عبيد كيس القمامه


غادرت العاملة، بينما دخلت الأخصائية المتواضعة، تحمل في يدها ورقة، و يسير خلفها طفل نحيل، بوجه مكتئب، … حيت الأخصائية المرأة الأنيقة أم عبيد، ذلك الطفل الخجول، وقدمت لها الورقة التي تصف مستوى ابنها الدراسي حتى ذلك الحين، ثم جلست على مقربة، بينما بقي عبيد واقفا، ..

نظرت الأم إلى عبيد بنظرة استحقار، ثم التفتت نحو الأخصائية وقالت: لا أصدق أن ابني متأخر إلى هذه الدرجة، … أنا خصصت مدرسة لتساعده على استذكار دروسه، كيف له أن يرسب في كل المواد، …

ثم نظرت نحو عبيد باحتقار شديد وقالت: كنت دائما غبي كأبيك، وستبقى كذلك، مثلك لا يثمر، أنت غبي، …….!!!!!

ثم قامت من مكانها، متخلية عن كل صنوف الأناقة واللباقة، واتجهت صوب عبيد الصغير، لتضربه بكفها الكبيرة على وجهه، وعلى رأسه وقفاه، فقمت من مكاني كما قامت الأخصائية التي سحبته من أمامها، فيما طلبت منها أن تهدأ، … نظرت لي باشمئزاز وقالت: لا دخل لأحد، دعوني أأدب ابني، دعوني .. لا شأن لكم بنا….!!!
سحبت الأخصائية الطفل بعيدا، وطالبتها بالهدوء، ثم هددتها بالإبلاغ عن قسوتها إن لم تتوقف فورا عن ضربه، ……. بدت الأم مضغوطة، كانت راغبة في الإنتقام منه عاجلا أم آجلا، فقالت: لا بأس يا عبود حسابك في البيت، سترى ما سأفعل بك……!!!!

قلت لها بهدوء: ماذا ستفعلين، هل ستضربينه ككل مرة، لن يتغير…!!! إن إحباطك وفشلك سيبقى ماثلا أمامك فيه، …..

نظرت لي بغضب، لكني ابتسمت بطيبة خاطر، وقلت لها: إني أخت لك، ….. فهلا هدأت، ….. غاليتي، أنت على حق، الأمر مزعج، مزعج أن نكون ناجحين، فيما يذكرنا أبناؤنا بفشل لا نحبه…… عادي هذا يحدث دائما، .. وأنا شخصيا يمكنني أن أعطيك وصفة رائعة تجعل عبيد الفاشل، ناجح، ومتفوق…!!!!

عادت إلى مكانها، وجلست متنرفزة، ثم بدأت تقول: يا أختي تعبت معه، فعلت كل ما يمكنني فعله، لم أقصر معه بشيء، إني غالبا أهتم به أكثر من اهتمامي بأخوته، أستذكر له أكثر، وخصصت له أيضا مدرسة، ومع هذا لا أمل فيه، كل أخوته ناجحين، كلهم إلا هو، غبي لا يفهم، أنا أيضا مشغولة لا وقت لدي لأتابع مشاكله الدراسية، أرهقني فشله، ماديا ونفسيا….

استمعت لها، وهي تسرد سيرة بطولاتها في النهوض بمستوى عبيد الدراسي، وكيف أن كل محاولاتها لم تفلح….!!!

حتى وجدت الفرصة لكي أقول لها: ربما هو فاشل كما وصفته، … إنه فاشل وسيبقى كذلك دائما، … لأنك أردت أن تجعلي منه قمامة الفشل…

نظرت با ستغراب، …

أكملت كلامي: عندما دخل عبيد إلى الإستقبال، كان مكتئبا، كان على علم بكل ما سيحدث، هو أيضا يعرف أنه فاشل، ……. وأنت كما يبدو سيدة ناجحة، فشله يسبب لك القرف، أنت لا تحبين الفاشلين، … وعبيد يذكرك بفشلك، ولأنك لا تحبين من يذكرك بفشلك، تكيلين العقاب له، وتريدينه ناجحا بالقوة، ليس لأجله بل لأجلك وعبيد بطريقة ما يعرف ذلك….

معظم الأمهات، اللاتي يصرون على نجاح أبناءهم لأجلهم، ولأجل مصالحهم الشخصية، يجرون أولادهم للفشل في الواقع، … !!!!

أكاد أسمعك تصرخين: لا أريد ابنا فاشلا، لأني أم ناجحة، فشله يعرض نجاحي للنقص، ……. إذا فعبيد يعبر عن نقصك، … عبيد هو عيبك الذي تحاولين مداراته عن العالم، … إنك تحاولين القضاء على نقصك في عبيد بالقوة، والضرب والقسوة…!!!!

نحن من نؤهل الأبناء إلى النجاح الدراسي أو الفشل، عندما نهتم بهم منذ البداية، منذ أول يوم تطأ فيه إقدامه الصغيرة، أرض المدرسة، … عندما نهتم بتلك الفترة، يصبح للأبناء بعد ذلك القدرة على مساعدة أنفسهم في الدراسة، …

وأنت لسبب ما، قد تغيبت في تلك الفترة، لذلك فقد أهملت عبيد، أيضا عبيد يجعلك في كل مرة يرسب فيها يجعلك تتذكرين كيف كنت مهملة، وهذا في حد ذاته، يجرك من حيث لا تعلمين إلى عقابه، إنه الصورة المشوهة الوحيدة على جدران بيتك……!!!!

لكنه في النهاية، طفلك الصغير، ابنك الجميل، كان يقف أمامك، متحملا كيس القمامة الجديد الذي ستزجين به في جوفه، كيس الإنتقادات الإضافية التي ستنظم إلى غيرها، لترهق قلبه، وتثقل عقله، بالمزيد من التفاهات، ليغدو تافها أكثر من ذي قبل، … كلما عاملته باحتقار، كلما غار إلى الداخل، كلما انسحق أكثر …

أطفالنا ليسوا سوى وعاء بريء دافيء، نتحمل وحدنا في هذا العالم أمام الله كل ما سيلج إلى دواخلهم، ….. وكيفما امتلؤوا، سينضحون….!!!

الحل يا أختي، أن تبدئي في التصالح مع ذاتك، …. نعم بات عبيد فاشل، لأنك أهملته ذات يوم، لسبب ما، لكنك اليوم أم مختلفة، يمكنك علاج الخلل، إنه لا زال طفلا، الإنسان يتغير في الثلاثين في الأربعين، في الستين، ألن يتغير طفل في العاشرة، …….!!!!

خذيه إلى صدرك، واحتوي فشله وابدئي بتنظيف جوفه من الأوساخ، كفي عن انتقاده، وتحميله مسؤولية فشله، فهو غير مسؤول، وتحملي للمرة الأولى الإعتراف بأنك كنت أما فاشلة، لبعض الوقت، وما العيب في الأمر، كلنا يمر بلحظات لا يكاد فيها يمسك بكل الخيوط، ولا يستطيع أن يهتم بكل الجهات، … لكنك حظيت بفرصة طيبة لإعادة العمل، وصياغة ذلك الطفل المتعلق بقلبك، والمسترشد بهديك، والمتوقف مصيره اليوم على ما سيتلقاه منك…

اعتاد عبيد كما يبدو على أن يكون الولد الغبي، المسخ الذي لا يثمر، اعتاد على أنه الناقص الميئوس منه، أردت بلا وعي منك، أن يبقى عبيد يذكرك بنقصك، … لا يمكنك تخيل اكتمال كل جوانب نجاحك… عبيد الطفل القمامة… كان مستودع احباطاتك…
تسامحي مع ذاتك غاليتي، تصافي مع نفسك، الخلل والنقص موجود في كل إنسان، لا بأس إن مني أحد أبنائك بالفشل، أنت إنسانة ككل الناس، … فلا بأس، … هدي من روعك، عندما تتصالحين مع ذاتك تذكري أن عليك أن تقبلي أيضا باحباطاتها كلها، القديم منها والجديد،

عبيد ليس مسؤولا عنها، ولا يحق لك أن تضمنيه في نشرة غسيلك الماضية أو الحالية، إنه كيان مختلف تماما……!!!

إنه رحمة الله إليك…!!!

خذيه قربك، ضعيه على طاولة لاستذكار الدروس وابدئي في مساعدته بنفسك، فليست أية امرأة في هذه الدنيا قادرة على بث الثقة في نفسه، بعد أن زعزعتها أهم مخلوقة لديه، أمه، أنت فقط القادرة على إعادة الثقة إلى نفسه،

وبدلا من هذا الكم من المجهود الذي تسرفينه في ضربه وتحقيره، ابذلي مجهودا أقل في حبه، واحتوائه، ومدحه والإهتمام به، …

وتذكري أن تعتذري منه أيضا، أخبريه، أنك آسفة لأنك لم تهتمي به كثيرا لانشغالك، أخبريه، أنك لم تكون تعرفين طريقة جيدة للتعامل مع الأطفال من سنه، وأنك اليوم ستبدئين في رحلة مشوقة لاكتشاف الكنوز المختبئة في داخله، … العبي معه هذه اللعبة،

قولي له، بأن الله وضع في كل إنسان أسرار وكنوز عظيمة، وأن لنا قدرات مخبأة في الداخل، على الإنسان أن يكتشفها بتروي، وأن لديه الكثير، لكن الأيام الماضية جعلتها تغور إلى الداخل، وأن الأمر سيكون شاقا، لكنه سيثمر،

اطلبي منه أن يساعدك في البحث عن تلك الكنوز، اطلبي منه أن يخبرك بأكثر الأشياء التي يتميز بها، وأن يبدأ اليوم في اكتشاف المزيد، وعليه أن يخبرك بكل كنز جديد يجده في نفسه،

ارسمي لوحة كبيرة واكتبي عليها عبارة ( كنوز عبيد ابني الرائع) … !!!

سجلي فيها كل يوم أو يومين صفة حسنة تخصه، أو موهبة، أو قدرة لديه، … جامليه أيضا ولا تدققي، حتى ولو تباهى بصفة ليست لديه، جامليه وسجليها، فلعله يكتسبها مع الزمن…!!!!

أول وسيلة لعلاج مشاكل أبنائنا السلوكية، هي العينين، .. إنها لغة التواصل الأولى بين الأم ووليدها…

العيون التي تحمل جل المشاعر وأصدقها، والتي تغنى بها الشعراء في كل مكان، وسيلتك الأولى وألأكثر فعالية في علاج مشاكل ابنك السلوكية…!!!!

لقد لا حظت شرر عينيك، وكم الإحتقار الذي سددته إلى عينيه،… لقد عملت على تمزيقه إربا بعينيك، قبل يديك…!!!!

العينين يا أخيتي، تحمل مشاعرنا، وتحفل بالكثير من الإهتمام، جعل الله بياض عيني المرأة أكبر من سوادها، وأكثر اتساعا من بياض عيون الرجال،

لتقوم بدورها التربوي على أكمل وجه،

وقد وجد العلماء، أن العيون هي وسيلة الأم الأولى للتواصل مع الرضيع، في تلك الفترة التي تحملين فيها طفلك رضيعا، فتضعين عينيك في عينيه، وهو يرشف من حنانيك…

تلك اللحظات بالدنيا وما فيها، تلك اللحظات عندما يرى الحب المنبعث من عيونك، تتحرك تيارات عصبية هائلة تخبر هذا الطفل، كم هو محبوب، ومرغوب، فينشأ بثقة بالغة في نفسه، ……

الطفل الذي لا تنظر أمه في عينيه، يصاب بالمرض، وضعف المناعة، ….!!!

بينما النظر في عيني الطفل باحتقار، يسبب له التحطيم، إنه يحرك بواعث الخطر، إنه يحرك جزيئات في المخ، تزيد من تثبيط عمل الدماغ، فتسبب التخلف….!!!!

كلما نظرت له باحتقار، كلما قلت نسبة ذكائه…….!!!!

يا ويح قلبك…. كم مرة نظرت فيها لذلك المخلوق الصغير الضعيف الجميل، شيزارا…. ؟؟؟؟

تواصلي معه بالنظرة الإيجابية والحانية، ركزي في نظراتك بعد اليوم، لا تسمحي للسموم المنبعثة من عيينك، بأن تقتل براءة طفلك،

عندما يخطأ، فيسكب إناء العسل على الأرض الملوثة، لا تتذكري كل مساوئ حياتك، لا تضمي فعلته إلى قائمة إحباطاتك، لا تقولي أنه أضاف الألم إلى حياتك، المؤلمة دوما،

فهو ليس سوى طفل سكب إناء العسل، بلا قصد على الأرض، لم يختر لك أي خيار مما تعانين، ولم يكن ذات يوم ذا علاقة بمشاكلك، ولم يذنب في حقك، ولم يكن مسؤولا عن فشلك،

ابتعدي باحباطاتك عنه،

ارمقي الطفل بعتاب حميم، وكأنك تقولين له: أنت ولد طيب، كان عليك أن لا تسقط العسل، لا بأس، ستنتبه حتما في المرة القادمة، والآن عليك الإعتذار.

هكذا على نظرات عينيك أن تعبر بهدوء، بدلا من أن تشحني عيونك بكل القبح الذي يعتريك……!!!!

على فكرة كل ما تبثينه في طفلك من مشاعر، يعود إليك مضاعفا،

فإن غذيته بالحب، عاد حبا مضاعفا، وإن سممت جسده، تسممت أنت أيضا لا حقا، .. فعيونه تبث الطاقة كعينيك…….. التيارات العصبية نتبادلها كل لحظة بلا إدراك.. نستقبلها، ونصنفها، ونتأثر بها، حسب قوتها ونوعها…!!!

ثم الكلمة الطيبة يا أختي، الكلمة الطيبة، من أهم العوامل لنجاحة إن وجدت، ولفشله إن اختفت… أو تشوهت…

قال الله تعالى: {‏ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏24-27‏]‏،

للكلمات طاقة، للحرف طاقة، …. وللكلمة معنى وللمعنى تيارات عصبية، … تستجيب…

إن الكلمة الطيبة، تحرك النواقل العصبية في الدماغ، فتجعل الطفل ذكيا، فطينا، والكلمة السيئة، تحطم مراكز الاستقبال في الخلايا العصبية في الدماغ، مما يجعل الطفل يغدو غبيا، و مدمن على شيء ما، كالمخدرات، أو السيجارة، أو النساء، أو العادة السرية، أو أي شي آخر، كالطعام، إنه يحاول إشباع مراكز المتعة المتحطمة، التي حطمتها عباراتك، يحاول إشباعها عبر الإدمان، …!!!

فالكلمة الطيبة مهمة، مهمة أكثر مما تتصورين، رغم أنها كلمات، وهل خلق الله النطق عبثا، …!!!

كلمة دميمة كعبارة ( غبي أنت حمار) … يمكن أن تحول طفلك لا حقا إما لمتسلط عنيف تكونين أنت أول ضحاياه، أو مدمن سافر، تكونين أنت أول ضحاياه………!!!!

بينما كلمات ببلاش، لن تستهلك منك الكثير من الجهد، أو الوقت، تجعله رائعا، وفي المستقبل بارا طائعا…..

كل الأمهات يقولون، ما ذنبي، إنه منحرف…… لا بأس، لا بأس، إن الله يرى ويسمع، ولكل منا عقل يفكر،

هل سبق أن دمرت ثقته بنفسه عبر النظرة أو الكلمة……. فكري، ……..

فإن حدث ذلك فاستغفري، وأعيدي العمل على معالجة الأمر…… بحكمة…!!!

أحبيه سواء كان ناجحا أو فاشلا، احتويه، بدلا من تحميله مسؤولية فشله،

وتسامحي مع نفسك فكلنا له نقاط ضعفه.



منقول من موقع د0 ناعمه الهاشمي

عن MIYUKII

شاهد أيضاً

هل تعرفي أم عندها …” توأم ” ؟؟؟ تعالى قولي لنا كيف رتبت حياتها معاهم ؟؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخواتي الغاليات نبغى منكم قصص عن أي أحد تعرفوه ..امهات …