رمضان على الأبواب.. انتبهوا أيها الأزواج
1- فرصة لا تعوض جمال ماضي
هذه أيام الأرباح لكل زوجين؛ فهي فرصتهما؛ لأنهما يستطيعان التعاون اليومي في الاغتراف من هذه الغنيمة، فمن لم يربح في هذا الشهر فمتى يربح؟!
يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”.
فما أروع أن يُقدِّم الزوجان الصيامَ على شهوتهما؛ احتسابًا لما عند الله من أجر، فقد اختصَّ الله الصيام من بين أعمالٍ يتضاعف أجرها إلى سبعمائة ألف، فما بالك بالقيمة الأجرية للصيام الذي اختصه الله لنفسه؟! فهو سر لا يكتشفه أحد، ليتدرب الزوجان على الالتقاء حول الحق، فيتحقق بينهما التفاهم والتقارب والتكامل الحقيقي في مسيرة الحياة.
وما أحسن أن يتدرب الزوجان على الصبر في هذا الشهر ليكون ذلك دربهما طوال العام! فيلتقيان على الطاعة بالصبر على أداء الفريضة، ويتحدان على مواجهة الأزمات من صبرهما على ألم الجوع والضعف والعطش، ويمتزجان على الانتصار على المعاصي بالصبر عن كل محرم، كما تدرَّبا عليه في البُعد عن الرفث والفسوق والسباب والهجر.
وما أجمل الزوجين وهما في حفلٍ أجمل من حفل الزواج! إنه حفل الأجور من ربِّ العالمين، من تطوَّع فيه بخصلةٍ من خصال الخير كان كمَن أدَّى فريضةً فيما سواه، وخصال الخير كثيرة، وميدانها الأول بين الزوجين في التقدير والاحترام، والحماية والرعاية، والخدمة والمودة.
وما أسعد الزوجين وهما يسبحان معًا في حُبِّ الله! ليتعلما كيف يدوم حبهما، ويستمر انسجامهما؛ فلذة الزوجين في رضا الله وإن خالف هواهما، ولولا هذا الشهر ما تدرَّب الزوجان على ذلك؛ فقد أتت فرصة العمر في التدرب على ترك شهوة النفس، مثل الغضب والعصبية والتشاحن والهجر و”العكننة”، وقد حانت لحظة الحب الحقيقية لله تعالى في الابتعاد عمَّا يكرهه الله من الكسب الحرام والرشوة والظلم والغش والربا؛ فكل ذلك كفيل بنسف أسس السعادة الزوجية والأسرية.
2- لقاء الفرحة اليومي
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس: 58)، وهذا فضل الله ورحمته على كل زوجين في رمضان؛ أن جعل الله لقاء الإفطار مع الزوجة والأسرة لقاءً للفرحة يوميًّا؛ فهو تدريب على ممارسة سلوك الفرحة طوال العام، فيتعلم الزوجان التعبير عن فرحتهما معًا بكل الوسائل، سواءٌ المادية أو المعنوية، من الزينات والطعام والشراب والفكاهات والحب والعواطف، ووداعًا للحظات النكد وأوقات التوتر والانفجارات.
في هذا اللقاء اليومي يتذكر الزوجان أنهما (زوجان في الجنة):
والداعي إلى الجنة هو الله تعالى، فكما أبلغنا حبيب قلوبنا النبي- صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ في الجنة بابًا يُقال له الريان، يدخل منه الصائمون لا يدخل منه غيرهم”، فهنيئًا لكل زوجين حبيبين، يدخلان وأيديهما متشابكة، والحب يسري بلمسةِ اليدين، ويسبقهما شوق إلى لقاءِ الحبيب؛ فمن لقاء الفرحة اليومي تهيج الأماني الغاليات، فأماكن الحجز من الآن، والمكان عند باب الريان، فعلام الافتراق في الدنيا؟! ولِمَ الأحزان تأكل من الزوجين أجمل أيامهما؟!
وفي هذا اللقاء اليومي تزوّج كل زوجة زوجها من حوريات الجنة:
فساعديه أيتها الزوجة من أجل أن يتزوج حورية، من أجلك ومن أجله؛ ففي الحديث: “إن الحور العين تنادي في شهر رمضان هل من خاطبٍ إلى الله فيزوجه؟”، يقول الحسن: “إن الحور تقول للصائم في الجنة عن يوم صيامه: “إن الله قال لملائكته: انظروا إلى عبدي؛ ترك زوجته وشهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي رغبةً فيما عندي، أشهد أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ وزوجنيك”.
ساعديه بالقيام والتهجد في ليل رمضان؛ فمهر الحور العين طول التهجد، وهو حاصلٌ في ليل هذا الشهر الكريم.
وفي هذا اللقاء اليومي ينعم الزوجان بالقلوب الصائمة الطاهرة:
فصوم القلوب يتحقق في سلامة الصدور من الغل والحسد والإثم والبغي، وفي القلب الذي ليس فيه شيء لأحد؛ فحقيقة التقوى ليست بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما بلغ مَن بلغ بسخاوة الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة، فيتعلمان طوال العام نظرة القلب النقية التي تقع على المحاسن لا العيوب، وهمسة القلب الحانية التي تدفع ولا تعوق، ولمسة القلب الساحرة التي تنشر الحب وتصنع الذكريات الملهمة.
وفي هذا اللقاء اليومي يمتلك الزوجان أجمل قصر للتمليك بالمجان:
وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فكأن الخير قصرٌ وقد وقف المنادي يعلن: يا باغي الخير أقبل، يا باغي القصر أقبل، تعالَ وامتلكه فورًا مجانًا، أين المشترون؟! إن أعظم حوارًا زوجيًّا حينما يكون عن بيت المستقبل وتحسين الغد وبناء حياة سعيدة هانئة، وهاهو الوقت قد حان.
3- ليالي العبادة
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد العشرين من رمضان:
يعتزل النساء، ويطوي الفراش، وبذلك فلكل زوجين عشرون يومًا من اللذة والمتعة معًا ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 187)، حتى إذا جاءت رحلة الاعتكاف فالزوج في ضيافة الرحمن، والزوجة تعاونه على أن يُحسن الاستعداد لذلك.
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يحيي ليلة العمر ليجدد الحياة:
وتسأله أم المؤمنين عائشة: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي:”اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”، فهي ليلة ليجدد كل زوجين حياتهما، ويتدربان على قطع الملل الزوجي أن ينفذ إليهما، بالتجديد والتغيير؛ فهي ليلة الخير، وهي ليلة السلام، وهي ليلة الملائكة، وهي ليلة خيرها أكثر من خير 80 عامًا.
ولموافقة هذه الليلة كانت ليالي رمضان للزوجين ليالي انشراح: كان النبي إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر أيقظ أهله، وكان عمر يصلي ما شاء الله حتى إذا انتصف الليل أيقظ أهله للصلاة، وكانت امرأة صهيب بن محمد تقول لزوجها بالليل: “قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامًا، ونحن قد بقينا”.
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- لا ينسى ليلة المغفرة (ليلة المكافأة):
وحتى يتذكرها كل زوجين؛ فهي ثمرة العمل والجهد؛ حيث يُغفر لهم في آخر ليلة في رمضان، وقد سُئل النبي: أهي ليلة القدر؟، قال: “لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله”، ولكل زوجين في حياتهما ومواجهتهما لمعارك الحياة وانتصارهما على مشاكلهما ثمرة ومكافأة بحياة هانئة في الدنيا وجنة ومغفرة في الآخرة.
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- لا تفوته أمسيات النور وليالي القرآن:
كان جبريل يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيتدارسان القرآن في أمسية يومية قرآنية، فهل يفوت الزوجان هذا النور؟! فهما به زوجان مع القرآن تلاوةً وتدبرًا وخشوعًا، وهما زوجان في حلقات المسجد، وهما زوجان يحمل كل منهما المصحف لتستمر أمسيات النور على امتداد عمرهما.
4- أيام متعة الزوجين
يتمتعان بأصدق الأصدقاء:
“الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي ربي.. منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان”.
أرأيت صديقًا بالنهار ينفعك وصديقًا بالليل يرفعك ولا يتخليان عنك يوم يفر المرء من بنيه وصاحبته وأخيه بل يشفعان لك؟! وذلك حتى يتعلم الزوجان من الصديق الوفي لهما، ومن خير ما يتوسده الزوجان عند إيوائهما إلى الفراش هو القرآن الكريم، فقد ذكر النبي يومًا رجلاً فقال: “كان لا يتوسد القرآن”.
يتمتعان بأحلى العطور:
ما أجمل الزوجين وما أطيبهما وهما يتعلمان أن ما هو محبوب عند الله محبوب لديهما! بل هو الكريم والطيب، في قوله- صلى الله عليه وسلم-: “لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك”، فيتمتعان في يومهما بعطرٍ هو أطيب عند الله من ريح المسك.
يتمتعان بأجمل الأوقات:
فعنوان الزوجين موائد الرحمن وميدان الجود، وكان النبي أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود من الريح المرسلة، ولا يخشى الزوجان قلة المال؛ فهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، وهو شهر المواساة؛ من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنوبه، فيا لها من أوقاتٍ يقضيها الزوجان في أحلى عملٍ اجتماعي! فتقوى رابطتهما، وتزيد ألفتهما، وتتحسن أحوالهما، ويتمتعان بأجمل الأوقات.
يتمتعان بيوم الجائزة:
ليس الأمر بما سبق من أعمال واجتهاد، وإنما بقبول الله لها؛ ولذلك يحرص الزوجان على دعاء يوم الجائزة: “تقبل الله منا ومنكم”.
وقبل الخروج يُخرج الزوجان زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ فهي تطهير لهما، وجبر لكل نقص، مثل سجدتَي السهو في الصلاة، ثم يخرجان معًا في فرحةٍ غامرة زوجين طاهرَين؛ تصافحهما الملائكة، وتشهد لهما: “هنا زوجان حبيبان، كنا نستغفر لهما في كل أيام صيامهما، واليوم تقبل منهما يا ربنا عملهما”، فيحصلان على الجائزة.
5- هيا نبدأ ولا نَقُلْ وداعًا
يقول كعب: “مَن صام رمضان وهو يحدِّث نفسه أنه إذا أفطر بعد رمضان أن لا يعصي الله دخل الجنة بغير مسألةٍ ولا حساب، ومَن صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان عصى الله فصيامه عليه مردود”.
وهذا دليل عملي يقدمه رمضان لكل زوجين في رمضان وبعد رمضان:
1- الجانب النفسي:
– المشاركة الشعورية.
– إزالة أي سوء تفاهم.
– تجنب العصبية والصوت العالي.
2- الجانب العبادي:
– الاجتماع على الطاعات.
– الحرص على القيام والقرآن.
– الاستمرار على الجود والمواساة.
– المشاركة في العبادات.
– ركعتان قبل السحور.
3- الجانب السلوكي:
– العفو والاعتذار.
– تجنب الزينة والمرآة والهاتف.
– تجنب السهر أمام النت والدش.
– تجنب الأسواق وأماكن الزحام.
– استيفاء مشتريات العيد قبل العشر الأواخر.
– تجنب الزيارات بلا سبب.
– ميزانية تكفي ولا داعيَ للتعب.
– ليس وقت الزوجة في المطبخ أو للترفيه.
وهذه أفكار عملية للزوجين في رمضان:
– خواطر حول الجزء القرآني.
– جوائز لختم القرآن.
– صلاة الفجر العائلية.
– الإقلال من الطعام.
– سنة المغرب قبل الإفطار.
– موضوعات للحوار أثناء الإفطار والسحور.
– المشاركة معًا في إعداد موائد الرحمن.
– أداء العمرة لو أمكن وتيسَّر ذلك.
– المحبة ليست بالوجبات الشهية فقط ولكن بحسن تقديمها.
– شكر الزوجة اليومي على اهتمام زوجها بها.
– ورد بيتي يومي ومتغير بين ذكر ودعاء ورقائق وحكمة.
– الحرص على تقديم إفطار بطعمٍ جديدٍ ونكهة مبتكرة.
– رحلة وراء الصوت الحسن في صلاة القيام.
– اللطف في إيقاظ الزوج أو الزوجة مع التجديد.
6- وأخيرًا
هذه رسالة يتركها رمضان في كل عام للزوجين قبل أن يُودعهما:
يا حبيبان.. أنا معكما باجتهادكما فلا ألم للفراق.
يا حبيبان.. أنا معكما بعملكما فلا بكاءَ للرحيل.
يا حبيبان.. أنا معكما بسعيكما بلا يأسٍ للوداع.
انتظراني بعد عام، انتظراني في كل يومٍ وليلة، بشرط أن تكون السنة القادمة كلها رمضان.
حبيبكما: رمضان
م ..ن