انه يستطيع اختراق الجدران،
لكنه يبطئ حتى الجمود خلال الغازات شديدة البرودة..
بإمكانه حمل ونقل المعلومات الإلكترونية إلى الراديو والتلفزيون، لكنه يدمر المعلومات الجينية في الخلايا..
قادر على الالتفاف حول المباني والدخول حتى في «خرم» الإبرة، لكن الالكترونات التي لا ترى بالعين المجردة قادرة على صدّه.
http://www.lighting-the-way.co.uk/resources/Hands_Of_Light_Animation.gif
إنه الضوء.. وعلى الرغم من أن المفهوم الأساسي للضوء أنه عكس الظلام، فمعظم أنواع الضوء لا يمكن رؤيتها.
وتتراوح هذه الأنواع بين موجات الراديو قليلة الطاقة إلى أشعة غاما هائلة الطاقة.
إنه الضوء الذي يدور حولنا.. يصطدم بنا ويرتد، وفي كثير من الأحيان يخترق أجسامنا دون أن ندري.
ولأن الضوء ذو وجوه متعددة جداً، فعملية تعريفة علمياً أشبه بالمأزق الذي يتفاداه المتخصصون.. وبما أنه يفاجئنا بحضوره في مختلف مناحي الحياة، فسنحاول قدر الإمكان تناول بعض أسرار الضوء في السطور التالية.
انفصام شخصية الضوء
يقول العلماء ان علينا التعايش مع النظريتين في آن.. نظرية الموجات ونظرية الجزيئات.. علينا التعايش مع انفصام شخصية الضوء!.. ففي بعض الحالات يكون أشد قسوة من الصخر، وفي أحيان أخرى أرق من النسيم.
ويفضل علماء الفيزياء التعامل مع الضوء على أساس انه مجموعة متناغمة من الموجات تنتقل كحزمة متكاملة.. ويقول بعض هؤلاء انه بدلاً من اضاعة الوقت في البحث عن ماهية الضوء، من الأفضل أن نركز اهتمامنا على ما يمكن للضوء أن يفعله في حياتنا.. فالضوء، وبأشكاله المختلفة، يهز.. يبرم.. يدفع.. يفتل الجزيئات والالكترونات المتواجدة في كل مكان من هذا الكون الفسيح.. لكن مع ملاحظة بسيطة وهي أن لكل نوع من الجزيئات موجة ضوء بطول محدد للتأثير فيها.. فهذه الموجة تؤثر في تلك المادة ولا تؤثر في غيرها، وهكذا.
اذا أخذنا تفاحة على سبيل المثال.. فموجات الراديو وكذلك موجات الأشعة السينية، وكلاهما لا ترى بالعين، قادرة على اختراق التفاحة بخطوط مستقيمة..
أما الضوء الذي نراه فلا يستطيع اختراق التفاحة لأن جزيئاتها توقفه، اما عن طريق امتصاص الضوء فتزداد درجة حرارتها، واما بعكس الضوء وردّه على عقبيه اذا كانت شديدة اللمعان.
وفي هذه الحالة.. أي اذا انعكس الضوء عن التفاحة، وصادف أن دخل عيوننا، فانه يعمل على تحفيز الخلايا العصبية، والمجسات اللونية، لنقل الصورة الى الدماغ الذي يقرر بدورهأن ما نشاهده هو تفاحة ذات لون كذا، وحجم وكذا تبعد عنا مسافة كذا وكذا.. الى آخر المعلومات التي ندركها حين نرى شيئاً ما.
أشكال الضوء
http://www.c4dcafe.com/reviews/Mograph/images/Sound.jpg
وفي يلي بعض نماذج الضوء على اختلاف أشكاله:
• موجات الراديو : تعمل موجات الراديو على دفع الالكترونات الحرة في هوائي الارسال للتذبذب والانتقال عبر الهواء ناقلة اشارات الموسيقى والكلام الى أي مكان تتواجد فيه أجهزة استقبال قادرة على التقاط ذلك الطول من الموجات.
• المايكروويف: تعمل موجات المايكروويف على تسخين الطعام من الداخل الى الخارج، لأن هذه الموجات تخترق السطح وتعمل على تحريك وتدوير جزيئات الماء الموجود في الطعام، وتنتج الحرارة من عملية تحريك الجزيئات.
• الوقوف قرب مصدر للنار، في هذه الحالة، تعمل موجات الضوء ذات الأشعة تحت الحمراء الصادرة عن النار على التغلغل في جزيئات البشرة فنشعر بالدفء، والعكس صحيح أيضاً، فنحن نشعر بالبرد حين تقوم الجزيئات ذاتها باطلاق ما لديها من هذه الأشعة.
• أشعة الشمس: تستطيع العين البشرية رؤية بعض ضوء الشمس، وليس كله، كالأشعة فوق البنفسجية مثلاً، فهذه تضيع تماماً أو تظهر في بعض الأحيان القليلة جداً شديدة العتمة، وذلك بسبب قيام الذرات بقنص الفوتون، كما هو حال غازي الهيدروجين والهليوم اللذين تتكون الشمس منهما، وفي هذه الحالة يعمل الفوتون على تقوية الالكترونات،
• الأشعة السينية: من المعروف أن الأشعة السينية تخترق الأنسجة الطرية، في حين أن العظام توقفها، لكن من المهم جداً ادراك حقيقة أن الأشعة السينية، وكذلك أشعة غاما، تعمل حين اختراق الأنسجة على تأيّن الجزيئات التي تصادفها في طريقها، أي أنها تجردها من الالكترونات الموجودة في جزيئاتها، ومن الأطباء من يحذر من مخاطر الأشعة السينية بالقول ان الجزيئات المتأينة من شأنها أن تلحق الأذى بالعوامل الوراثية «دي، ان، ايه» في الخلايا، ويمضي هؤلاء الأطباء الى القول ان من شأن هذا التغير الرئيسي في الخلايا ان يؤدي للاصابة بالسرطان، لكن هذه النظريات لا تزال مدار بحث ولم تتأكد تماماً.
هل الضوء موجات؟
العلاقة بين المايكروويف والأشعة السينية وألوان قوس قزح.. هي أنها موجات.. وللتحديد أكثر فهي موجات كهرومغناطيسية.. إنها مزيج من الإلكترونات والحقول المغناطيسية، ومن شأن هذا المزيج السابح أن يدفع الذرات الدقيقة من حوله صعوداً ونزولاً وفي كل الاتجاهات فتبدو كما طوق النجاة وسط أمواج المحيط.
الفرق الوحيد بين الأنواع الثلاثة المذكورة هو طول موجة كل منها.. فالعين البشرية قادرة على رؤية الضوء إذا كان طول الموجة يتراوح بين 750 نانومتر (الأحمر) و380 نانومتر (البنفسجي) على أساس أن النانومتر هو وحدة قياس تساوي واحداً على مليار من المتر، أي طول الجزيء القابع في الذرة.
لكن ألوان الطيف السبعة التي نعرفها وهي بالترتيب: الأحمر، البرتقالي، الأصفر، الأخضر، الأزرق، النيلي وأخيراً البنفسجي ليست سوى جزء ضئيل للغاية من مجموع الطيف الكهرومغناطيسي.. فهناك موجات بطول مئات الكيلومترات (موجات الراديو) وموجات لا يتجاوز طولها واحداً على مليون من النانومتر، الذي هو أصلاً يساوي واحداً على مليار من المتر.. والموجات الأخيرة تعود لأشعة غاما.
ومن المعروف علمياً أن طاقة الضوء تعتمد عكسياً على طول الموجة فكلما قصرت الموجة كانت الطاقة المتولدة عنها أكبر ولذلك فالطاقة المتولدة عن أشعة غاما على سبيل المثال أقوى بمليارات المرات من الطاقة المتولدة عن موجات الراديو.
كذلك فان موجات الراديو القصيرة تستطيع الوصول الى آخر الدنيا، عكس الموجات الطويلة.. في حين أن موجات الاف. ام وهي طويلة جداً لا تستطيع الوصول الى أبعد من عشرات قليلة من الكيلومترات، وبالتالي فالارسال بمثل هذه الموجات يحتاج لمحطات تقوية.
نظرية الجزيئات
لكن الموجات وأطوالها ليستا كل الحكاية.. فالضوء يتألف أيضاً من جزيئات دقيقة للغاية هي «الفوتون “، ويمكن ادراك تأثير هذه الجزيئات في الضوء ذي الطاقة العالية جداً، كالأشعة السينية وأشعة غاما.
ولتوضيح هذه الحالة الجزيئية، نأخذ على سبيل المثال التصوير الكهربائي.. فحين يصطدم الضوء بسطح معدني، تنطلق الالكترونات من ذلك السطح.. وقد لاحظ العلماء والمختصون بكثير من الدهشة أن هذه الالكترونات لا تنطلق من مكانها اذا كانت موجة الضوء أطول من الحد.. لا فرق في ذلك اذا ما كان الضوء ساطعاً أو ضعيفاً. ومن الواضح أن نظرية الموجات لا يمكنها تفسير السبب الذي تعجز فيه بعض الموجات عن اطلاق الالكترونات، في حين تنجح باقي الموجات في المهمة ذاتها، طالما أن الكثير من الموجات الطويلة، وكذلك القليل من الموجات القصيرة تحمل القدر ذاته من الطاقة. وفي العام 1905 تمكن ألبيرت أينشتاين من فك الطلاسم حين قال ان اصطدام جزيئات الضوء بالالكترونات أشبه باصطدام كرات لعبة البولينغ.. فجزيئات الضوء ذي الموجات القصيرة وحدها قادرة على اعطاء دفعة قوية.
وعلى الرغم من نجاح نظرية الجزيئات لأينشتاين في سد الكثير من الثغرات، فهي لم تستطع الغاء أو الحلول محل نظرية الموجات، لأن الأخيرة وحدها قادرة على تفسير الكيفية التي يتمكن الضوء بواسطتها من التداخل مع نفسه حين يعبر فتحتين متجاورتين في جدار.
ومن خلال هذا العرض التفصيلي لحالات الضوء الذي يتعامل مع المادة بألف شكل وشكل، يظل السؤال عما اذا كان الضوء موجات أو جزيئات، يبحث عن اجابة محددة، علمية ومقنعة.