بقلم: هبة أبو شحادة
قبل يوم واحد من انعقاد قمّةياهو عن المرأة ووسائل الإعلام الاجتماعية والرقميةالتي نظّمها برنامج “أعمال ياهو وحقوق الإنسان”، حطّت بي الطائرة في مطار القاهرة الدولي، فوصلتُ وكلّي حماسة للمؤتمر وللقاء العديد من الرائدات من النساء من مختلف انحاء العالم العربي ممن غيرن عالمهن ووسعن مداركه باستخدام وسائل الاعلام الاجتماعية الرقمية. كانت رحلةً مثيرة للإلهام انطلقَت لحظة وطأت قدماي أرض المطار، ولم ينته تأثيرها حتى هذه اللحظة! بدأت مع الشعب المصري، نساءً ورجالاً، أولئك الذين آمنوا بقدراتهم وأعلنوا ثورة سلمية، واضعين نصب أعينهم تغيير حاضرهم وصنع غدهم بأيديهم! وما ان وصلت الفندق حتى التقيت فداء عوري، إحدى المتحدثات في القمة، تعيش في رام الله في فلسطين، وسرنجاحها كان مبنياً على استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي وقوّة العقل والمنطق. هي خبيرة في تقنيّات الإعلام الاجتماعي، وهي المرأة الوحيدة اليوم التي تعمل مسؤولة لموقع على الإنترنت في فلسطين. حدثتني فداء أنّ حياتها أشبه بمهمّة مستمرّة من التحديات التي لا تنتهي، مضيفةً أنّ ذلك لم يمنعها قط من بناء عالمها الخاص ومحاولة إحداث تغيير إيجابي في حياة الناس من حولها… واستمرّت الرحلة!
شهدت القمّة، في يوم انعقادها، مشاركة عدّة نساء قويّات وقائدات شجاعات في المجال الرقمي، أقبلنَ من مختلف أنحاء العالم، وبالتحديد من المنطقة العربية؛ منهنّ من أدى دوراً أساسياً في ثورات بلاده ومنهنّ من عبّر عن رأيه بواسطة الوسائل التكنولوجية لا أكثر ومن خلال وسائل الإعلام الاجتماعي. كما حضرت القمة أيضاً كوكبة من النساء العظيمات في مجالات الصحافة، وريادة الأعمال، والسياسة، وحقوق الإنسان، والأمن الرقمي، للمشاركة في جلسات الحوار سواء كمتحدثات أم في صفوف الحضور. وافتتحت القمة بكلمة لكلٌّ من أحمد ناصف وإيبل أوكوبي ومنى الطحاوي الذين اشعلوا الحماسة بايمانهم وتأكيدهم على اهمية حرية التعبير وضرورة استخدام النساء التكنولوجيا كوسيلة فعالة ايجابية لاحداث التغيير، وفي هذا السياق، أعلن أحمد ناصف في كلمته الافتتاحية: “النساء يمثّلنَ قوّة التغيير”… وكان ذلك كافيا لننعم بخير انطلاقة لفعاليات القمة!
كانت الجلسات بعيدة عن الفلسفات النظرية، ولم تبخل علينا المتحدثات بقصص وتحديّات حقيقية واجهتها نساء عظيمات وشخصيّات ملهمة في مسيرتهنّ. من القصص التي خلّفت تأثيراً قوياً تلك التي جاءت على لسان دانيا بشير، وهي مدوّنة ليبية في العشرين من عمرها، تعرّف عن نفسها في حسابها على تويتر أنها “رئيسة ليبيا المقبلة”. دافعت دانيا ببسالة عن قضية بلادها وشعبها، قائلةً: “تشكّل النساء 57% من السكّان الليبيين” ومضيفةً بفخر أنّ “النساء لعبنَ دوراً مهمّاً جداً في الثورة الليبية”. في هذا السياق، تؤمن دانيا أنّنا “حين نؤمن بقوتنا وقدراتنا ونمكن أنفسنا كنساء، فبإمكاننا تحديث تغييرا بالعالم بأكمله”.
أما داليا زيادة، وهي ناشطة حقوقية مصرية ومدونة وصحافية فائزة بجوائز عدة، تُعتبر واحدة من أكثر النساء المصريات قوة وعزيمة، وتمثّل نموذجاً يُحتذى به في عيون العديد من النساء في بلدها والمنطقة. تعتقد داليا أن المرأة في بلادنا ما تزال غير قادرة على التعبير عن رأيها بكلّ حرية، وبالتالي فإنها تدعو النساء في مصر على تنظيم أنفسهنّ وزيادة معلوماتهن، وتشجّعهن أيضاً على المشاركة بشكل أكبر في مجلس الشعب، سيّما وأنّ “النساء لا يشكّلنَ في الوقت الحالي إلا 1% من مجلس الشعب المصري” على حدّ تعبيرها. من جهتها، شكّلت لميس ضيف مفاجأة القمة بتصريحاتها وأفكارها الجريئة! لميس وجهٌ إعلامي من البحرين وناشطة في وسائل الإعلام الاجتماعي، قارنت، وبكلّ فخر، بين عدد المتابعين لأخبار أهمّ صحيفة في بلادها- تطبع حوالي 12 ألف نسخة يومياً- وعدد المتابعين لأخبارها على موقع تويتر الذي يكاد يفوق العدد الأوّل بثلاثة أضعاف. وشجعت لميس جميع النساء على الاستفادة من قوّة وسائل الإعلام الاجتماعي لأنها تشكّل “وسيلة للتعبير عن آرائكنّ”.
وتتالت القصص والتجارب الملهمة على امتداد الجلسات، سردتها على مسامعنا قائدات استثنائيات بكلّ ما للكلمة من معنى…
تسنّى لي شرف المشاركة في الجلسة الأخيرة بعنوان “ماذا بعد؟”، كمتحدث. وفيها، استأنفنا الحوارات التي بدأت في الجلسات السابقة، وربطنا المواضيع ببعضها لنصوغ أفكارنا بشأن الخطوات المطلوبة المقبلة، وحدّدنا كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعود بالفائدة على مجتمعاتنا. شخصياً، أعتقد أنّ التكنولوجيا أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا، وبالتالي يجب ألا نحصر استعمالها بالحصول على المعلومات فقط، بل يجدر بها أن تكون أداة للتواصل والابتكار أيضاً؛ وهذا ما سيؤول إليه حالنا مع طرح المزيد من الوسائل والبرمجيات التي تتيح لمستخدمي الإنترنت بناء عالمهم الخاص والتعبير عن أنفسهم كيفما يشاؤون. فضلاً عن ذلك، أطلعتُ الحضور على بعض التجارب الناجحة من منتديات “ياهو مكتوب”، وتحديداً منتدَيي الفراشة وماجدة، فمعظم رواد هذين المنتديين من الفتيات والنساء اللواتي يُؤمنَّ أنّ التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية الرقمية ساعدتهنّ على تكوين علاقات ناجحة، وتنمية معارفهنّ، وتحسين مهاراتهنّ، ونقل أفكارهنّ بطريقة أوضح.
نحن بحاجة إلى إضفاء لمسة أكثر إنسانية على شبكة الإنترنت من خلال حضورنا وزيادة مشاركاتنا، وثمة حاجة ملحة إلى تغذية المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، البالغ حالياً 2% من المحتوى العالمي، من أجل خدمة المزيد من الناس في العالم العربي.