شــرح أحاديث العقيــــــدة..

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد…

ففي هذه الزاوية نعرض بإذن الله تعالى لأحاديث العقيدة, مبتدئين بما يبتدئ به أهل التصنيف من العلم -كالبخاري – رحمه الله- بحديث إنما الأعمال بالنيات.

وسنعرض في كل حلقة من الحلقات حديثاً أو أكثـر مقتفين منهج التحليل للحديث بدراسة متنه، وذلك بعرضه على شكل وقفات، كل وقفة نتحدث عن مسألة من مسائله، أو بيان معنى، ونحو ذلك، مع الحرص على ألاّ يُستشهد إلا بالحديث المقبول، وهذا لا يعني عدم ذكر الضعيف الذي استشهد به أهل العلم، بل يذكر ويبين ضعفه.

ومن المنهجية في هذه الزاوية أن تُذكر إيرادات أهل العلم ويبين الخلاف، مع الترجيح قدر الإمكان بالدليل.

الحديث الأول

“الأعمــــــــــــــــــــــــــال بالنيات”

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه.

* * *

هذا حديث عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المكانة، أصل من أصول الدين، وعليه مدار كثير من الأعمال، وفيه عدة فوائد أعرضها على النحو التالي:

الوقفة الأولى: ذكر كثير من سلف الأمة وعلمائها قدر هذا الحديث، فجعلوه من أصول الدين وأسسه، يقول عبد الرحمن بن مهدي: ((لو صنفت كتابا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في كل باب)). ا هـ.

ويقول العلامة ابن رجب – رحمه الله-: ((وبه صدر البخاري كتابه الصحيح، وأقامه مقام الخطبة له، إشارة منه إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة)).

وقد ذكر ابن رجب – رحمه الله – عدداً من أقوال أهل العلم في بيان عظمة هذا الحديث وعلوّ قدره، ومن ذلك ما روي عن الشافعي أنه قال: ((هذا الحديث ثلث العلم، ودخل في سبعين باباً من الفقه)).

وعن الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – أنه قال: ((أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر – رضي الله عنه- ((إنما الأعمال بالنيات))، وحديث عائشة – رضي الله عنها-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وحديث النعمان بن بشير – رضي الله عنه-: (الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات..) الحديث)).

وذكر إسحاق بن راهويه نحواً من كلام الإمام أحمد، وروى عثمان بن سعيد عن أبي عبيد، قال: ((جمع النبي – صلى الله عليه وسلم- جميع أمر الآخرة في كلمة واحدة: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وجمع أمر الدنيا كله في كلمة واحدة: (إنما الأعمال بالنيات)، إلى غير ذلك من الكلمات الكثيرة من سلف الأمة التي لا يتسع المقام لحصرها، وما ذكر فيه غنية عن الإطالة.

الوقفة الثانية: المراد بالنية.

النية في اللغة: نوع من القصد والإرادة.

وفي الاصطلاح الشرعي: يراد بها معنيان:

الأول: تمييــز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر، وتمييز رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التبرد والتنظيف، ونحو ذلك، وهذا المعنى هو الذي يتكلم عنه الفقهاء كثيراً في كتبهم.

والمعنى الثاني: يقصد بالنية تميــيز المقصود بالعمل، هل هو لله وحده لا شريك له أم لله ولغيره؟ كالصلاة مثلاً، هل صلاّها العبد لله ممتثلا أمره، محباّ له، وراجياً لرحمته، خائفاً من عقابه، أم صلاها رياء أو سمعة، أو طلب عرض من الدنيا، ونحو ذلك؟ فإن كان الأول فله الأجر والثواب، وإن كان الآخر – أي صلاها رياء وسمعة – فلا يؤجر على صلاته بل يأثم بهذه النية.

الوقفة الثالثة: المراد بقوله – صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات) حيث ذكر العلماء أن المقصود بهذه الأعمال جميع الأعمال التي يعملها الإنسان، فهي بحسب نياتها وإن اتّحد شكلها، ومظهرها، ولذا لا يحصل للإنسان ثوابٌ إلا بحسب نيته، ويوضح هذا قوله – صلى الله عليه وسلم-: (وإنما لكل امرئ ما نوى).

والمراد أن حظّ العامل من عمله نيته، فإن كانت صالحة فعمله صالح، وله أجره، وإن كانت فاسدة فعمله فاسد، وعليه وزره، ولذا قال بعض أهل العلم: إن قوله: (إنما الأعمال بالنيات) دلَّ على أن صلاح العمل وفساده بحسب النية المقتضية لإيجاده، والجملة الثانية – وهي قوله: (إنما لكل امرئ ما نوى) دلت على أن ثواب العامل على عمله بحسب نيته الصالحة، وأن عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة، وقد تكون نيته مباحة فيكون العمل مباحاً، فلا يحصل له ثواب ولا عقاب، فالعمل في نفسه صلاحه، وفساده، وإباحته، بحسب النية الحاملة عليه، المقتضية لوجوده، وثواب العامل، وعقابه، وسلامته، بحسب النية التي صار بها العمل صالحاً أو فاسداً أو مباحاً.

الوقفة الرابعة: قد ورد الاهتمام بالنية في كتاب الله – عز وجل-، وفي سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم- وبيان مكانتها في الأعمال، وقد جاءت بألفاظ متعددة، وصيغ مختلفة، مما يدل على أهميتها وعظم شأنها، ومن ذلك أنه قد يعبر عنها بالإرادة، مثل قوله – جل وعلا-: ((واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا)) . وقوله – جل ذكره-: ((وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون))، وقوله – سبحانه وتعالى-: ((منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة))؟

وقد يعبر عن النية بالابتغاء، مثل قول الباري – جلّ وعلا-: ((ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم…))، وقوله – سبحانه-: ((وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله…)).

وأما ما ورد في السنة الشريفة في الاهتمام بالنية، وعظم شأنها فكثير جداً، أكتفي بأمثلة فقط، من ذلك:

ما رواه مسلم في صحيحه عن أم سلمة – رضي الله عنها – عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته).

فدل الحديث على أن كل إنسان يقابل ربه – جل وعلا- يوم القيامة بحسب نيته التي ساقته إلى تلك الأعمال في الدنيا.

ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي من حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالاً فله ما نوى))

فدل الحديث على أنه لا يكفي مشاركة الغازي في الغزو والجهاد فحسب، بل لابد أن تكون النية خالصة لله – عز وجل-، فيكون قصد الغازي إعلاء كلمة الله، وإلا فله ما نوى.

ومن ذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين – واللفظ لمسلم – عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك).

فجعل الرسول – صلى الله عليه وسلم- إنفاق المسلم ابتغاء وجه الله تعالى مما يثاب عليه، حتى لو كان من الأمور المباحة التي يفعلها الإنسان في حياته اليومية.

الوقفة الخامسة: لقد اهتم السلف الصالح بأمر النية، فكانوا يحسبون لها حساباً كبيراً، وما ذاك إلا لعظم شأنها.

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله-: ((فمما روي عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال: ((لا عمل لمن لا نية له، ولا أجر لمن لا حسبة له))، ومما روي عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: ((لا ينفع قولٌ إلا بعمل، ولا ينفع قولٌ ولا عملٌ إلا بنية، ولا ينفع قولٌ ولا عملٌ ولا نيةٌ إلا بما وافق السنة))، وروي عن يحيى ابن أبي كثير أنه قال: ((تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل))، وروي عن داود الطائي أنه قال: ((رأيت الخير كله إنما يجمعه حسن النية))، وروي عن سفيان الثوري أنه قال: ((ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي ؛ لأنها تنقلب عليّ))، وروي عن يوسف بن أسباط أنه قال: ((تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد))، وروي عن مطرّف بن الشخير أنه قال: ((صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية)) وروي عن ابن المبارك قوله: ربّ عمل صغير تعظّمه النية، ورب عمل كبير تصغّره النية))، وروي عن بعض السلف قوله: ((من سرّه أن يكمل له عمله فليحسن نيته، فإن الله – عز وجل – يأجر العبد إذا حسّن نيته حتى باللقمة)).

والمراد بهذا كلّه أن الأعمال كلها لا يمكن أن يستفيد منها العبد عند الله – سبحانه- إلا إذا خلصت فيها النية لله – سبحانه وتعالى-، ولذا قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) ، قال: أخلصه وأصوبه، وقال: إن العمل إذا كان خالصاً وصواباً، قال والخالص إذا كان لله – عز وجل-، والصواب إذا كان على السنة.

من هذا كله نستنبط أن النية الخالصة شرطٌ أساس في قبول العمل أيّاً كان العمل، يقول أحد الكتاب المعاصرين: ((فالقلب هو الأساس في الإسلام، وهو مستندُ القبول والفلاح في الآخرة)).

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم)).

وروى البخاري ومسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب)).

ويقول الله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد*هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ*من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب* أدخلوها بسلام ذلك يوم الخلود). ا. هـ.

إن صلاح النية، وإخلاص الفؤاد لرب العالمين يرتفعان بمنزلة العمل الدنيوي البحت، فيجعلانه عبادة متقبلة، وإن خبث الطوية يهبط بالطاعات المحضة فيقلبها معاصي شائنة، فلا ينال المرء منها بعد التعب في أدائها إلا الفشل والخسار، قد يبني الإنسان قصراً منيف الشرفات، فسيح الردهات وقد يغرس حديقة ملتفة الأغصان، متهدلة الأثمار، وهو بين قصره المشيد وبستانه النضيد يعد ملك الدنيا بأربابها، بيد أنه إذا قصد من وراء بنيانه وغراسه نفع الناس كان له فيهما ثواب غير مقطوع.

روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة).

وما يطعمه في بدنه، أو يطعمه أولاده وزوجته له مثوبة بنية الخير التي تقارنه، روى البخاري وغيره عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال له: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى تجعله في في امرأتك). اهـ.

فعلى كل مسلم أن يجرد نيته لله – سبحانه وتعالى-، وأن يعالج نفسه في ذلك، فإن الأمر في أوّله صعب، وفي آخره سهل وميسور.

الوقفة السادسة: المراد بالهجرة: قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: ((الهجرة: الترك، والهجرة إلى الشيء: الانتقال إليه، وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه، وقد وقعت في الإسلام على وجهين: الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة، والثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي – صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، وهاجر إليه من أمكنه من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذلك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقياً))ا.هـ

الوقفة السابعة: المراد بقول: (فهجرته إلى الله ورسوله…).

قال العلامة ابن رجب – رحمه الله-: ((فأخبر – صلى الله عليه وسلم- أن هذه الهجرة تختلف باختلاف المقاصد والنيات بها، فمن هاجر إلى دار الإسلام حباً لله ورسوله، ورغبة في تعلم دين الإسلام، وإظهار دينه، حيث كان يعجز عنه في دار الشرك، فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله، وكفاه شرفاً وفخراً أن حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله، ولهذا المعنى اقتصر في جواب الشرط على إعادته بلفظه؛ لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة)).

وبهذا نعلم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- ضرب مثلاً واضحاً قائماً في وقته لشخصين، كلاهما عمل عملاً واحداً، لكن الأول اختلفت نيته وقصده عن الآخر، فالأول هاجر من أجل الله تعالى، ابتغاء مرضاته، ورجاء ثوابه، وإظهارًا لدينه، فهذا هاجر لله ورسوله فثوابه على الله – سبحانه وتعالى-، والثاني هاجر من أجل غرض فله ما هاجر إليه.

الفائدة الرابعة: قوله – صلى الله عليه وسلم-: (ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه…).

قيل في سبب هذه الجملة ما رواه وكيع في كتابه، عن الأعمش، عن شفيق أنه قال: خطب أعرابي من الحيّ امرأة يقال: أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجته، فكنا نسميه مهاجر أم قيس.

وروي أيضاً من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجها، وكنا نسميه مهاجر أم قيس.

قال ابن مسعود: من هاجر لشيء فهو له.

لكن هذه القصة لم تثبت أنها سبب الحديث، يقول العلامة ابن رجب – رحمه الله-: ((وقد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس هي كانت سبب قول النبي – صلى الله عليه وسلم-: (من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها)، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم، ولم نر لذلك أصلاً يصح))

وذكر نحو هذا الحافظ ابن حجر – رحمه الله – حيث قال بعد ذكر القصة مجردة عن الحديث: ((وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر شيئاً من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك)).

أما معنى الجملة، فقد قال العلامة ابن رجب – رحمه الله-: ((ومن كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام ليطلب دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها في دار الإسلام، فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك، فالأول تاجر، والثاني خاطب، وليس منهما مهاجر، وفي قوله: إلى ما هاجر إليه تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به، حيث لم يذكر بلفظه)) ا. هـ.

الفائدة الخامسة: دل الحديث على الوعيد الشديد بأن من عمل عملاً لم يقصد به وجه الله تعالى لا يثاب على ذلك، بل يرد عليه عمله، كأن يكون جاهد رياءً، أو أنفق ماله ليكسب سمعة، أو تعلم العلم ليقال عالم، أو قرأ القرآن ليقال قارئ، أو التزم بمظهر إسلامي ليقال ملتزم بالإسلام، أو نحو ذلك من المقاصد الدنيوية، فمثل هؤلاء يبعثون على نياتهم، ويجازون بها؛ لما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلّم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن فأتى به فعرّفه نعمه، فقال ما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: فما عملت فيها؟ فقال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار).

وفي بعض روايات الحديث: إن معاوية -رضي الله عنه – لما بلغه هذا الحديث بكى حتى غشي عليه، فلما أفاق قال: صدق الله ورسوله : (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون).

ثم اعلم أن صرف المقاصد في الأعمال الشرعية لغير الله جريمة من الجرائم، ومحبط للأعمال ومفوّت للأجر والثواب، فاحرص على أن لا يبطل عملك، وإياك أن تتشبه بالمنافقين الذين يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً، احذر أن تكون ممن قال الله فيهم: (فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون).

فلئن كانت النية الصالحة تضفي على صاحبها قبولاً عند الله، فإن النية المدخولة إذا انضمت إلى العمل الصالح في صورته يستحيل بها إلى معصية تستجلب الويل.


“شبكـــة السنة النبوية وعلومها”

عن maikochan

شاهد أيضاً

الإمام مالك … ضروووري الدخول

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا أول مره اشارك في المنتدى الديني وياليت تساعدوني أختي …