السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأمر أشبه بصندوق محصن غاية التحصين تضغ فيه عائداتك وتدخرها ليوم تعرف أنه ءات لامحالة ولن ينفعك إلاماوضعته فيه لايستطيع أحد أن يخلص إلى هذا الصندوق إلا بإذنك فكن حذرامن هذا الفيروس القديم الجديد المتجدد الذي يعمل في الخفاءفيقوم بتحويل حسابك إلى حساب الاخرين ولاتستطيع كشفه ولامعرفة مدى خطورته إلا بقراءة هذا التقرير
بسم الله الرحمن الرحيم
آفات اللسان – الغيبة
الخطبة الأولى
أما بعد. .
فإن أصدق الحديث كتاب الله؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له إله الأولين والآخرين. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾فالله تعالى أمركم ـ أيها المؤمنون ـ بتقواه وأن تقولوا قولاً سديداً مستقيماً عدلاً ووعدكم على ذلك إصلاح أعمالكم ومغفرة ذنوبكم.
أيها المؤمنون، إن من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه البديعة هذا اللسان الذي به تتكلمون وتنطقون أو عما في قلوبكم وأنفسكم تعربون.
أيها المؤمنون، إن اللسان من نعم الله الجلـيلة التي امتن الله بها علـيكم لتشكــروه وتعـــبدوه قــال تعالـى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ. وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ﴾() وقال سبحانه: ﴿الرحمن (1) علم القرآن (2) خلق الإنسان (3) علمه البيان﴾()فبه يتمايز الكفر من الإيمان، ويفترق أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان؛ به يبلغ العبد وارف الجنان وبه يهوي في دركـات النــيران ففي الصحيحين من حــديث أبي هــريرة: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلــى النار أبعد ما بين المشـــرق والمـغرب)) وفي رواية البخاري: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات في الجنة وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم))فاتقوا الله عباد الله واحذروا ألسنتكم فإنها من أعظم ما يوقعكم في أسباب الهلاك واحفظوها فإن حفظها من أسباب الفوز والنجاة فقد تكفل صلى الله عليه وسلم لمن
حفظ لسانه أو صان منطقه بالجنة دار السلام ففـي الصحيح من حديث سهل بن سعد قال: قال صلــى الله علـيـه وسلــم: ((من يضمن لي مابين لحييه ومابين رجليه أضمن له الجنة))وفي الترمذي أن معاذاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار فأخبره صلى الله عليه وسلم ببعض أبواب الخير وصنوف البر ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله)) قال معاذ: بلى يا رسول الله؛ فأخــذ بلسان نفســه وقال: ((كف عليك هذا)) فقلـت: يا رسول الله ! وإنا لمـؤاخذون بما نتكـلم به فقــال: ((ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم
فاتقوا الله عباد الله واحفظوا ألسنتكم عن كل ما يغضب الله ويسخطه وقيدوها بلجام الشرع فإن حفظ اللسان وصيانته من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت))
عباد الله إن الناظر في حال أكثر الناس اليوم لاسيما أوقات الفراغ والاجتماعات يرى أمراً عجباً، وخطباً جللاً، يرى الناس، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، شبابهم وشيبهم، قد أطلقوا ألسنتهم، وتساهلوا في الاحتراز عن آفاتها وغوائلها يرى خوضاً في الباطل، وتحدثاً بالمعاصي، وترويجاً للمنكرات، يرى جهراً بالسوء من القول، فيرى الكذب والغيبة والنميمة، ويرى شهادة الزور والفاحش من القول يرى السب واللعن يرى اللغو والتشاغل بما يضر ولا يفيد كأننا لم نسمع قول الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ وكأن الله تعالى لم يقل: ﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾
عباد الله هذه آفات خطيرة وأمراض فتاكة تورط فيها كثيرٌ من الناس إلا أن أخطرها جرماً وأكثرها انتشاراً وأصعبها علاجاً ذلك الداء الدوي الذي يهدم المجتمع ويفكك بنيانه ويقوض عرا التواصل فيه ويقصم أواصر الحب والإخاء فيوغر الصدور ويشحن النفوس ويفسد المودة ويبذر بذور العداء، ذلك الخلق المنحرف الدنيء الذي يبث الضغائن ويربي الأحقاد ويشيع الفاحشة والفساد بين المؤمنين أتدرون ما هي تلك الآفة وماهو ذلك البلاء أيها الإخوان؟
إنها الغيبة التي نطق القرآن العظيم بقبحها وتحريمها قال الله تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً وحذر منها تحذيراً عظيماً فقال صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) رواه مسلم، وروى أحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض الرجل المسلم)) والحديث لا بأس به.
أيها المؤمنون إن الغيبة جرمٌ كبير استهان به أكثر الناس وإنها من أربى الربا وأعظم الفجور.
أيها المؤمنون، إن الله تعالى أعد للوالغين في أعراض المسلمين عذاباً شديداً ونكالاً عظيماً ففي مسند الإمام أحمد بسند جيد عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: ((لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل! فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم))(اتقوا الله عباد الله فإن الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب وعظائم الآثام. أيها المؤمنون، احفظوا ألسنتكم من الغيبة ومن كل آفة مهلكة فكم من إنسان جرد لسانه مقراضاً للأعراض بكلمات تنضح فحشاً وقبحاً وألفاظ تنهش الأعراض نهشاً إسراف في قبيح القول وسيئه تجن على العباد
وانتهاك لحرماتهم همز ولمز حط وتنقيص فهذا طويل، وذاك قصير، وهذا أحمق، وذاك غبي وهذا كذا وهذا كذا. ففي المجلس الواحد تسمع من الوقيعة في الخلق والغيبة للناس ما يقلق النفس السوية، ويفسد الطوية، ويعكر القلب السليم، ويؤذي عباد الله المؤمنين فإنا لله وإنا إليه راجعون.
استهتار بالخلق واستخفاف بالحرمات سفه في العقل وضلال في الدين فإن الكلمة الواحدة من الغيبة لو مزجت أي خلطت بماء البحر لمزجته أي لغيرت لونه فما بالكم بالمجالس الطوال والكلمات العراض التييتفوه بها هؤلاءففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا تعني أنها قصيرة فقال: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))(فاحذروا أيها المؤمنون. . . احذروا هذه المجالس فإنها مجالس شر وبلاء تؤكل فيها لحوم المؤمنين وتنتهك فيها حرماتهم وتهدر أعراضهم فهي من أسباب العطب وموارد الهلاك.
والواجب على من جلس في هذه المجالس الإنكار على أهلها فإن في ذلك خيراً عظيماً، فيه القيام بما أوجب الله تعالى من إنكار المنكر حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)))وفيه الذب عن أعراض المسلمين وفي ذلك عظيم الأجر وجزيل العطاء ففي المسند قال صلى الله عليه وسلم: ((من ذب عن عرض أخيه بالغيبة – أي في غيبته– كان حقاً على الله أن يعتقه من النار))فاتقوا الله أيها المؤمنون وذبوا عن أعراض إخوانكم مروا المغتاب المتهوك بالمعروف وانهوه عن المنكر فإن لم تستطيعوا الإنكار عليه فلا يجوز لكم البقاء معه وهو على هذه الحال من أكل لحوم المسلمين فقوموا عنه حتى يخوض في حديث غيره.والحمدلله رب العالمين
الخطبة الثانية
أما بعد. .
اتقوا الله عباد الله وذروا ظاهر الإثم وباطنه، ذروا الغيبة والسيئ من القول ـ أيها المؤمنون ـ فإنه مما يحبط الحسنات ويذهب المروءات ويولج العبد الدركات.
أيها المؤمنون: إن الغيبة التي نهى الله ورسوله عنها ما فسره النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها فقال: (( ذكرك أخاك بما يكره)) فهذا ميزان قسط؛ وضابط عدل لتمييز الغيبة عن غيرها فكل من ذكر غيره بما يكرهه في غيبته فقد وقع في الغيبة لا محالة.
أيها المؤمنون، إن الغيبة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم وهذا يقتضي تحريم الغيبة مطلقاً ولكن وقع في كلام جماعة من أهل العلم الاستثناء لبعض الصور التي جوزوا فيها ذكر الغير بما يكره فمن ذلك المظلوم فإن له أن يتظلم بذكر من ظلمه واغتيابه عند من له قدرة على إنصافه وإحقاق حقه ومن الصور التي يجوز فيها ذكر الغير فيما يكره النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم كذكر أهل الفسق والشر والكفر والبدع ليحذر المسلمون من فسقهم وشرهم أو ليأخذوا على أيديهم ويمنعوهم من الإفساد هذه بعض الصور التي يجوز فيها الكلام عن الغير بما يكره فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى العلي الكبير حق تقواه فيما يأتي ويذر وعلى المؤمن أن يتحقق من المصلحة في الكلام عن الغير وأن يتيقن أن هذا المتكلم فيه ممن تجوز غيبته فإن اشتبه عليه الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء ولان تخطئ بالسكوت والعفو خير من أن تخطئ في الغيبة والعقوبة والأصل أن أخاك المسلم محفوظ الغيبة مصون العرض.
أيها المؤمنون، إن على العبد المؤمن أن لا يلج في الكلام عن الغير إلا على بصيرة وأن يقصد بكلامه النصح لله ورسوله وللمسلمين قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “لابد له ـ أي لمن يتكلم في غيره بما يكره في غيبته ـ من حسن النية فلو تكلم بحق لقصد العلو في الأرض والفساد كان بمنزلة من يقاتل حمية ورياء، وإن تكلم لأجل الله تعالى مخلصاً له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء خلفاء الرسل”.
أيها المؤمنون، إن الغيبة تعظم بحسب حال المغتاب فليست غيبة عامة الناس ودهمائهم كغيبة أهل العلم والتقى والصلاح قال شيخ الإسلام رحمه الله: ” ولذلك تغلظت الغيبة بحسب حال المؤمن فكلما كان أعظم إيماناً كان اغتيابه أشد
فاتقوا الله أيها المؤمنون واحفظوا ألسنتكم وصونوها فإنه من ترك لسانه مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار، فكم هم الذين تكلموا في أول الأمر بحق وهدى ثم استزلهم الشيطان فولغوا في أعراض إخوانهم زيغاً وهوىً. قال تعالى أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب
معده الشيخ عبد الله المصلح حفظه الله
منقول