بسم الله الرحمن الرحيم
حلويات المولد النبوي
يقدم بعض المسلمين إن لم نقل الكثير بالاحتفال بذكرى المولد النبوي بدعوى محبته صلى الله عليه و سلم و ذلك باتباع طرق أخف مما تقوم به بعض الفرق الضالة من مخالفات و منكرات كشراء الحلويات و عمل المأكولات الخاصة بهذا اليوم و دعوة الأحباب و الناس و غيرها….
نقول لهؤلاء:
إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالمأكولات والحلويات و العزومات (هذا لمن لم يعمل مخالفات) … فما علاقة محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم باستمتاعنا نحن واحتفالنا؟!!!
فإن قالوا: نعمل حلويات فقط و نجتمع مع الأحباب و هو أمر يسير ليس فيه شيء يخالف شرع الله.
نسألهم: هل أنتم تعملون هذا تعبدا لله ؟
فإن قالوا: نعم
نقول لهم: نحن مسلمون ولا نعبد الله إلا بشرعه ، فإذا عبدناه بغير ما شرع، فقد جئنا بما ليس في الدين والنبي قرأ على الناس في حجة الوداع قول الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا) الآية 3 من سورة المائدة.
ومن زاد شيئا من عنده من عبادة الله فقد ابتدع في الدين ما ليس منه واتهم الدين بالنقص، وأن هديه أفضل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعل ذلك مع أنه أعرف الناس بوقت ميلاده ، ومن بعده اختلفوا في يوم ولادته على أكثر من 20 قول.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم لا يُعرف له تاريخ قاطع ، وذكر القرطبي المالكي رحمه الله طرفاً من خلاف العلماء في يوم مولده صلى الله عليه وسلم في تفسيره.
ولم يفعل ذلك خير قرون الأمة الثلاثة ، و والله لو كان خيرا ما تركوه وفعله من هو أقل منهم!! ومنهم أحب الناس للنبي وأكثرهم حبا له وتضحية بأنفسهم من أجله وهو صحابته وأهل بيته.
وللأسف، قلد المسلمون النصارى في هذا عيد الاحتفال بالميلاد عندهم…
فنجد من يقول: لماذا لا نحتفل بمولد نبينا كما تحتفل النصارى بمولد عيسى عليه الصلاة والسلام ، فهل هم خير منا ؟
نقول لهم: قالها النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سُنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا : من يا رسول الله ؟ قال: اليهود والنصارى).
وصدق صلى الله عليه وسلم فمن يحتفلون بميلاده بحجة أن النصارى يحتفلون بمولد عيسى عليه السلام فقد اتبعوا هدي النصارى وتركوا هديه فهو لم يفعل ذلك، فقدموا إتباعهم للنصارى على تقيدهم بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم.
والمؤمن لا يأخذ دينه من النصارى أو غيرهم أو على هواه قال تعالى: (َمَاكَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْيَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُفَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً الآية 36 من سورة الأحزاب.
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الآية 65 من سورة النساء ، وفي الحديث: “والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواهتبعاً لما جئت به”، وقال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الآية 63من سورة النور.
ولو سألنا أحدهم هل فعلت شيئاً من سننه وهديه هذا اليوم –فضلاً عن باقي الأيام- كالوتر أو صلاة الضحى أو قرأت حزبا من القرآن أو تصدقت أو زرت مريضا أو أصلحت بين اثنين أو صمت أو غير ذلك من أنواع هديه وسننه (يا من يحبه) يكون الجواب عند الأغلب بالنفي… للأسف.
لو كان حبك صادقا لاطعته *** أن المحب لمن يحب مطيع
لكنه…حب المفلس: الاستمتاع بالاحتفال و صنع و أكل الحلويات، وإن زاد عليها قرأ ذلك اليوم شيئا من سيرته مما لا يطبقه فحسب.
هذا إن لم يقع في مخالفات أعظم كما نجد كثيرا ممن يفعل ذلك يتعمد مخالفته في كثير من المنهيات ولا يرتدع عنها، وهو يعلم أنه صلى الله عليه و سلم نهاه عنها كالكذب أو الغش أو الحقد أو الحسد أو سوء الخلق أوترك الصلاة أو التهاون بها أو عدم أداء الأمانة أو رؤية وسماع المحرمات أو أكل المال الحرام أو عدم لزوم الستر الواجب أو قطيعة الرحم أو ظلم من تحت يده أو غير ذلك….
فأين أنتم من محبته صلى الله عليه وسلم يا من تدعون محبته بشيء من الاحتفال الذي يناسب هواكم ويعجبكم ويريح أنفسكم وتخالفون أمره ونهيه مما لا يتفق مع أهوائكم أو شهواتكم ؟
لو كان حبك صادقا لاطعته *** أن المحب لمن يحب مطيع
هذا لو اقتصرنا على قول من يقول أنه فقط يحتفل بشراء أو صنع حلويات للأهل و الأحباب أو بذكر الله فقط أو أمورا يراها بسيطة غير مخالفة، و هذا منتشر في بعض بلدان المسلمين حيث يعرف هذا اليوم تزاحما و إقبالا كبيرا على شراء الحلويات و صنعها و تحضير المأكولات الخاصة بهذا اليوم احتفالا بمولده صلى الله عليه و سلم … مناظر تشبه ما نراه يوم يحتفل بعض جهلة المسلمين مع النصارى بميلاد المسيح فيتزاحمون أمام المحلات لشراء الحلويات الخاصة بذلك اليوم و الله المستعان.
لكن كيف لو زاد على ذلك بأن وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه ؟
فبحجة حبه صلى الله عليه وسلم يحتفل بما يخالف أمره ويقع قيما نهى عنه؛ كمن يزور أضرحة الأولياء ويتقرب إليهم بشيء من الأدعية أو النذور أو الصلاة عندهم ثم يزعم أنها لله (ولو كانت لله فما حاجة الله لعملها عند ذلك الولي؟!!) …
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في قبور الأنبياء والصالحين كما أخرج البخاري من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أَنبيائهم مساجد)) ، وقوله: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم : ((لا تجعلوا بيوتكم قُبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عَليَّ فإن صلاتكم تبلُغُني حيث كنتم)) رواه أَبو داود بإسناد حسن .
كما أن الطواف بالقبر، وطلب البركة منه، فهو لا يشك عاقل في تحريمه وأنه من الشرك، لأن الطواف من أنواع العبادات فصرفه لغير الله شرك، وكذلك البركة لا تطلب إلا من الله، وطلبها من غير الله شرك كما تقدم في حديث أَبي واقد الليثي.
وأما النذر للقبر فلا يجوز، فان النذر عبادة، وصرفه لغير الله شرك أَكبر، كما قال الله سبحانه في الآية 7من سورة الإنسان: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).
وكما في الصحيح من حديث عائشة: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أَن يعصي الله فلا يعصه)). وعن أَنس أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عَقرَ في الإِسلام)) رواه أَحمد وأَبو داود – وقال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة في الجاهلية.
وأَما التوسل بالأَموات إلى الله سبحانه، وجعلهم واسطة بينهم وبين الله، فهذا من أَكبر المحرمات، بل هو عين ما يفعله المشركون فان المشركين ما كانوا يعتقدون أن اللات و العزى ونحوها تخلق وترزق، وإنما كانوا يتوسلون بها إلى الله. كما قال تعالى حاكيًا عنهم في الآية 3من سورة الزمر: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) وقالوا كما ورد في كتاب الله في سورة يونس: (هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ).
والشرك فهو توسل مقصوده *** زلفى إلى الرب العظيم الشان
وقال سبحانه: (وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ) الآية 106 من سورة يونس.
وفي حديث ابن عباس: ((إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله))، وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال: ((إنَّهُ لا يُستغَاثُ بي وإِنَّمَا يُستَغَاثُ باللهِ))
وروى أبو داود الترمذي والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّاراتِ القبور والْمتخذينَ عليهَا الْمساجد والسرُج)) ..والسرج جمع سراج أي المصابيح.
هذا فيما يتعلق بمن يزور قبور الأولياء.
وهناك من يقع في مخالفة أخرى في الاحتفال بالمولد النبوي كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء ودعائه مع الله وغيرها مما فيه صرف شيء من العبادة من دعاء أو استغاثة بغير الله وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما مر في الأحاديث السابقة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم :((إنَّهُ لا يُستغَاثُ بي وإِنَّمَا يُستَغَاثُ باللهِ)).
وهناك من يقع في مخالفة أخرى في الاحتفال بالمولد النبوي، فيمدح النبي صلى الله عليه وسلم بما ليس صوابا مما لا يصح الثناء به إلا على الله سبحانه، وهذا مشهور ومعلوم مما يُسمى بالمدائح النبوية وقد نهى عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا : عبد الله ورسوله) وقال صلى الله عليه وسلم:(والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح، وكان يقول: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) .
والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح، وكان يقول: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو).
وهناك من يقع في مخالفة أخرى في الاحتفال بالمولد النبوي وهي اختلاط النساء بالرجال، فلا شك في تحريم ذلك، وأنه أَعظم وسيلة إلى الفاحشة قال الله سبحانه: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) الآية33 من سورة لأحزاب.
وهناك من يفعل أمور محرمة أخرى مصاحبة لذلك كالرقص والتمايل بحجة ذكر الله.
وهذا دليل أن كل عمل لم يرد به الشرع الكامل المطهر يكون سبباً للغلو أو الزيادة أو الوقوع في الشرك أو المعصية؛ ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مثل هذه الزيادات التي لم يشرعها الله ورسوله لأنها سبب للفتنة والوقوع في المعصية ولو كانت من يعملها حسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن بداية عبادة الأصنام في الأمم السابقة كانت بسبب أن الناس لما مات الصالحون وافتقدوهم بنوا الأضرحة على قبورهم لتذكرهم بعبادتهم لله فيكونا أنشط في العبادة ثم جاء من بعدهم فقالوا لو صورتموهم كان هذا أبلغ فصوروهم ثم جاء من بعدهم -وهكذا يتطور بهم الشيطان في خطواته- فقالوا لو نحتنا لهم تماثيل كان هذا أثبت وزادوا في تعظيمهم ثم جاء من بعدهم فقالوا ندعوهم ليقربونا إلى الله زلفى حتى صاروا يدعونهم وينذرون لهم ويطوفون بقبورهم ويذبحون لهم وغير ذلك من أنواع العبادات التي لا تصرف إلا لله سبحانه ، وهذا هو سبب تحريم التصاوير وصنع التماثيل على هيئة ما له روح من البشر والدواب كالبقر (العجل) وغيرهم.
ولا يأتي قائل فيقول نحن لا نفعل هذا ولا يمكن أن تقبله عقولنا ونحن في زمن المعرفة والعقل …ولذا فلا بأس من أن نصنع التماثيل … ، فإن هذا غير صحيح فهما بلغ الإنسان فإن إبليس بتدرجه في خطواته سيوقعه في المحظور إذا هو خالف شرع الله و هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أدل على ذلك من كثرة من يعظمون القبور والأضرحة من المسلمين في زماننا فضلا عن غيرهم ، ولا هدي أفضل من هدي محمد صلى الله عليه وسلم،
ولذا حذر صلى الله عليه وسلم من كل محاولة للزيادة عما جاء به بقوله : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود على صاحبه لأنه باطل.
وأمر باتباع هديه وسنته وسنة الخلفاء الراشدين بقوله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة) أخرجه أحمد، والترمذي.
ونعود فنقول: من يحتفل بما لم يحتفل به محمد صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ، إن كنت تفعله تعبدا لله فقد جئت بشيء لم يأت به خير الناس، وإن لم يكن فعلك تعبدا لله فماذا تستفيد؟ التسلية واللهو والأكل والشرب؟ نقول: تذكر قوله صلى الله عليه و سلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
فكل الحلويات لكن لا تقل إني آكلها محبة للنبي….
إن كنت تحبه فاتبعه.
قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية 31 من سورة آل عمران.
لكن للأسف أن الناس يفعلون فعلا يرونه صوابا لأنهم اعتادوا عليه. فقد روي عن ابن مسعود أَنه قال: ((كيفَ أنتم إذا لبستكم فتنة يصير المعروف فيها منكرًا والمنكر معروفًا ينشأُ على هذا الصغير ويهرم عليه الكبير إذا غيرت قيل غيرت السنة)) . فالله المستعان ….
المعارف
داعي إلى الله