السلامـــــ عليكمــــــــــ
يُشير تعبير السرطان إلى مجموعة من الأمراض الورمية المتشابهة في خواصها و المتماثلة في نمط سلوكها و التي تنشأ بخـلايا الجسم، الوحدة الأساسية في تركيبة البُـنية الجسدية، و التي بدورها تتكون من خـلايا متعددة مختلفة الأنواع و الوظائف، و طبيعياً تولد هذه الخلايا و تتكاثر، و تنمو و تصل أطوار البلـوغ و النضج و تـفـنى، حسب نظام ثابت و مستقر يتحدد نمطه وفقاً لحاجات الجسم، الأمر الذي يحفظ سلامته وعافيته، و من جهة أخرى تتكاثر مختلف الخلايا و تنمو بوتيرة سريعة خلال السنوات الأولى من العمر ( و تتفاوت تبعا لنوعها بطبيعة الحال )، و إلى أن يُصبح الشخص بالغاً، و عندها يتم إنتاج خلايا جديدة بأغلب أجزاء الجسم عند الحاجة و الضرورة فحسب، لاستبدال الخلايا المكتهلة و الميتة أو لإصلاح الجروح.
و ينشأ التسرطن حين تنقلب خلايا نسيج ما بالجسم لتصبح شاذة، تنمو و تتكاثر دون تحكم و تخرج عن خط النمـو و التبدل الطبيعي، و بدلاً من أن تموت في طورها النهائي، تستمر في النمو و التكاثر منتجة لخلايا شاذة جديدة، و تتكدس الخلايا السرطانية و تكوّن كتلة أو تضخما يسمى بالورم، يقوم عند تقدم نموه بالضغط على الأنسجة المجاورة و إزاحتها، و يمكنه أن يغزو و يدمر الخلايا الطبيعية، يُسثتنى من ذلك بعض الأنواع، مثل خلايا سرطان ابيضاض الدم، التي لا تكوّن كتلاً ورمية، و إنما تنشأ في الأعضاء المنتجة للدم ( النخاع العظمي و الجهاز الليمفاوي )، و تنتقل عبره إلى بعض الأنسجة و الأعضاء الحيوية الأخرى.
و يمكن لبعض من الخلايا الورمـية أن تخرج من محيطها، و تنتقل إلى أعضاء أخري بالجسم لتواصل نمـوها الشاذ و غير الطبيعي و الخارج عن التحكم، حيث تستقر و تستنسخ نفسها، لتكوّن أوراما مثيلة في الموضع الجديد، و يسمى هذا الانتقال بالإنتشار أو الإنبثات ( metastasis )، و تُسمى الأورام الناتجة عقب الانتقال عادة بالأورام المنتقلة أو الثانوية تمييزا لها عن الأورام الأصلية.
و ثمة فئتان من الأورام، الورم الحميد ( benign tumor )، الذي يتصف بأنه ينحصر بموضع نشوئه الأصلي و لا ينتقل إلى مواضع أخرى، و ذو نمو محدود، و يمكن استئصاله دون أن يعود للنمو ثانية في أغلب الأحوال، و الأهم من ذلك بطبيعة الحال انه نادراً جدا ما يُعد مهدداً للحياة، و الورم الخبيث ( Malignant tumor ) أو الضار، و الذي يُشار إليه بتعبير السرطان بصفة عامة، و هو النوع الخطر، و الذي يتميز إضافة إلى البُنية و النمو الشاذين، بالمقدرة على غزو الأنسجة أو الأعضاء الحيوية سواء المجاورة لموضع نشوئه أو البعيدة و التأثير عليها و أحيانا تدميرها، و ذلك لمقدرة خلاياه على اختراق الأنسجة المتاخمة و الانتشار و الانتقال من مواضع نشوئها إلى مواضع أخرى بالجسم، و في اغلب الأحوال يتم انتقالها إلى المواضع البعيدة عبر الدورة الدموية و الجهاز الليمفاوي.
و من جهة أخرى، ينتهج كل نوع من السرطـان سلوكه الخاص و المختلف، و على سبيل المثال، فسرطان العـظام و سرطـان الدم هما نوعان مختلفان من الأورام، ينموان بوتيرة و نمط مختلفين، و يختص كل منهما بمضاعفات و تأثيرات تميّـزه عن غيره، و يستجيبان لمعالجات مختلفة و بأنماط متباينة، و لذلك يحتاج مرضى السرطان للعلاج الذي يستهدف النوع الخاص بكل منهم، و لا يتم تلقي علاج موحد لكل الحالات.
و تتم تسمية أغلب أنواع السرطان حسب العضـو أو نوع الخلايا بموضع النشوء، و مع انتقال الورم أو انبثاته إلى مواضع أخرى و استقراره بها، يتكون الورم الجديد من نفس نوع الخلايا الشاذة و يظل يحمل تسمية المنشأ الأول، فمثلا إن انتقل سرطان الرئة إلى الدمـاغ، فالخلايا السرطانية الموجودة بالدماغ هي في الواقع خلايا سرطان الرئة، و يسمى في هذه الحال بسرطان الرئة المنتقل أو الثانوي و ليس بسرطان الدماغ.
تنشأ الخلايا السرطانية عند حدوث اختلال أو عطب بالحمض الريبونووي ( deoxyribonucleic acid ) المعروف اختصارا بالحمض النووي ( د . ن . أ DNA ) للخلايا الطبيعية، و هذا الحمض هو المادة الكيميائية التي تحمل التعليمات الموجهة لنظام و دورة حياة الخلايا، و يقوم بالتحكم في كل نشاطاتها بما في ذلك تكوين البروتينات و الأنزيمات اللازمة للعمليات الحيوية، مثل عمليات الأيض و التكاثر و النمو، كما يحتوي على جميع الشفرات الوراثية، و نحن نشبه والدينا لأنهما مصـدر الحمض النووي بأجسامنا، و إن كان دوره بالطبع يمتد إلى أبعد من المظهر الخارجي، و في معظم الأحوال يتمكن الجسم عند حدوث عطب ما بالحمض النـووي من تقويمه و إصلاحه بشكل طبيعي، غير أنه في حال نشوء التسرطن عجز الجسم عن إتمام مثل هذا التقـويم و الإصلاح لسبب أو لآخر، و على حد ما وصل إليه العلم الحديث، لا أحد يعرف على وجه الدقة و التحديد الأسباب الكامنة وراء حدوث مثل هذه الإختلالات و التي تدفع إلى نشوء السرطان، إلا أنه ثمة عوامل محددة قد تزيد من مخاطر العُرضة لنشوئه، مثل وراثة اختلال ما بالحمض النووي عن احد الوالدين كما في حالات الأورام ذات الأصول الوراثية، ( مع أنه و غالبا ما تحدث الإختلالات خلال فترة الحياة و ليس قبل الولادة عبر الوراثة )، أو التعرض لكميات كبيرة من الإشعاع، أو التعرض المستمر للكيماويات السـامة بما في ذلك البنزين، و من المرجح أن تفاعلات مركّبة و معقدة ما بين العـوامل الوراثية و العـوامل البيئـية و أسلوب المعيشة، و العوامل المناعية بالجسم، ( و كإحتمال عامل العدوى الفيروسية )، تؤدي إلى نشوء التسرطن.
و ثمة أجزاء من الحمض النووي تُعرف بالمورثات أو الجينات ( genes )، و التي يحتوي بعضُ منها على التعليمات التي تتحكم في آلية النمو و الانقسام، و بالتالي التضاعف و التكاثر لإنتاج خلايا جديدة، و منها مورثات معينة تحث و تُعدل عمليات انقسام الخلية، و تسمى اصطلاحًا بطليعة المورثات الورمية ( Proto-oncogenes )، و مورثات أخرى تُبطيء و تكبح الانقسام و التكاثر، أو تُعطي التعليمات للإفناء الذاتي للخلية و تسمى بالمورثات الكابحة للتورم ( Tumor suppressor genes )، و قد يحدث التسرطن نتيجة اختلال أو عطب أو تغير جذري ( Mutation ) ببُـنية الحمض النووي، مما يدفع إلى تشغيل طليعة المورث الورمي دون ضوابط ( مما يفقده القدرة على التحكم في نمو الخلية و تكاثرها )، أو يُبطل عمل الجينات الكابحة للتورم.
و بمعنى آخر، تقوم الخلايا بالتكاثر و الانقسام و النمو بتوجيه من برنامج مشفّر بحمضها النووي، و تتلقى إشارة بالتوقف عند حدّ معين حيث يتوفر الكمّ المطلوب من الخلايا، فيتوقف الانقسام و التكاثر، و يتم تشغيل برامج تالية توجه الخلايا لإنتاج البروتينات اللازمة لتصبح خلايا بالغة قادرة على القيام بالمهام المنوطة بها، أي أن نظام الانقسام و النمو و العمل، يتوقف و يبدأ و ينشط حسب نظام متسلسل تعاقبي، و خالٍ من الأخطاء لينتج خلايا طبيعية سليمة، و ثمة عدة أوجه لعرقلة و مقاطعة تقدم هذا النظام المنهجي، فمثلا إن حدث قصور في إشارة التوقف و لم تعمل لسبب ما، تستمر الخلايا في الانقسام و التكاثر دون ضوابط و تكون كتلة شاذة متضخمة، أو عند حدوث قصور في عمل المورثات الكابحة، التي تنتج بروتينا معينا يكون مسؤولا عن توقيف الخلية عند وجود عطب بالحمض النووي، سواء لإصلاح الخلل أو لإفنائها ذاتيا عند تعذر الإصلاح، فحين لا يعمل هذا البروتين لسبب ما، تستمر الخلايا ذات الحمض النووي المعطوب في الانقسام، و إنتاج خلايا جديدة، مسببة المزيد من العطب في المورثات الأخرى التي يأتي دورها تاليا في العمليات الحيوية و التي تتحكم في نمو و تطور الخلايا، و ينتهي الأمر بنشوء التسرطن.
و فيما عدا عن بعض الإختلالات الوراثية بالحمض النووي، و التي تزيد من مخاطر نشوء بعض أنواع الأورام، لا يوجد سبب واضح و ظاهري للكثير من الإختلالات الأخرى، غير أنها قد تعود إلى أخطاء عشوائية تحدث عند تكاثر الخلايا، ففي كل مرة تتهيأ فيها الخلية للانقسام إلى خليتين جديدتين، تقوم بصنع نسخة عن حمضها النووي، الذي يتركب في ثلاث و عشرين زوجا من الصبغيات ( Chromosomes )، و قد لا تتم هذه العملية بشكل متقن في بعض الأحيان، و تحدث أخطاء بالنسخ، و لا يعرف العلماء لماذا أو كيف تحدث مثل هذه الأخطاء في وقت بعينه و عند بعض الأشخاص دون غيرهم، و رغم وجود عدة إنزيمات بالخلايا تختص بالمراجعة و التدقيق و من ثم التصحيح، إلا أن بعض الأخطاء تمر أحيانا خصوصا عند مراحل النمو السريع للخلايا، حيث و قبل أن تتمكن الخلية من إصلاح اختلال الحمض، يمكن أن تتكوّن خلايا جديدة و تأخذ بالانقسام بدورها مع وجود الخلل و يكون أوان الإصلاح قد فات، و تكون التعليمات المتحكمة في النمو و الانقسام قد تغيرت بشكل نهائي، مما يؤدي إلى تطور نمو ورمي.
و ثمة نوع آخر من الاختلال، ينجم عن شرود الصبغيات و انحرافها عن التساكن بمواقعها الصحيحة، أي حدوث التبادل بالمواقع بين عُرى الصبغيات ( Translocation )، و يعني التبادل حدوث تحول في المواقع ما بين جزئين من الحمض النووي، أي أن جزءاً من الحمض النووي بصبغي معين يتحول ليلتحق بصبغي مختلف غير الصبغي الصحيح، و بالتالي تتم إعادة ترتيب البرامج المشفرة بالحمض النووي للخلية مع ثبات الخطأ، و يتعطل النظام و السياق الموجه لأطوارها المختلفة، مما يؤدي بدوره إلى أن تصبح طليعة المورثات الورمية فعّالة دون تحكّم أو يتم إحباط عمل الجينات الكابحة للتورم، إضافة إلى حدوث ارتباك و تشتت في البرامج المنظمة للانقسام و التضاعف و النمو و التمايز نتيجة فقد أجزاء من شفرات التعليمات، و من ثم ينشأ النمو الشاذ الذي ينتج عنه نمو سرطاني، و تُعد آلية كهذه مسئولة عن نشوء أنواع متعددة من الأورام، مثل بعض أنواع اللوكيميا ( حيث يحدث التبادل في صبغيات مختلفة عند كل نوع )، أو مجموعة أورام يوينغ التي تنشأ بالأنسجة الرخوة و العظام أو أورام العضلات الهيكلية .
و تجدر الإشارة من ناحية أخرى، إلى وجود أشكال أخرى من الاختلال الذي يصيب الحمض النووي، منها حدوث ما يُعرف بالانعكاس أو الانقلاب ( inversion ) مما يعني أن جزءا من صبغي ما تراكب بشكل مقلوب و ظل منعكسا عقب النسخ غير أنه لا يزال مرتبطا بنفس الصبغي، و منها أيضا حدوث الإضافات ( additions )، أي أن جزءا من صبغي ما ( أو الصبغي بكامله ) قد تضاعف و تتواجد نسخ كثيرة منه بالخلية، و كذلك حدوث الفقدان أو المحو ( deletion ) لبعض من مقاطع حمض نووي بصبغي معين، و يظهر الصبغي ناقصا و مبتورا، و تؤدي جميع هذه الأعطاب في اغلب الأحوال إلى نشوء بعض أنماط النمو السرطاني.
يُقصد بعوامل الخطورة ( Risk factors ) تلك العوامل التي تزيد من احتمال العُرضة لأي مرض مثل السرطان عند أي شخص، و بالنسبة لأورام الأطفال التي يظهر العديد منها في وقت مبكر جدا من حياة الطفل، و مع أن نشوء بعض هذه الأورام يُعد كنتيجة للتهيؤ و الاستعداد الوراثي أو العائلي، حيث السرطان ( يسرى في العائلة ) حسب التعبير الشائع، ( و إن كانت الإصابة ليست بالضرورة حتمية و إنما يزيد الاستعداد الوراثي من احتمال العُرضة لها )، إلا أن الأسباب وراء معظم أورام الأطفال تظل مجهولة تماما، و رغم أن التلوث الإشعاعي و التعرض للإشعاع سواء النووي أو غيره إضافة إلى حوادث التلوث بالنفايات السامة، جميعها تساهم في زيادة احتمالات و معدلات حدوثها، إلا انه و خلافا لأورام الكبار، لا يمكن إيجاد علاقة بينها و بين عوامل الخطورة الناجمة عن أسلوب الحياة و العادات الصحية السيئة، مثل التدخين أو تعاطي الكحوليات و المخدرات، أو التغذية غير الصحية أو الخمول و قلة النشاطات الجسدية، ناهيك عن عوامل الخطورة الناجمة عن ظروف العمل مثل التعرض المستمر للكيماويات السامة، أو العمل قرب المجالات الكهرومغناطيسية عالية التوتر أو غيرها.
و من عوامل الخطورة التي يُشار إليها عادة ضمن العوامل المساهمة في نشوء الأورام :
عوامل نمط المعيشة و العادات الحياتية، مثل التدخين أو التغذية غير الصحية أو العمل بصناعات تستخدم الكيماويات السامة، قد تكون جميعها عوامل خطورة لأورام البالغين، و لكن لا يمكن اعتبارها كذلك و بنفس القدر بالنسبة للأطفال المرضى بالسرطان، إذ أنهم صغار جدا حتى يتعرضوا لمثل هذه العوامل لمتسع من الوقت يمكن معه أن تشكل خطراً عليهم.
تاريخ العائلة و الوراثة و خصائص المورثات، تلعب جميعها دورا مهماً في بعض أنواع أورام الأطفال، و من الممكن لأورام بأنماط مختلفة أن تظهر أكثر من مرة في التسلسل الهرمي لعائلة واحدة، و لكن السبب وراء إطلاق نشوئها و حدوثها عند طفل محدد من العائلة دون غيره و في زمن ما، يظل مجهولا، سواء أكان بسبب اختلال المورثات أم التعرض لمواد كيميائية سامة أم التلوث الإشعاعي ، أم تفاعلات مركبة بين كل هذه العوامل أدت إلى تفعيل النمو الورمي الشاذ.
ثبت أن بعض العلل و الأعطاب بخصائص المورثات و التي تظهر ببعض المتلازمات و العلل الوراثية، مثل متلازمة ويسكوت الدريش ( Wiskott-Aldrich syndrome ) و متلازمة بيكويث ويدمان ( Beckwith-Wiedemann syndrome ) و متلازمة لي فراومـني ( Li-Fraumeni syndrome )، تُحدث تبدلات معينة بخـلايا الجهاز المنـاعي، و خصوصا خلايا المنشأ المولدة لخلايا الدم التي ينتجها النخاع العظمي، و التي يتطور بعضها بدوره و ينضج ليعمل كخلايا أساسية ضمن الجهاز المناعي، و تشير الدراسات إلى أن هذه الخلايا تصبح مختلة و معطوبة بحيث قد تنتج خلايا شاذة أي سرطانية، و ترتفع نسبة الخطورة لدى الأطفال المصابين بمثل هذه المتلازمات لنشوء أنواع مختلفة من الأورام.
تم الربط بين التعرض لتأثير بعض الفيروسات، مثل الفيروس المؤدي للإصابة بمتناذرة العوز المناعي المكتسب الإيدز المعروف بفيروس ( HIV )، أو فيروس إبشتين بار (Epstein-Barr virus EBV )، و المؤدي للإصابة بداء وحيدات النوى
( mononucleosis ) و بين زيادة معدل الخطورة للإصابة ببعض أنواع أورام الطفولة، مثل أورام هودجكن و الأورام الليمفاوية اللاهودجكن ( خصوصا بمناطق إفريقيا المدارية )، و يحتمل أن هذه الفيروسات تُحدث تبدلات بالخلايا بطريقة ما، بحيث تنتج خلايا مختلة تتطور عقب تكاثرها و مرورها بمراحل النمو و التمايز إلى خلايا ورمية.
تأثيرات التعرض لبعض العوامل البيئية مثل التعرض للمبيدات الحشرية و الأسمدة الكيماوية و السكن قرب خطوط الكهرباء عالية التوتر، و قد تمت دراسة هذه العوامل لتقصي علاقتها المباشرة لأورام الطفولة، حيث لوحظ تكرار ظهور حالات السرطان لدى أطفال غير أقرباء يعيشون في نفس الأحياء السكنية، غير أن النتائج لم تثبت علاقة مباشرة بين التعرض لهذه العوامل، سواء قبل الولادة أو في الطفولة المبكرة و بين نشوء السرطان و قد يكون الأمر مجرد مصادفة.
تم الربط بين بعض أنماط معالجات أورام الأطفال، مثل الجرعات العالية من العلاج الكيماوي و العلاج الإشعاعي، و بين تطور أورام ثانوية غير الـورم الأصلي المُعالج عند بعض الحالات خلال فترات لاحقة من الحياة، فقد تسبب هذه المعـالجات و العقاقير القوية تبدلات بالخلايا أو بالجهاز المناعي، و تؤدي إلى اختلالات بالحمض النووي و نشوء التسرطن، و يكون الورم الثاني مختلفا و يُعد كنتيجة لمُعالجات الورم الأصلي.
من الصعب تمييز السرطان عند الأطفال بشكل مبكر، و ينبغي دائما إجراء الفحوصات الطبية الروتينية بشكل دوري، و التنبه بشكل خاص لأية علامات أو أعراض لا تبدو عادية، خصوصا إن استمرت لفترات متطاولة، دون أن تستجب للمعالجات العادية، و من الأعراض الشائعة و التي قد تشير إلى وجود نمو ورمي و تثير القلق :
ظهور تضخم أو كتلة مهما كان حجمها و بأي موضع.
الشحوب غير المفهوم أو فقدان النشاط.
نشوء توعك أو حمى غير مبررين، يستمران لفترات متطاولة، دون استجابة للمعالجات.
سهولة ظهور الكدمات على الجلد، و سهولة النزف من الأنف أو الأسنان أو اللثة دون مبرر واضح.
وجود الم موضعي و مستمر لفترة طويلة.
اختلال بالتوازن و الترنح الحركي، أو عرج بالمشي دون سبب محدد.
تغيرات فجائية بالعيون أو اختلال مستمر و متكرر بالرؤية.
صداع مستمر يكون مصحوبا بالتقيؤ في أغلب الأحوال.
حدوث انخفاض حاد و سريع بالوزن.
و يلاحظ أن مثل هذه الأعراض قد تشير إلى مجموعة واسعة من الأمراض التي تصيب الأطفال، و لا يعني ظهورها بالضرورة وجود نمو سرطاني، غير أنها تُعد مؤشرا أوليا يستدعي ضرورة التقصي و إجراء المزيد من الفحوصات و التحقق من الأمر.
و من ناحية أخرى، و حال تشخيص الطفل بالسرطان ينبغي للأهل الإلمام بكل التفاصيل حول المرض، و اتخاذ العـديد من القرارات، مثل كيفية معالجة الطفـل، و البحث عن أفضل المـراكز المتخصصة بمعـالجة أورام الأطفال للمباشرة بالمعالجات بالسرعة الممكنة، أو إجراء تشخيص ثان في مركز طبي مختلف، و الكثير من الإجراءات المتعلقة بالحالة المُستجدة.
و يُرجى الانتقال لصفحة التعامل مع سرطان الطفولة ، للإطلاع على بعض الفقرات حـول التجهيز للمعـالجات و العـوامل النفسية و الاجتماعية، و العلاقات بين الطفل و الأهل و الأطباء، و بعض المقترحات حول سرطان الطفولة.
ينشأ السرطـان لدى الأطفال بنفس المواضع تقريبا حيث تنشأ أورام البالغين، غير أن بعض الأنواع شائعة أكثر لدى الأطفال، و من جهة أخرى تختلف أورام الأطفال عن أورام البالغين، و لا تنتهج سلوكا مشابها بشكل دائم، و لا تتم معالجتها بنفس الخطط العلاجية، كما أنها لا تستجيب للمعالجات بنفس الوتيرة، إضافة إلى ارتفاع معدلات الشفاء القياسية مقارنة بأورام الكبار، ( لذلك ينصح الأطباء بضرورة تجنب القراءة عن أورام الكبار بُغية التعلم عن أورام الأطفال، أو التكهن بفرص الشفاء الممكنة لحالة أي طفل مريض ) إذ تختلف الخطط العلاجية و مؤشرات التكهن بالمردود العلاجي و تطورات المرض عند الأطفـال بشكل كبير عنها لدى البالغين، و تظهر الفروقات الرئيسية بمعدلات الشفاء أو النجاة ( Survival rates ) القياسية، و مسببات السرطان، حيث تبلغ معدلات الشفاء القياسية لدى أورام الأطفال في المتوسط نسبة 75 % و ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 90 % عند بعض الأنواع، بينما تبلغ لدى الكبار بالمتوسط نسبة 60 %، و يُعتقد أن هذا الفرق ناتج عن حقيقة أن أورام الأطفال أكثر استجابة و تفاعلاً تجاه المُعالجات، و حقيقة أن الأطفال أكثر قدرة على تحمّل العلاجات المكثفة، كما أن المعطيات للتكهن بمردود علاجي جيد ( prognosis ) و تقديرات المرض هي أكثر ايجابية لديهم.
و تظهر أورام الطفولة و تنشأ غالبا بالخلايا الابتدائية أو الأوليّـة، و التي هي خلايا بسيطة إنشائية تمتلك قابلية النمـو و النضج و التمايز لإنتاج خلايا بالغة و أكثر تخصصاً، و عادة تؤدي التبدلات أو الإختلالات التي تصيب الخلايا و الممكن وصفها بالعشوائية إلى نشوء التسرطن لدى الأطفال، بينما عند أورام البالغين من المعتاد أن تتسرطن الخلايا المعروفة بالطلائية أو الظهارية ( epithelial )، أي التي تتواجد على سطوح الأنسجة، سواء الخارجية كالجلد أو الداخلية كالأنسجة المبطنة لمختلف التجاويف بالجسم، و يتطور السرطان نتيجة ممارسة أنماط حياتية مختلفة و تعرّض هذه الخلايا لتأثيرات مختلف الظروف البيئية و الحياتية عبر الزمن، و من هنا يمكن وصف أورام البالغين بأنها أورام مُكتسبة ( acquired ).
و من جهة أخرى تختلف معدلات أورام الطفولة بشكل كبير عن مثيلتها عند البالغين، حيث نجد أن أورام ابيضاض الدم، و أورام الدماغ و الجهاز العصبي، و الأورام الليمفاوية ( أو أورام الغدد الليمفاوية )، و أورام العـظام و الأنسجة الرخوة و الكِـلى و العيون و الغدد الكظرية، هي أكثر شيوعا عند الأطفال، بينما نجد أن أوراماً مثل أورام الجلد و البروستاتة و المثانة و الثدي و الرئة، هي الأكثر شيوعا لدى البالغين.
والتالي توضيح للأنواع الرئيسية من أورام الأطفال، و نشير إلى وجود أنواع تُعد نادرة بسا لدإن الأطفال و غير مُدرجة، ( حول أنواع الأورام ) أو اختيار نوع الورم من الجدول للانتقال إلى صفحته الخاصة.
يُعد سرطان إبيضاض الدم ( اللوكيميا ) أكثر أنواع الأورام شيوعا لدى الأطفال و يشكّل نسبة تقترب من ثلث حالات أورام الأطفال، بينما تُعد أورام الجهاز العصبي بالدماغ و الحبل الشوكي ثاني أكثر الأنواع شيوعا، و تمثل نسبة تقترب من 20 % من الحالات، و تنشأ معظم أورام الدماغ لدى الأطفال في منطقة المخيـخ و جذع الدماغ، بينما مثيلتها عند البالغين تنشأ بمواضع أخرى غالبا بمنطقة المخ، و تُعد أورام الحبل الشوكي أكثر نُدرة من الأورام الدماغية سواء عند الأطفال أو البالغين.
و تُعد الأورام الليمفاوية التي تنشأ بأنسجة الجهاز الليمفاوي، بالترتيب الثالث ضمن شيوع الأورام لدى الأطفال، و تتراوح معدلاتها بين سبعة إلى عشرة بالمئة من الحالات، و تتماثل نسبتها تقريبا مع أورام الأوليّات العصبية التي تعتبر الأكثر شيوعا ضمن الأورام الصلبة للخلايا العصبية خارج الدماغ، و يتم تشخيصها غالبا خلال السنة الأولى من العمر، بينما يمثل ورم ويلمز الكلوي الذي يصيب إحدى أو كلتا الكليتين، ما نسبته حوالي ستة بالمئة تقريبا من مجمل الأورام، و يظهر غالبا عند الأطفال بسن تقلّ عن الثلاث سنوات.
و يُمثل ورم جذيعات الشبكية أو سرطان الشبكية ما نسبته حوالي 3 % من مجمل أورام الأطفال، و يظهر غالبا عند الأطفال بسن تقل عن الأربع سنوات، و عند حوالي ربع الحالات يصيب كلتا العينين، و تظهر نفس النسبة تقريبا عند أورام العضلات المخططة الغرنية
( Rhabdomyosarcoma ) و التي تُعد من أكثر أورام الأنسجة الرخوة شيوعاً لدى الأطفال، و تنشأ عن تسرطن الخلايا الأوليّة المكونة للعضلات المخططة الهيكلية، و بالنسبة لأورام العظام فهي غير شائعة عند الأطفال، و تُعد نسـبة أنواعها الابتدائية ( التي تنشأ بالعظام أولا ) أقل من مثيلتها الثانوية ( التي تنتقل من مواضع أخرى إلى العظام ) سواء عند الأطفـال أو البالغين، و يُعد ورم العظام الغـرني ( Osteosarcoma ) الأكثر شيوعا ضمن أنواع أورام العـظام الابتدائية لدى الأطفـال و المراهقين، و تُعد مجموعة أورام يوينغ الأقل شيوعا.
و نشير إلى أن المعدلات المذكورة هي نسب عامـة، و قد تختلف باختلاف العرقيـات و الأجناس و المناطق الجغرافية، حيث ترتفع معدلات ظهور أورام معينة، في المناطق التي تعرضت لكـوارث و حروب نووية، أو تعرضت للتلوث بالنفايات السـامة أو لظروف غير طبيعية، و تظهر أورام أخرى بنسب ضئيلة، بينما ترتفع معدلات بعض الأورام مثل أورام الدم، عند بعض العرقيات دون غيرها.
ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد
Acute lymphoblastic leukemia
ابيضاض الدم النخاعي الحاد
Acute myeloid leukemia
الأورام الليمفاوية اللاهودجكن
Non Hodgkin lymphoma
أورام هودجكن
Hodgkin’s Disease
أورام الدماغ و الحبل الشوكي
Brain & spinal cord Tumors
أورام الأوليات العصبية
N****blastoma
أورام أوليات الشبكية
Retinoblastoma
الأورام الغرنية بالعضلات المخططة
Rhabdomyosarcoma
الأورام الغرنية بالعظام
Osteosarcoma
أورام الأنسجة الرخوة
Soft tissue sarcoma
مجموعة أورام يوينغ
Ewing’s sarcoma
ورم ويلمز الكلوي
Wilm’s Tumor
عند تشخيص الأورام، يتم إجراء العديد من الفحوصات و التحاليل المخبرية التي تستهدف تصنيف السرطان، سواء لتحديد تصنيف الـورم ضمن فئته، و تصنيف درجته ( Grading )، أو تصنيف مرحلته ( Staging )، كي يتسنى وضع خطة العـلاج الملائمـة و بالسرعة الممكنة، و يُحدد التصنيف أيضا كمّ النسيج السرطاني الموجود بالجسم و موضعه و مدى انتقاله، و على سبيل المثال يتم لدى تصنيف الأورام الصلبة تحديد حجم الورم و تُفحص الغدد الليمفاوية المتضررة، و التحري عن مدى انتقال الورم، و يتم لدى تصنيف أورام الدم تفحص النخاع العظمي و الكبد و الطحال، إضافة إلى الغدد الليمفاوية للتقصي عن مدى تضرر هذه الأعضاء.
و ثمة مجموعة واسعة من التحاليل و الفحوصات و الاختبارات، و التي تُجرى تبعا لنوع الورم، تبدأ من إجراء عمليات الخزع الجراحي ( biopsy ) بهدف استخلاص خزعة من أنسجة الورم جراحيا، ليتم فحصها تحت المجهر بُغية تحديد نوعه و خواصه الحيوية و تمظهر أنسجته، مرورا بتحاليل الدم المختلفة و معدلات كيميائيات سوائل الجسم، و التقاط الصور البدنية بطرقها المتعددة، من أشعات مختلفة كالأشعة السينية، و التصوير الإشعاعي الطبقي ( Computed tomography scan )، و التصوير بالموجات فوق الصوتية، إضافة إلى التصوير بالرنين المغناطيسي ( Magnetic resonance imaging )، و إنتهاءا بتحاليل المورثات الخلوية، و تعداد الخلايا و الكيمياء الحيوية، و تستهدف جميع هذه الفحوصات تحديد مختلف جوانب الأورام بدقة، قبل المباشرة بالخطط العلاجية، و من ثم يُستخدم الكثير منها دوريا أثناء المعالجات و عقب انتهائها، لمراقبة التطورات المرضـية، و مسار المعالجات و تقصي مدى نجاعتها، و تأثيراتها الجانبية المصاحبة، إضافة إلى فعّالية أعضاء الجسم الحيوية و مدى تأثرها بالعلاجات.
يتم تصنيف الأورام من خلال استخلاص جانبين من المعلومات حولها، يتركز الجانب الأول في مدى تماثل الخلايا السرطانية مع الخلايا الطبيعية، و يسمى بتصنيف درجة الـورم ( Grading )، و يتمثل الجانب الثاني في مدى الكـمّ السرطاني الموجود بالجسم و مواضع تركزه و رقعة انتشاره، و يسمى بالتصنيف المرحلي للأورام ( staging ).
و تُعد أنظمة تصنيف الأورام من الأركان المهمة في تخطيط المعالجات، حيث تعطي فكرة واضحة عن نمط السلوك الحيوي المتوقع للخلايا السرطانية، و تقدير مدى استجابتها للمعالجات و موازنة العائد العلاجي بين الخطط العلاجية، الأمر الذي يضمن ترتيب الخطة العلاجية الفعالة و بأفضل مردود علاجي ممكن، و من هنا يستخدم الأطباء تعبير التكهن بالمردود العلاجي المتوقع ( prognosis )، أي التكهن بمدى استجابة الورم للمعالجات و استشراف الدلائل حول السلوك الممكن للسرطان و فرص الشفاء لدى المريض، لتلخيص معطيات تصنيف الورم، و يعتمد تقدير الحالة على عدة عوامل، أهمها بطبيعة الحال نوع السرطان و تصنيفه المرحلي و درجته، إضافة إلى عمر المريض و حالته الصحية العامة و فاعلية المعالجات.
و بهذا الصدد من المفيد أن نتوقف قليلا عند هذا التعبير، أي التكهن بالمردود العلاجي المتوقع، حيث يلزم أن نفصل بين المعنى الذي يقصده الأطباء، و المعنى الذي يفهمه المرضى أو الأهالي، أي بمعنى آخر الفصل بين مغزى التكهن و التقدير عند الطرفين، و ما يستخلصه كليهما من معطيات حول المردود المتوقع، فحين يناقش الأطباء معطيات التكهن العلاجي عند المريض، فهم يحاولون تصور ما الذي يمكن أن يحدث من تطورات خلال المعالجة و بالتالي ترتيب الخطة العلاجية الملائمة و الشاملة و التحسب للاحتمالات منذ البداية، و يصفون عادة معطيات التكهن بأنها مواتية أو واعدة ( Favorable prognosis )، حيث من المتوقع أن يستجيب الورم للعلاجات بشكل جيد جدا، أو غير مواتية أو غير واعدة ( unfavorable prognosis )، حين يرون أن الورم من النوع الذي تصعب السيطرة عليه، و يتم التصرف بترتيب الخطة العلاجية بناءا على هذه المعطيات، و الواقع أن الأمر يتعدى مجرد التكهن بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو تصور مبني على أساس متين من المعطيات الواضحة المستخلصة من مختلف الفحوصـات و التحاليل، و على ذلك يمكننا القول أن الأمر بالنسبة إليهم هو عمل حرفي خالص، يضع في الحسبان الأوجه التي يمكن للسرطان سلوكها و ردود فعله المحتملة تجاه المعالجات، و معطيات محددة يتم استخدامها لوضع خطة لمواجهته، فمثلا حين يكون الورم من الدرجة العليا و منتقل إلى مواضع أخرى غير موضع نشوئه الأصلي، يلزم إتباع خطة علاجية قياسية و مكثفة تتكون من عدة علاجات قدمت معدلات شفاء قياسية عند الحالات المشابهة، و بطبيعة الحال لا يعني ذلك أن نفس التطورات ستظهر بالضبط عند المريض موضوع المعالجة، فلا يوجد مريضان بالسرطان يتماثلان في كل شيء و إن كان التشخيص واحدا.
بينما عند المرضى و أهاليهم فالتكهن بالمردود العلاجي المتوقع هو مؤشر على مدى خطورة المرض، و يندرج ضمن مؤشرات أخرى، مثل الإحصائيات الطبية حول معدلات الشفاء، بغرض تكوين فكرة عن فرص الشفاء الممكنة و استقراء مستقبل المريض، و من الطبيعي أن يؤثر ذلك على طريقة تعاملهم مع الوضع ككل، و لعلنا نوضح الفكرة أكثر لو تمثلنا الأمر كرحلة بحرية، فنحن بالتأكيد سنبحر و حسب حالة الطقس و معلوماتنا حول البحر، سنستخدم محركا واحدا بالسفينة أو محركين أو قد نضيف أشرعة فـوق ذلك، و سنتحسب لكل التطورات الممكنة و سنراقب كل شيء طوال الوقت، و لكن هل سنصل بالتأكيد إلى وجهتنا كما وصل غيرنا من قبل، الأطباء لا يستخدمون مؤشرات المرض و معطيات التكهن للإجابة عن هذا السؤال، و إنما للتخطيط لرحلة الإبحار بكل الإمكانيات المتوفرة و بأقصى درجة من الاستعداد، بينما عند الأهالي فالتكهن هو جزء من عدة معطيات تسعى لإيجاد إجابة محددة، و سنتحدث في فقرة معدلات الشفاء حول هذه المسألة بتوسع أكثر.
يُستخدم نظام تصنيف درجة الورم لتحديد درجة تمايز الخلايا السرطانية عن الخلايا الطبيعية بناءا على مظهرها تحت المجهر، أي تحديد درجة شذوذ الخلايا الورمية بالنسيج المتسرطن مقارنة بالخلايا الطبيعية، و يستخدم تعبير التمايز ( differentiation ) لوصف مدى التماثل بينهما في المظهر المجهري و بالتالي في أداء الوظائف، و من هنا فتحديد درجة التمايز يعطى فكرة واضحة عن السلوك الحيوي للخلايا الورمية من حيث شدتها و سرعة نشاطها، أو ما يمكن تسميته بالعدوانية أو الشراسة.
و من المعتاد بشكل عام استخدام تصنيف يتكون من أربعة درجات، حيث بالمستوى الأول تُدرج الخلايا الورمية واضحة التمايز ( well-differentiated )، و التي تعتبر عموما الأقل شراسة نسبة إلى سلوكها الحيوي، و في هذه الحال يُعد الورم من الدرجة الدنيا
( low-grade tumor )، و على النقيض من ذلك تُدرج بالمستوى الثالث و الرابع الأورام ذات الخلايا قليلة التمايز عن الخلايا السليمة أو غير المتمايزة ( undifferentiated )، و التي تعتبر بدورها الأكثر شراسة في سلوكها الحيوي، و يُعد الورم من الدرجة العليا
( high-grade tumor ).
و من هنا يمكن تلخيص نظام تصنيف درجة الأورام حسب الدرجات التالية :
درجة مجهولة ( GX ) : حيث يتعذر تقييم مدى تمايز الخلايا الورمية، و هنا يُعد الورم بدرجة غير معرّفة أو غير محددة ( Undetermined grade ).
درجة 1 ( G1 ) : حيث التمايز واضح و محدد، و يُعد الورم من الدرجة الدنيا.
درجة 2 ( G2 ) : حيث التمايز واضح بشكل معتدل ( Moderately )، و هنا يُعد الورم من الدرجة المتوسطة أو المعتدلة ( Intermediate grade ).
درجة 3 ( G3 ) : حيث التمايز قليل الوضوح ( Poorly differentiated )، و يُعد الورم من الدرجة العليا.
درجة 4 (G4 ) : حيث الخلايا غير متمايزة ( Undifferentiated )، و يُعد الورم من الدرجة العليا.
و مع أن أنظمة تصنيف درجات الأورام تُستخدم عند معظم أنواع السرطان، غير أنها مهمة بصفة خاصة عند أورام معينة، مثل الأورام الدماغية، و الأورام الليمفاوية، و أورام الأنسجة الرخوة، إضافة إلى أورام الثدي و البروستاتة لدى البالغين.
كما سلفت الإشارة، يتمثل التصنيف المرحلي للأورام في استخلاص المعطيات لتحديد الكمّ السرطاني الموجود بالجسم و مواضع تركزه، حيث من الضروري معرفة هذه المعطيات لتخطيط المعالجات، و للتأكد من تلقي المريض للعلاج الملائم حسب نوع الورم المشخص، مع التحسب للسلوك الذي قد ينتهجه السرطان تجاه المعالجات، فمثلا قد تبدأ معالجة ورم ما من النوع الصلب و بالمراحل المبكرة بإجراء جراحة استئصالية مع استخدام العلاج الإشعاعي بجرعات معينة، بينما قد يتطلب نفس الورم في مراحل متقدمة استخدام العلاج الكيماوي إضافة إلى ذلك.
و يتركز التصنيف المرحلي حول الورم الأصلي المشخص دون الأورام الثانوية، و يتعلق بتوفير كافة المعطيات حول حجم النسيج الورمي، و مدى نموه عبر الأنسجة المجاورة، و مدى انتقاله خصوصا إلى الغدد الليمفاوية المتاخمة لموضع نشوئه، إضافة إلى مدى انتشاره و انتقاله إلى مواضع و أعضاء حيوية أخرى مجاورة أو بعيدة.
و يستخدم الأطباء أربعة وسائل للاستدلال، بُغية توفير المعطيات المطلوبة لتحديد مدى امتداد السرطان بمواضع مختلفة، و في فترات زمنية مختلفة :
التصنيف بالتشخيص السريري ( Clinical-diagnostic staging ): أي المعطيات المستخلصة عن الكمّ السرطاني مما يمكن للطبيب رؤيته و تحسسه، و تحديده بالفحوصات السريرية، و الاختبارات التصويرية مثل الأشعة السينية، و التحاليل المخبرية.
التصنيف بالتقييم الجراحي ( Surgical-evaluative staging ): أي استخلاص المعطيات عبر العمل الجراحي سواء الاستكشافي أو الخزع الجراحي أو كليهما.
التصنيف عقب المعالجة الجراحية ( Post-surgical-treatment pathologic staging ): أي تحديد تصنيف المرض عقب العمل الجراحي، بتفحص النسيج الورمي مباشرة و تفحص خلاياه مجهريا.
تصنيف المعالجات المُعادة ( Re-treatment staging ): أي استخلاص المعطيات عن امتداد المرض عند البدء بمعالجات إضافية أو مختلفة كليا، و لنفس الورم.
و بطبيعة الحال تختلف أنظمة التصنيف باختلاف أنواع الأورام، إذ يصنف البعض بدرجات رقمية و البعض حسب تموضعه و انتقاله، و بالصفحات الخاصة بأنواع الأورام نبذة عن نظام التصنيف المتبع عند كل نوع.
بُغية ترتيب أفضل مخطط علاجي، يقوم الأطباء بدراسة الوضع من مختلف الجوانب، بما في ذلك الدراسة الشاملة للظروف الصحية للطفل، و نوع السرطان، و تصنيفه ضمن فئته، و تصنيفه المرحلي و مدى انتقاله من موضع نشوئه، و تأثيره على الأعضاء الحيوية، إضافة إلى عدة عوامل جانبية، و تحدد الخطة العلاجية نوع العلاجات و دوراتها و مـدتها، و توضع حسب المعطيات الخاصة بكل مريض، و تختلف بالتالي من حالة لأخرى حتى عند الحالات بنفس التشخيص، و اعتماداً على طريقة استجابة جسم المريض للمعالجات و التطورات الصحية، يتم تحديد الخطوات العلاجية التالية، بما في ذلك تعديل الخطة العلاجية الأصلية أو تغييرها.
و تتماثل معالجات سرطان الطفولة مع العلاجات المستخدمة عند أورام البالغين، و هي تشمل :
العمل الجراحي، و العلاج الكيماوي ( Chemotherapy ) ، و العلاج الإشعاعي ( Radiation therapy )، و العلاج المناعي
(Immunotherapy )، و زرع نُـقى النخاع العظمي ( Bone marrow transplantation ) أو زراعة خلايا المنشأ المولّدة لخلايا الدم ( stem cell transplantation )، و تعتمد الخطط العلاجية على نوع الورم، و قد يتم الاقتصار على أحد هذه العلاجات منفردا عند بعض الحالات، غير أن معالجة اغلب أورام الأطفال تتم بخطة تتكون من توليفة مشتركة من علاجين أو أكثر للقضاء على الخلايا السرطانية.
تُعد الجراحة جزءا أساسياً في الخطط العلاجية عند أغلب الأورام الصلبة لدى الأطفال، و يستهدف العمل الجراحي الوصول إلى موضع الورم من أقصر الطرق، و أقلّها تأثيراً على أنسجة الجسم السليمة، و من ثم التحقق من تسرطن الورم؛ عبر استخلاص خزعة من أنسجته لتحليلها، تمهيداً لاستئصال أكثر كمّ ممكن من نسيج الورم و بأقل أضرار ممكنة، و باستخدام كافة التقنيات المتوافرة، مع مراعاة تأثير ذلك على الأعضاء الحيوية المجاورة، إضافة إلى إزالة مساحة معينة من الأنسجة المحيطة بالورم تحسبا لانتشاره عبرها، و من ثم التقصّي عن مدى انتقاله إلى الأنسجة و الأعضاء القريبة، خصوصا الغدد الليمفاوية أو أية مواضع من المعتاد انتقال الخلايا الورمية إليها، و ذلك حسب نوع الورم موضوع الجراحة، و من البديهي أن يختص كل نوع من الأورام، بأسلوب جراحي مختلف و تقنيات مرتبطة بموضعه، و مدى تركزه و رقعة انتشاره، و حسب الحال قد يتم استخدام العلاجين الكيماوي أو الإشعاعي أو كليهما قبل الجراحات، بُغية حصر و تقليص حجم الورم مما يسهل من الاستئصال، إضافة إلى استخدامهما عقب الجراحات، بُغية القضاء على الخلايا السرطانية غير المميزة التي قد تكون متبقية، أو تمهيدا للجراحات التالية .
العلاج الكيماوي هو علاج باستخدام أدوية خاصة تُعرف بالعقاقير الكيماوية المضادة للسرطان، تقوم بالقضاء على الخلايا السرطانية و تدميرها، و ذلك بعرقـلة و تقويض نسق العمليات الحيوية داخلها، و تأتي الميزة الرئيسية لهذا العلاج من مقدرته على معالجة الأورام المتنقلة و المنتشرة، بينما يقتصر العلاج الإشعـاعي أو العمل الجراحي على معـالجة الأورام المنحصرة بمواضع محدّدة، و تعود فعّاليته المتميّزة إلى حقيقة أن الخلايا السرطـانية، بطريقة ما، هي أكثر حساسية و أشد تأثراً بالكيماويات من الخـلايا الطبيعية، و قد يتم استخدامه كعلاج وحيد في بعض الحالات، أو جزء من برنامج علاجي متكامل يتضمن عدة علاجات مشتركة، و يتم اتخاذ القرار باستخدام هذا العلاج، بالموازنة ما بين فعّاليته و تأثيراته الجانبية و مضاعفاته المستقبلية، و بين خطورة السرطـان، و بطبيعة الحال فمضاعفاته و آثاره مقبولة مقارنة بالمرض نفسه، إضافة إلى أن المردود العلاجي إيجابي بدرجة كبيرة.
و قد يُسمى العلاج الكيماوي بالعلاج الجهازي ( systemic ) أو البدني؛ حيث يشمل كل بُنية الجسم، نظراً لانتقال العقاقير الكيماوية عبر الدورة الدموية إلى كل أجزاء الجسم، و لمقدرتها على تدمير الخلايا السرطانية حيثما تبلُغ، و قد يتم استخدامه قبل المباشرة بالجراحات عند الأورام الصلبة تحضيراً لها و بُغية تسهيلها؛ بحصره و تقليصه لكتلة الورم، بما يُعرف بالعلاج الكيماوي المبدئي المُساعد ( Neoadjuvant )، كما قد يُستخدم عقب انتهاء العمل الجراحي و استئصال الأورام؛ بهدف القضاء على أية خلايا ورمية غير ممّيزة قد تكون متبقية، و المساعدة في تجنّب عودة النمو الورمي للخلايا السرطانية، فيما يُعرف بالعلاج الكيماوي المُضاف ( adjuvant ).
و يتم تناول أدوية العلاج الكيماوي بطرق و قنوات مختلفة، فمنها ما يؤخذ عن طريق الفم على هيئة أقراص أو كبسولات أو سوائل، و أغلبها تُحقن بالجسم، بطرق الحقن المختلفة: الحقن في الوريد، الحقن في العضل، الحقن في شريان رئيسي أو الحقن موضعيا مباشرة تحت الجلد، و إن كان الحقن الوريدي هو أكثر الطرق استخداماً، و قد تُستخدم وسائل أخرى للمساعدة على الحقن، مثل استخدام القسطرات ( catheters )، التي يتم زرعها عادة بالصدر و يمكن استخدامها لفترات طويلة، كما يتم حقن الأدوية مباشرة إلى السائل الشوكي المُخّي المُحيط بالحبل الشوكي و الدماغ، فيما يُعرف بالحقن الغِمدي ( Intrathecal ) سواء للقضاء على الخلايا الورمية، أو لحماية الجهاز العصبي المركزي و الدماغ، و يتم ذلك عادة بالحقن عبر الفقرات القَ?