لباس أهل النار
*أما لباس أهل النار فقد أخبرنا الله أنه يفصل الأهل االنار ثيابا من النار فقال:”فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من النار” فهي ليست ثيابا للزينة والتفاخر كما كانت في الدنيا ، ولكنها للنكاية والعذاب ، فهي مصنوعة من النار نفسها . فسبحان من خلق من النار ثيابا .
وقال تعالى:”وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار”.
والقطران : هو النحاس المذاب ، وقيل: قطران الإبل . وقد خصه الله لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته ووحشة لونه .
وقال تعالى:”لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غولش”.
فتفكر أخي في هؤلاء الذين ألبسو النار والقطران ، وأحاطت بهم سرابيل الخزي والهوان .
لقد خاب من أولا آدم من مشى إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يساق إلى نار الجحيم مسربلا سرابيل القطرن لباسا محرقا
أذا شربوا فيه الصيد رأيتهم يذوبون من حر الصديد تمزقا
عذاب أهل النار
*تفاو عذاب أهل النار:لما كانت النار دركت بعضها أشد عذابا من بعض
، كان أهلها متفاوتين في العذاب حسب أعمالهم ، فليس العذاب في جهنم على درجة واحدة ، بل هو متناسب مع عمال صاحبه في الدنيا ، وعلى قدر ما اتكب من الجرائم ، وقد صور لنا النبي-صلى الله عليه وسلم-هذا التفوات في العذاب بقوله:”منم من تأخذه النار إلى كعبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ، ومنهممن تأخذه النارإلى حجزيته-إي وسطه- ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته”(رواه مسلم).
*يقول ابن رجب-رحمه الله- :”واعلم أن تفاوت أهل النار في العذاب وهو بحسب تفاوت أعمالهم التي دخلوا بها النار كما قال تعالى :”ولكم درجات مما عملوا” ، وقال تعالى :”جزآء وفاقا”…. وقال :كذللك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم ,فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أصحاب الصغار ، وقد يخفف عن بعضهم العذاب بحسنات أخر له بما شاء الله من الأسباب”.
*أخف أهل النار عذابا:حدثنا النبي – صلى الله عليه وسلم- عن أخف أهل الجنة عذابا فقال :”إن أهون أهل النار عذابا من له نعلانوشراكان من النار يغلي منهما ودماغه كما يغلي المرجل ، ومايرى أن أحد أشد منه العذاب ا ، يوم القيامة لرجل يوضع في آخمص قديمه جمرتان يغلي منها دماغه ، كما يغلي المرجل بالمقم”(متفق عليه).
فرحماك اللهم برنا ، إن كان أهون أهل النار عذابا , فكيف يكون عذاب أشدهم ؟!
صور من عذاب أهل النار
*يتعرض أهل النار في النار لصور وألوان من العذاب الجسدي والمعنوي ، فمن العذاب الحسي:
(1) تسويد وجوههم : وكيف لا تسود وجوه أهل النار وقد عانيت من العذاب وماعنيت ، ووقوع في قلوبهم من الخوف والجزع والهلع وما وقع ، وقد أصابهم من الذل والهوان وما أصابهم ، فتسري تللك الذلة الباطنة على ظاهرهم ، فتكون سوادا في وجوههم ، كما قال تعالى :”يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين أسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون”.
بل إن القران الكريم ليصور قبح هذه الوجوه ، وشدة سوادها ، وبشاعة منظرها ، يصيروها وقد علامها السواد فيقول:”ووجوه يمئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولآئك هم الكفرة الفجرة”.
(2) لفح وجوههم: ومن أنواع العذاب في جهنم أن النار تلفح وجوه أهلها وتغشاها فتتغير معالم وجوههم ، وتتشوه صورته ، لتصبح مشوهة منفرة ، قال تعالى:”ومن خفت موازينه فأولآئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون * تلفح وجوههم النر وهم فيها كالحون” ، وهم مع ماهم فيه من العذاب لا يستطيعون أن يحوا بينهم وبينها “لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفرون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا ينصرون”.
*بلإن القرآن ليصور لنا وجوههم وهي تتقلب في الناركما يتقلب السمك في المقلى ، وهو منظر تقشعر لهوله الأبدان ، وتنخلع منه القلوب ، فيقول سبحانه :”يوم تقلب وجوههم في النار يقولون ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا”.
(3) سحبهم في النار على وجوههم :يقول تعالى:”إن المجرمين في ضلال وسعير * يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر”. ويزيد من آلانهن حال سحبهم في النار أنهم مقيدون بالقيود والسلاسل والأغلال “فسوف يعلمون * إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون * في الحميم ثم في النار يسجرون” .
(4) إنضاج جلودهم : وهذه صور أخرى من صور الذل والهوان الذي يحظى به أهل النار ، ولون آخر من آلوان العذاب يرسمه لنا القرأن فيقوا :”إن الذين كفرو بئاياتنا سوف نصليهم نار كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلود غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيز حكيما”.
إن مشهد لا يقوى على تصوره الخيال ، ولا تحتمله نفس إن سان ، هذه الجلةد الناضجة المشوية كلما نضجت بدلت ، ليعود الأحتراق من جديد ، ويعود الألم من جديد.
(5) صهر جلودهم وبطونهم وما فيها : صهر جلودهم لون آخر من ألوان العذاب غير ما سبق حيث يصب من فوق رءوسهم الحميم ، فتسيل جلودهم ولحومهم ، وتذيب أمعاؤهم وأحشاؤهم ، يقول تعالى :”فالذين كفروا وقطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود”.
(6) جرجرة أمعائهم : فمن أهل النار من يدور فيها وهو يجر أمعاءه ، وقد رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- عمر وبن لحي الخازعي وهو يجر قصبه-أي أمعاءه- في جهنم ، وكان عمرو قد غير دين العرب ، وحرم أنواعا من الأنعام لم ينزل الله بها من سلطان.
(7)مسخ صورهم : فمن أهل النار من يمسخ الله صورهم على هيئات وأشكال قبيحة نكاية في العذاب ، وإمعانا في الهوان ، وفي صحيح البخاري “أن إبراهيم عليه السلام يلقي أباه آزر يوم القيامة فيشفع له عند الله ، فيقول الله : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال : يا إبراهيم ، انظر ما بين رجليك ! فينظر فإذا هو بذيخ ملطخ ، فيؤخذ بقوائمه ، فيلقي في النار” . والذيخ : قيل هو الذئب الجريء ، وقيل : ذكر الضبع ، وقيل : الفرس.
* ضيق مكان النار عليهم: فمن صور العذاب في النار أن الله يضيق عليهم المكان بحيث لا يتمكنون من الحركة فيزدادون كربا إلى كربهم ، وشدة إلى شدتهم ، يقول تعالى:”وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هناللك ثبورا” فهي ضيقة عليهم حسا ومعنى رغم سعتها .
صور من العذاب المعنوي
*وبجانب ومافيه أهل النار من ألوان العذاب الحسي يجمع الله عليهم ألوانا أخرى من العذاب المعنوي زيادة في تبكيتهم وتقريعهم وتخذيلهم ، ومن هذه الصور :
(1) تبرؤ الشيطان منهم : فها هو الشيطان يتبرأ منهم يوم القيامة ويوبخهم على موقفهم منه واتباعهم له زيادة في الأنتقام منهم والتحقير ولعقولهم”وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعد تكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوا أنفسكم وما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إنالظالمين لهم عذاب أليم”.
وكم هو الندم كبير و الحسرة شديدة حين يؤمر الإنسان بفعل شيء يعرض حياته للخطر ، ثم حين يفعل ، يتبرأ الآمر منه ويدعه يواجه مصيره بمفرده ، بل يوبخه على طاعته له واستجابته لأمره ، إنها والله حسرة فوق الحسرة ، وندم بعد الندم ، يورث صاحبه أشد العذاب وأنكى الألم .
(2) خصومة بعضهم لبعض: فأهل النار حين يحشرون إلى جهنم ويواجهون مصيرهم المحتوم يسعى كل واحد منهم إلى إلقاء التبعة على غيره ، ويتهم بعضهم بعضا بالتسبب في ورود هذا المصير . وحين لا تجدي هذه الاتهامات المتابد له ، لأن الكل قد وقع في العذاب ، يلعن بعضهم بعضا ، ويدعو بعضهم على بعض” ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين”.
وحين يكتشف هؤلاء أن فعلهم هذا بلا جدوى ، تعظم حسرتهم ، وتشتد ندامتهم على مافعلوا في حياتهم الدنيا “كذالك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وماهم بخارجين من النار”.
(3) توبيخ المؤمنين لهم : فأهل النار حين يرون ما هم فيه من الشقاء و الهلاك ، وما فيه المؤمنون من النعيم ، يطمعون في الاستشفاع بهم عند ربهم ، ولكن طلبهم هذا يقابل بالرفض ، فهم لا يستحقون الرأفة بهم والعطف عليهم بسبب ما كانو عليه من الكفر والضلال في الدنيا ، ويتوجه إليهم المؤمنون باللوم والتأنيب والتوبيخ فشتد حسرتهم ، وتعظم مصيبتهم “ونادى أصحاب النار وأصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمها على الكافرين”.
(4)توبيخ الملائكة لهم : يتوجه أهل النار بعد ذلك إلى خزنة النار يطلبون منهم أن يشفعوا لهم كي يخفف الله عنهم شيئا مما يعانونه ، ولكن طلبهم هذا يقابل بالتوبيخ والتقريع ، فعند ذلك يشتد نحيبهم ، وتفيض دموعهم ، ويطول بكاؤهم “وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب * قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا ومادعاؤا الكافرين إلا في ضلال” “ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون”.
(5) توبيخ الله لهم : فبعد أن تغلق الأبواب في وجه أهل النار ، فلا أحد يسمعهم أو يعطف عليهم ، يتوجهون إلى الله تعالى آملين أن يخفف عنهم بعض العذاب ، وتتوالى نداءاتهم ولكن دون جدوى ، فقد عصوا الله تعالى وتعدوا على حرماته ، وحاربوه في أرضه وملكه ، فلم يعد لهم عند الله نصيب وعفو أو مغفرة ، وعندها يقول لهم ربهم :” اخسئوا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا ءامنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذ تموهم سخريا حتى أنسوكم ذكرى وكنتم منهم تضحكون * إنى جزيتهم اليوم بماصبروا أنهم هم الفائزون”.
يتبع الإسبوع القادم إن شاء الله
تمنياتي لكم بالإستفادة
🙂