عالمة مغربية تستخرج زيوتا صحية من شجرة نادرة
في المغرب ، وعلى الأخص في المناطق الامازيغية ، يتغنى الشعراء والمطربون بشجرة فريدة من نوعها ، تدعى “الارغان” . فهم يحمدون مزاياها ويعتبرونها “هبة من الله” . هذه الشجرة ترمز للصبر والثبات، كما تقول الاغاني … لكن ما قصة هذه الشجرة ؟ وماعلاقة عالمة عربية مغربية بها ؟
زبيدة شروف نالت جوائز لمساهمتها في احياء شجرة الارغان
في غضون التنقل ما بين مختبر في احدى جامعات الرباط، والريف المغربي في الصحراء، تمكنت العالمة المغربية الدكتورة زبيدة شروف، من تطوير تقنية خاصة لاستخراج زيوت صحية وتجميلية من تلك الشجرةٍ النادرة، التي لا تنبت إلا في المغرب، شجرة برية لا تزرع، لا تسقى، وحبتها تشبه حبة التمرة.
“شجرة الفقراء” الزيت المستخرج من شجرة الارغان تلك، يمزج مع الطعام او السلاطات، ويستخدم كدواء تقليدي. اما الخشب وقشور جوزها فيستخدم في التدفئة والديكور، وكذلك في اطعام الخراف والماعز. لا عجب إذن من تسميتها بـ “شجرة الفقراء”.
لكن ما سر اهتمام عالمة ، تخرجت للتو من جامعات فرنسا ، بهذه الشجرة التي اصبحت موضوع دراستها للدكتوراة في الهندسة الكيمياوية ؟
تقول شروف : اخترت عالم الاعشاب الطبية لأن المغرب يحتوي على اكثر من الف نوع منها، او من النباتات التي يمكن ان تعود بالخير على سكان البلاد. كانت هذه النباتات تستغل في السابق من الاجانب، او لا تستغل اطلاقا. وما زاد من اهتمامي في شجرة الأرغان تحديدا هو خشيتنا من ان تنقرض.
وتؤكد شروف على ان شجرة الارغان تلعب دورا بيئيا هاما. فهي تكافح التصحر، تمد جذورها لأكثر من ثلاثين مترا في التربة، وعمرها يتجاوز المائتي عام.
وتقول شروف ، ان ابن البيطار ، ابرز علماء العقاقير والاغذية في التاريخ ، كان اول من اهتم بتصنيف شجرة الأرغان في القرن الثالث عشر ميلادي.
وفي تسعينيات القرن الماضي ، تحول اكتشاف العالمة العربية ، لخصائص الارغان الكيمياوية ومنافعها الكثيرة ، من بحث علمي الى عالم التصنيع الفسيح والتسويق ، فقد ادرج زيتها في قوائم الغذاء ومواد التجميل في اماكن عدة من المعمورة ، كما تحدثت عن قصة نجاحها ” نيويورك تايمز ” وغيرها من الصحف الشهيرة .
تقنية خاصة لاستخراج زيوت صحية وتجميلية من تلك الشجرةٍ النادرة
اما العالمة المغربية شروف فنالت عدة جوائز دولية ، لمساهمتها في احياء وحفظ شجرة الارغان و تنمية عموم النباتات الطبية ، بينها جائزة منظمة “الطعام البطيء” الايطالية ، التي تاسست في الثمانينيات كحركة تناهض مطاعم الوجبات السريعة ، مثل ماكدونالدز ، وتشجع على تناول الطعام جيّد الإعداد ، المتألف من مواد غذائية عضوية لا تحوي اي موادَ كيمياوية ضارة ، شرط ان تُطبخ بعناية فائقة ، وتؤكل بأناة وتلذّذ .
تعمل الدكتورة شروف ، حاليا ، استاذة في كلية العلوم بجامعة محمد الخامس في الرباط ، فضلا عن رئاستها جمعية ابن البيطار لتنمية النباتات الطبية . من بين اهم ما قدمته شروف لنساء الريف في بلادها هو توفير فرص العمل في تعاونيات تسمى “ترغانين” ، يربو عدد اعضائها نحو الفين ، كل امرأة فيها تولت زرع عشَرة أشجار أرغان سنوياً .
البدايات
في البداية واجهت التعاونيات معارضة شديدة من بعض الرجال ، واتهمت شروف بإخراج المرأة البدوية من بيتها.
حبة الشجرة تشبه حبة التمرة
خديجة بن قاضي ، المسؤولة عن تدريب النساء في تلك التعاونيات ، تروي ما حدث فتقول كان العمل في التعاونيات يسبب للنساء مشاكل في بادئ الأمر ، لكن استطعنا فيما بعد ، تدريجياً ، اقناع ازواجنا وآبائنا وعائلاتنا ، ان المراة يجب ان تخرج للعمل وتساعد الرجل في تنمية الاقتصاد .
وبذلك وفّرت التعاونيات فرص عمل جديدة للمراة في الريف المغربي . وتستطرد خديجة في سرد روايتها :
– اشتغلت معنا امرأة في سن الأربعين ، سألتها ذات مرة : يوم بعتي حبة الرغان وربحت ، اعني يوم عادت عليك بالفائدة ، ماذا عملت ؟ اجابت بسرور : احتفلت بعيد ميلادي . فأنا احسست انني ولدت في ذلك اليوم بالضبط .
وتضيف خديجة بأيمان عميق : شجرة الارغان مقدسة ، مباركة ، تحافظ عليها النساء بحرص ، لأنها من بين اجمل ما في الأرث الامازيغي والمغربي عموماً .
واغتنى ذلك الارث حين تغير على نحو ايجابي موقف الرجال من عمل المرأة . فبعد ان كان بعضهم يعارض بشدة عمل النساء في التعاونيات ، اخذ يطري دورهن في سياق اطرائه شجرة الارغان . هذا هو محمد ، احد العاملين في التعاونيات ، اوحى له – كما ذكر لنا – تناول وجبة غذاء شهية ، قد تكون احتوت على زيت الارغان ، بهذه القصيدة الطريفة :
[ غابتي شجرتي أنت يا أرغان إطمئني وترعرعي في أمان فوائد زيتك أصبح لها شان تتباها وتعرض في كل مهرجان ورثناك و أحببناك أبا عن جد فأطعمتنا و رعيتنا ونحن في المهد أنت قوت و رزق لا ينفد غداء منعش و دواء لكل أحد عرفوك البيطريون مند القدم ودافعت عنك زبيدة * في شتى الامم ( * اشارة الى العالمة المغربية زبيدة شروف التي بدأنا بها هذه الحلقة ! ويمضي محمد منشدا : ) أنرت بيوتنا قبل الكهرباء ومنعت أجسامنا من كل داء فقلع شجرك ذنب لا يباحا أنت حاجز لرياح الصحاري وللباحثين ميدان للتباري تلاحم لبقاءك كل الجيران وهب لحماك كل الفتيان عند الجفاف اسقيك بدمعي وأحميك من الغزات برمحي إبـن الـبيطار أول من فاح بذكرك و زبيدة شروف أول من حلت لغزك فأنت فخر للمغرب و أمته ومشروع تشجيرك مثال يقتدى به ]إذن ، وكما يبدو من القصيدة ، نجحت شجرة الارغان ، التي اسهمت العالمة المغربية في استثمارها وحفظها من الانقراض ، في ان تليّن ، بزيتها المبارك ، مواقف اصلب الرجال المناهضين لعمل المرأة
منقول ( BBC