع خال تماما من الفاعلية، وهذا بالضبط هوعالم الجماد. وهنا بالذات يبدأ معطى جديد بالظهور نتيجة لهاتين القوتين منبعه الطاقة البيولوجية والتي كانت تتعين فقط في الانا (الطاقة الكامنة) والتي اصبح لها شكل جديد الآن يتموضع في الفاعلية الانسانية (الطاقة الحركية) التي كما اسلفنا منبعها الطاقة البيولوجية وهدفها الواقع، وهنا نجد ان الطاقة الحركية ما هي الا جزء من الطاقة المتموضعة في الانا خرجت على شكل فعل.
العملية وفق تسلسلها الزمني
1- تكون الطاقة الانسانية في البداية متوضعة في الانا على شكل طاقة كامنة .
2- يبزغ الوعي الواقعي من صراع الطاقة الكامنة المتموضعة في الانا والتي تسعى للمطلق والواقع الذي يضغط نحو تجميد الانا وتحويلها الى مجرد شيء.
4- الوعي الواقعي هو عينه الوعي الموضوعي طور النمو يؤسس نحو الفعل اي تحول الطاقة الكامنة المتموضعة في الانا الى طاقة حركية متموضعة بالفعل الواعي.
4- تتوزع الطاقة الانسانية الى جزء متموضع في الانا على شكل طاقة كامنة والى جزء متموضع في الفعل على شكل طاقة حركية.
مقاربة أولى
الطاقة الكلية الموجودة في نهر يجري عبارة متموضعة على شكل طاقة كامنة بشكل كامل. اما اذا وضعنا عنفات مولدة للتيار الكهربائي – وهذه المولدات هي نظير الوعي الموضوعي – فاننا نستطيع تحويل الطاقة الكامنة الموجودة في النهر الى طاقة حركية تقوم بتدوير العنفات. هذا التدوير الذي ولد من خلاله الطاقة الكهربائية.
ان هذه العملية تدعى بترشيد الطاقة والتحكم بها وتسخيرها لما هو خير للانسان وهي احد اشكال التحكم بالطبيعة.
لنلاحظ انه في المجتمعات – المتخلفة – تختزل الجزء الاكبر من الطاقة الانسانية الى طاقة كامنة متموضعة في الانا مما يؤدي الى تضخم هذه الانا وضعف تعبيرها الحركي الواعي وبالتالي نحن هنا امام حالة من حالات هدر الطاقة الانسانية وعدم ترشيدها.
مقاربة ثانية
ان الطاقة الكلية المتموضعة بطاقة احتراق الوقود في المحرك داخلي الاحتراق في العربات تتحول الى طاقة كامنة حين تشغيل السيارة، ولا تتحول هذه الطاقة الى حركة الا عند ربط علبة السرعة بالمحرك، ولكن متى بقي المحرك يعمل دون ان تحول طاقة الاحتراق الى حركة فان الطاقة الكلية – طاقة احتراق الوقود – تتحول الى محض حرارة وهنا نبقى في حالة من العطالة، وهدر الطاقة. لنلاحظ ايضا ان الاشخاص الذين لا يحولون طاقتهم الانسانية الى فعل حركي سلوكي عملي فان مجمل طاقتهم الانسانية تتحول الى اشكال من القلق والحصر والخوف والهواجس والافكار المغلقة التي تؤدي في نهاية الامر الى هدر الطاقة الانسانية وتعطيلها مترافقة مع تضخم الانا وانغلاقها.
السوليتير والفيزياء
ليس القصد من خلال هذا الموضوع ان نسعى نحو مكننة الانسان وتحويله الى آلة او الى نهر نريد ان نستثمره الى ابعد الحدود ولكننا نريد من هذا المقال ان نبين احد اهم القوانين التي نراها تحدد مسالك الطاقة الانسانية كما اننا نريد ان نوضح امرا على غاية من الاهمية وهو ان لاعب السوليتير آنف الذكر هو في واقع الامر اكثر تفكيرا من عالم الفيزياء بكثير وانه اكثر منه حصرا وقلقا ولكن كل ما في الامر ان الطاقة الانسانية للاعب السوليتير تنحصر في الانا وتؤدي الى تضخمها وتؤدي الى ارتفاع حرارة المحرك دون تقدم قيد انملة وتؤدي ايضا ان حركة نهر الحياة لديه لا تفعل الا اقتلاع الصخور والصراع مع الاتربة وحمل ما تراه امامها مسافات شاسعة لا لشيء بل لمجرد انها كانت في طريقة، بينما العالم اقل تفكيرا واقل حصرا ولكنه يستثمر طاقته الانسانية من خلال تحليه بالوعي الموضوعي عبر برامج تحقيق وتنفيذ، وبذلك فان اقل كمية من الوقود تحترق في محركه الداخلي الاحتراق يدفعه اميالا للامام دون ارتفاع في الحرارة ودون قلق ونظر للخلف وهواجس، ونرى ان نهر الطاقة الانسانية لديه مرشد ايما ترشيد في استثمار كل منحنى لتحويل طاقته الداخلية الى طاقة حركية مفيدة لا تعمل شيئا الا لهدف معقول موضوعي واع مرشد.
آينشتاين والرمل
من الجلي الآن ان اكبر الطاقات المهدورة في امتنا هي الطاقة الانسانية تلك الطاقة النوعية التي تتميز عن الطاقات الطبيعية بوجود الوعي.
وبات واضحا ان الثروات الطبيعية وحدها لا تكفي لارتقاء الامة من امة معطلة تحتوي على ذوات متضخمة لكنها عاجزة عن القيام بالفعل الايجابي المنتج، لنلاحظ ان اربعة كيلوات غرامات من الرمل في حال استطعنا ان نحرر طاقة الروابط فيما بينهم بشكل كلي نستطيع بهذه الطاقة ان نفجر الكرة الارضية باكملها كما يقول آينشتاين، فماذا نحن فاعلون بالطاقات المترامية والعديدة التي لدينا وماذا عسانا نفعل ازاء هذا التحدي بان ننهض من كائنات منفعلة تخضع لقوى الطبيعة الى كائنات فاعلة ممتلكة لزمام امرها وممتلكة للوعي الذي يسخر الطبيعة لما هو خير؟
سؤال من المفترض الا يغيب عن اذهاننا ابدا ويتحتم علينا ان اردنا ان ننهض مما نحن به ان نبحث عن سبل جديدة لاستثمار طاقتنا الانسانية خير استثمار لما هو حق وخير وجمال.
دمتن بكل طاقة ونشاط
وفقكن الله