رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح ……. هــذا أوانُ تبتلٍ وصـــلاح
واغنم ثوابَ صيامه وقيامه ……. تسعد بخيرٍ دائمٍ وفـــــلاح
نعم فرمضان فرصة للتقوى؛ ليصبح العبد من المتقين الأخيار، ومن الصالحين الأبرار.
يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]
فقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
تعليل لفرضية الصيام؛ ببيان فائدته الكبرى، وحكمته العظمى.
وهي تقوى الله وهى التي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ- رضي الله عنه-
الصحابيَ الجليل؛ أُبيَ بن كعب- رضي الله عنه-
عن معنى التقوى ومفهومها؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى..
قال: فما صنعت؟ قال: شمرتُ واجتهدت..
أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه، قال أُبي: فذلك التقوى.
قال ابن كثير رحمه الله: “يقول تعالى مخاطبا للمؤمنين، من هذه الأمة،
وآمرا لهم بالصيام، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع، بنية خالصة لله عز وجل،
لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة- إلى أن قال-
في قوله تعالى ((لعلكم تتقون)): لأن الصوم فيه تزكية للبدن،
وتضييق لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت في الصحيحين: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج،
ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)” [تفسير القرآن العظيم01/213)]
وقال في تفسير المنار على قوله تعالى: ((لعلكم تتقون)): “
هذا تعليل لكتابة الصيام، ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا،
وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى،بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة،
امتثالا لأمره، واحتسابا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها،
فيكون اجتنابها أيسر عليه،وتقوى على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها،
فيكون الثبات عليها أهون عليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الصيام نصف الصبر)
رواه ابن ماجه، وصححه في الجامع الصغير) [تفسير المنار: (2/145)]
وقال سيد قطب، رحمه الله في قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)): “
وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم… إنها التقوى،فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب،
وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله وإيثارا لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب،
من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس بالبال، والمخاطبون بهذا القرآن
يعلمون مقام التقوى عند الله ووزنها في ميزانه،
فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم،وهذا الصوم أداة من أداتها وطريق موصل إليها،
ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم، هدفا وضيئا يتجهون إليه عن كريق الصيام” [في ظلال القرآن: (2/168)]
وهنا نلفت النظر إلى الارتباط بين قوله تعالى في أول سورة البقرة: ((هدى للمتقين)) [الآية: 2]
وبين قوله تعالى في أول آيات الصيام: ((لعلكم تتقون))
وقوله في آخر هذه الآيات: ((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)) [البقرة: 185]
فقوله تعالى: (( هدى للمتقين)) بين فيها أن هداية هذا القرآن،
لا ينالها حقيقة إلا أهل التقوى.وقوله: (( لعلكم تتقون)) بين فيها
أن الصيام طريق من الطرق الموصلة إلى التقوى.وقوله تعالى: ((ولتكبروا الله على ما هداكم..))
بين فيها أن الهداية قد حصلت للصائمين الذين منحهم الله بصومهم التقوى،
والمتقي المهتدي جدير بأن يشكر الله على منحه التقوى والهداية: ((ولعلكم تشكرون))
قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: ((لعلكم تشكرون))
: “أي إذا قمتم بما أمركم الله، من طاعته بأداء فرائضه وترك محارمه،
وحفظ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك” [تفسير القرآن العظيم: (1/218)]
وقال سيد قطب رحمه الله في ظلال هذه الآية ((ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)):
“فهذه غاية من غايات الفريضة،
أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم،
وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام، أكثر من كل فترة،
وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها.
وهم شاعرون بالهدى ملموسا محسوسا، ليكبروا الله على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة،
ولتفيء قلوبه إليه بهذه الطاعة، كما قال لهم في مطلع الحديث: ((لعلكم تتقون))
وهكذا تبدو منة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقا على الأبدان والنفوس،
وتتجلى الغاية التربوية منه، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه،
أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير” [في ظلال القرآن: (2/172)]
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى ……. تجرد عُريانا وإن كان كاسيا
وخيرُ خصال المـرءِ طـاعةُ ربه ……. ولا خيرَ فيمن كان لله عاصيا
رزقني الله وإياكم صدق الصائمين.. وإقبال القائمين..
وخصال المتقين.. وحشرني وإياكم يوم النشور في زمرة المنعمين..
وبلغني وإياكم برحمته ورضوانه درجات المقربين..
وحمداً لله تعالى دائماً بلا نقصان..
وصلاة وسلاماً على النبي وآله وأصحابه وأتباعهم بإحسان..
والحمد لله رب العالمين.
م/بتصرف