السلام عليكم ورحمه الله وبركاته..
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائل : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، القائل : ( ثلاث من كُن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) متفق عليه ، ورضي الله عن صحابته الكرام ، والتابعين لهم بإحسان ، الذين قال قائلهم : ( إن في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ) .
أيها الأحبة : أما السعادة فلا ، ولم ، ولن تتحقق للإنسان بدون الإيمان الذي هو جنة الدنيا ، التي تؤهله لجنة الآخرة . قال بعض الصالحين : ( إنه ليمر بي الأوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا ، إنهم لفي عيش طيب )، وقال آخر: ( من قرت عينه بالله تعالى ، قرت به كل عين ، ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات ) . وأما الهرب من واقع مرير ، فلا ، ولم ، ولن يلتقط أنفاسه ، ويسكن باله، إلا بالفرار إلى الله ، واللجوء إلى حماه . قال ابن القيم ، رحمه الله : ( إن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله أبداً . وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه . وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له ، وعبادته وحده ) .
نماذج من عيش أهل جنة الدنيا :
إنها جنة الإيمان ، التي يتفيؤ ظلالها الوارف الموفقون من عباد الله ، وهم يعيشون بين الناس ، يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، ويألمون ، ويجوعون ، ويعطشون ، ولكنهم في حصن حصين ، وحرز مكين ، لإيمانهم برب العالمين .
نوح : جنة عاش فيها نوح ، عليه السلام ، ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وهو يدعو قومه ليلاً ونهاراً ، سراً وجهاراً ، حتى إذا استنفد جميع الوسائل ، ولقي من قومه صنوف الأذى والسخرية ، رفع هذه الدعوة الحرى إلى ربه قائلاً : ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ .فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) .
إبراهيم : جنة وجد روحها ، ونسيمها ، إبراهيم ، عليه السلام ، وهو يلقى في النار الدنيوية ، التي أججها قومه الغاضبون ، فيقول : حسبي الله ونعم الوكيل . ويعرض له جبريل ، عليه السلام ، فيقول : يا إبراهيم : ألك حاجة ؟ فيقول : أما إليك فلا ، وأما إلى الله فبلى . فيقول الرب القدير : (يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) .
موسى : جنة أوى إليها موسى ، عليه السلام ، حين سرى ببني إسرائيل، ليلاً ، فراراً من بطش فرعون وقومه ، الذين يقتلون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، حتى إذا بلغ بهم سِيف البحر ، لحقهم فرعون وجنده : (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) ؛ البحر أمامنا ، وفرعون خلفنا ، فقال واثقاً بالله : ( كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ . فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ . وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) .
محمد : جنة وجد سكينتها محمد بن عبدالله ، صلى الله عليه وسلم ، حين أوى إلى غار ثور في طريق هجرته ، حتى بلغه الطلب، فقال صاحبه أبوبكر الصديق، رضي الله عنه: ( يا رسول الله ! والله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا ) فيقول مطمئناً صاحبه : ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
أنس بن النضر : جنة وجد ريحها أنس بن النضر ، رضي الله عنه ، حين خرج يسايق الصحابة إلى الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم أحد ، ويقول : ( واهاً لريح الجنة ! إني لأجد ريحها دون أحد ) ثم وجدوا به سبعين ضربةً ، فما عرفه إلا أخته عرفته ببنانه .
خبيب بن عدي : جنة تنعم بها خبيب بن عدي ، رضي الله عنه ، وقد خرجت به قريش إلى التنعيم ليصلبوه ، فقال لهم : إن رأيتم أن تدعوني حتى أركع ركعتين ، فافعلوا . قالوا : دونك فاركع ، فركع ركعتين ، أتمهما ، وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال : أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعاً من القتل ، لاستكثرت من الصلاة . وقيل إنه أنشد قائلاً :
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي *** وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصــال شلو ممزع
فوالله ما أرجو إذا مت مسلما *** على أي جنب كان في الله مصرعي
شيخ الإسلام ابن تيمية : ودخل هذه الجنة الدنيوية ، شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، حين دخل سجن القلعة بدمشق ، ظلماً وعدواناً ، فقال : ( ما يصنع أعدائي بي ! أنا جنتي وبستاني في صدري ، أين رحت فهي معي ، لا تفارقني . أنا حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة ) .
أسباب تحصيل الإيمان :
أرأيتم ، معشر الأحباب ، كيف يتنعم المؤمن بجنة الدنيا قبل جنة الآخرة ؟ وكيف يذوق حلاوة الإيمان ، قبل أن يذوق حلاوة فاكهة الجنان ؟ فلعل سائلاً يقول : كيف السبيل إلى دخول هذه الجنة الدنيوية ، والتخلص من هجير الحياة اللافح ؟ هل الإيمان بضاعة تشترى ، فأبذل فيها الغالي والنفيس ، وأعيش السعادة القلبية المنشودة ؟
والجواب عن ذلك : أن الإيمان دعوة الله لعباده، قال تعالى : (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) وحجته عليهم ، كما قال : (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) . ولكن الإيمان يتفاوت ، ويزيد وينقص ، ويقوى ويضعف . قال مالك بن دينار ، رحمه الله : ( الإيمان يبدو في القلب ضعيفاً ضئيلاً ، كالبقله ، فإن صاحبه تعاهده ، فسقاه بالعلوم النافعة، والأعمال الصالحة ، وأماط عنه الدغل ، وما يضعفه ، وما يوهنه ، أوشك أن ينمو ويزداد ، ويصير له أصل وفروع،وثمرة، وظل، إلى ما لا يتناهى ،حتى يصير أمثال الجبال . وإن صاحبه أهمله، ولم يتعاهده ، جاءه عنز فنتفتها ، أو صبي ، فذهب بها ، أو كثر عليها الدغل فأضعفها، أو أهلكها ، أو أيبسها . كذلك الإيمان ) . فمن أسباب تحصيل الإيمان :
أولاً : التفكر في خلق السماوات والأرض ، وما فيهما : قال تعالى :
(إنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) . (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) .
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ .أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) . (وفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذريات:21)
(أفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ .وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ . وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ .وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) . قال الشاعر :
تأمل في نبـات الأرض وانظر *** إلى آثار ما صنــع المليك
عيونٍ من لجين ناظـــرات *** بأحداق هو الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريــك
ثانياً : تدبر القرآن العظيم : قال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) . قال ابن القيم، رحمه الله : ( وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرءان ، بالتدبر والتفكر…وهو الذي يورث المحبة ، والشوق ، والخوف ، والرجاء ، والإنابة ، والتوكل ، والرضا ، والتفويض ،والشكر ، والصبر ، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله. وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه .فلو علم الناس ما في قراءة القرءان بالتدبر ، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ) .
ثالثاً : حضور مجالس الذكر : قال تعالى : (واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) .
كان معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، يقول لرجل : ( اجلس بنا نؤمن ، نذكر الله تعالى ) رواه ابن أبي شيبة بإسناد صححه الألباني . وكان عبالله بن رواحة يأخذ بيد الرجل من أصحابه ، فيقول : قم بنا نؤمن ساعة ، فنجلس في مجلس ذكر ) .
رابعاً : فعل الطاعات تقرباً لله تعالى : قال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) ، وقال : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) .
خامساً : ترك المعاصي خوفاً من الله تعالى : قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ، من تركها من مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه ) رواه الطبراني والحاكم ، وصححه . وقال : ( ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره ، إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه ) رواه أحمد والطبراني .
وهكذا ، فإن نور الإيمان يتفاوت في القلوب بقدر تحصيل هذه الأسباب . قال ابن أبي العز الحنفي ، رحمه الله : ( تفاوت درجات نور ” لا إله إلا الله ” في قلوب أهلها لا يحصيها إلا الله تعالى ؛ فمن الناس من نور ” لا إله إلا الله ” في قلبه كالشمس ! ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري ! وآخر كالمشعل العظيم ! وآخر كالسراج المضيء ! وآخر كالسراج الضعيف . ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم ، وبين أيديهم على هذا المقدار ، بحسب ما في قلوبهم من نور الإيمان والتوحيد ، علماً وعملاً)
أسباب نقص الإيمان :
أولاً : الغفلة : قال تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبغض كل جعظري، جواظ ، سخاب بالأسواق ، جيفة بالليل ، حمار بالنهار ، عالم بأمر دنياه ، جاهل بأمر دينه ) .
ثانياً : التهاون بأوامر الله : بترك الواجبات ، أو فعل المحرمات . قال تعالى : ( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .
ثالثاً : التأثير الإعلامي : إن ما تلفظه وسائل الإعلام الغربية والشرقية من نضح ثقافاتها الجاهلية ، من عروض مغرية ، ولافتات براقة ، وتفنن في الإغراء والتأثي ، لتنحت في صخرة الإيمان ، مع تعاقب الليل والنهار ، وتوالي الشهور والأعوام ، وتسلخ المرء من دينه ، دون أن يشعر بهذا المكر الخفي . قال تعالى حاكياً عمن أسلم قياده لغيره دون تبصر ، وتقدير للعواقب : ()وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
رابعاً : رفقة السوء : تؤثر الرفقة السيئة تأثيرا بالغاً مباشراً في شخصية الفرد ، فيجد نفسه ، مهما كانت خلفيته الاجتماعية والدينية ، مسوقاً للتوافق مع توجهات محيطه . قال تعالى : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) وقال (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً . يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً . لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً ) . وقد قيل :
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
ولعل هذا السبب من أقوى الأسباب التي اختطفت كثيراً من الناس ، وحادت بهم عن الدخول إلى جنة الدنيا الحقيقية ، جنة الإيمان ، واستدرجتهم إلى جنة موهومة ، مزعومة ، هي في الواقع ، جحيم المخدرات . نسأل الله أن يعيذنا ، وجميع المسلمين من مضلات الفتن ، وأن يقي مجتمعاتنا الإسلامية الشرور والآثام ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وسلم على نبيه محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي