النزاع حول دولة المقر… ومصير العملة الموحدة؟

وديع أحمد كابلي

كلما حاول الاقتصاد إصلاح ما تفسده السياسة، تعود السياسة لتفسد ما أصلحه الاقتصاد! أو أننا نحن العرب كتب علينا أن نتفق علي أن نختلف دائما؟
لقد كنت من أشد المتفاجئين بخبر انسحاب الإمارات من الاتحاد النقدي الخليجي، رغم أني كنت متفهماً ومتعاطفاً مع التحفظ الإماراتي باختيار الرياض مقرا للبنك المركزي المزمع إنشاؤه حيث إن الإمارات (دبي) لديها نظام بنكي تنافسي ومتقدم، وبها بيئة أعمال تكاد تكون نموذجية وليس لديها أي مؤسسة من مؤسسات مجلس التعاون، إلا أن دول الخليج بشكل عام يغلب عليها الطابع البراجماتي، ولا تتأثر مصالحها الاقتصادية بالتقلبات السياسية، ولكن يظهر أن الطبع يغلب التطبع، ويعود العربي لأصله عندما يغضب!
يتفهم البعض موقف الإمارات في التحفظ على القرار، ولكن هذا قرار الانسحاب من الوحدة النقدية المفاجئ وغير المبرر كان غير موفق لأنه لا يضر فقط بقية المجموعة، ولكنه يضر أيضا بالمصلحة الاقتصادية والاستراتجية لدولة الإمارات ذاتها.
لقد أثبتت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة الماضية قدرتها على القبول بالاختلافات السياسية فيما بينها مع استمرار الوحدة في الاتجاهات الاقتصادية والمالية والنقدية إلى حد كبير، ورغم أن عمان قد قررت منذ البداية عدم استعدادها للدخول في الوحدة النقدية في عام 2010، إلا أنها تركت الباب مفتوحا للدخول لاحقا عندما تتهيئا الظروف الملائمة من وجهة نظرها، وليت أن الإمارات حذت حذوها آنذاك، ولم تعلن الانسحاب بسبب عدم اختيارها مقرا للبنك المركزي.
ولا أستطيع أن أفهم لماذا هذا النزاع حول أين يكون مقر البنك المركزي للمجموعة طالما أن القرارات تتخذ بأغلبية الأعضاء، وليس لمكان المقر دور في إقرار الشيء من عدمه؟
إنه شيء يدعو إلى الحيرة فعلا! فهل تترك مصالح شعوبنا تحت رحمة المزاج السياسي لهذه الدولة أو تلك؟
وهل هذا يعني أنه في حال نشوب خلافات سياسية بين هذه الدول لن نكون في مأمن من أن المصالح الاقتصادية أو التجارة البينية لن تتأثر؟ أو أن هذه مجرد أوهام في عالمنا العربي؟
ولا أستطيع أن أصف شعوري هنا سوى بالأسى والحزن الشديد على مستقبل هذه الأمة!
ألم نتعلم من الآخرين كيفية العمل المشترك بالرغم من الاختلافات الشديدة الموجودة بينهم؟ فهذه بقية دول العالم تعمل من خلال تكتلات اقتصادية ضخمة بالرغم من كل الخلافات الموجودة بينها والتي تصل في بعض الأحيان إلى العداء الأيديولوجي والعسكري، ومع ذلك هم يعرفون مصالحهم، ويعملون سويا عندما تكون هناك مصلحة مشتركة!
أما نحن العرب فنظهر أمام شاشات التلفزة متعانقين مبتسمين ونتبادل القبلات في الاستقبال والوداع ثم (تعود ريما لعادتها القديمة) وكأن شيئا لم يكن، وكأن اتفاقات ومعاهدات لم توقع!
ولكن ما يعني انسحاب الإمارات من الوحدة النقدية بالإضافة إلى كون عمان قررت عدم الدخول من البداية؟
حسب إحصاءات عام 2007 فإن ثقل الإمارات من الناحية السكانية يمثل 13% من المجموع، وثقلها الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي) يمثل 23% من المجموع، وإذا أضفنا إليها دولة عمان 7% و5% بالتتالي، فإن الثقل السكاني للدولتين يكون 20% والثقل الاقتصادي 28%.
وبذلك يظل 77% من الثقل السكاني و72% من الثقل الاقتصادي داخل الاتحاد النقدي، وبذلك يمكن قيام واستمرار الوحدة النقدية في غياب هاتين الدولتين في الوقت الحالي.
ونقول في الوقت الحالي لأنه من الممكن دخول هاتين الدولتين في المستقبل القريب إن شاء الله عندما تمكنهما ظروفهما والمتغيرات الدولية من اللحاق بالركب.
ولكن يظل السؤال الذي يدور في أذهان البعض عن المبررات التي جعلت السعودية تختار من قبل بقية الأعضاء لتكون مقرا رسميا للبنك المركزي المزمع إنشاؤه؟ الإجابة ببساطة هو بسبب تطبيق المعايير الاقتصادية والمالية والنقدية المتعارف عليها دوليا، وهو أن حجم التعامل الأعظم لتلك العملة المزمع إنشاؤها سيكون في داخل السعودية، حيث إن حجم السكان الذين سيتعاملون بهذه العملة سيكون في السعودية التي يمثل عدد سكانها 70% من مجموع سكان الخليج، وحجم اقتصادها يمثل أكثر من 50% من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. ولكن ذلك لا يعني أن السعودية بمفردها ستتحكم في تلك العملة، فإن مجلس المحافظين الذين سيتحكمون في العملة الجديدة مكون من جميع الأعضاء، وسوف تتخذ القرارات بالإجماع أو الغالبية المطلقة، ولذلك ليس هناك مزايا خاصة تمنح لدولة المقر حتى يمكن التنازع عليها! ولذلك كان ذلك القرار غريبا وغير متناسق مع ما عهدناه من رشد ونضوج في قرارات وسياسات دولة الإمارات العربية المتحدة، ونأمل في عودة المياه إلى مجاريها, وأن تكون تلك سحابة صيف وتنجلي.

عن libyalibya

شاهد أيضاً

تعالي عطيني طلبك إيجار تمليك

حطي طلبك هنا سواء فيلا شقه قصر أرض دور تمليك او ايجار واتركي الباقي علينا …