،،
السلام عليكـــم .. /
عذراء الصباح .. []
أجلس دوماً في مقهي علي البحر ، أعتدتُ هذا المكان بشكلٍ مرضي ، وأعتقد اعتقاداً راسخاً بوجود
لعنةٍ ما تحيط بهذه المقهي لتجعل روادها يرتبطون بها لهذا الحد ، أنا من اللذين ارتبطوا بها وعشقوا
طرازها وأحبوا طعم قهوتها ، فالمكان أعرفه من طعم قهوته وأعتاد عليه مع اعتيادي علي فنجان
القهوة به ، أطلب قهوتي المظبوطة ليأتي النادل “القهوجي يعني ” ليصبها أمامي ويتركني لاندهاشي
فالسائل الاسود ينسكب في رشاقة شديدة وانسيابية هادئة تماماً ثم عند النهاية يبدأ الدوران الخفيف
للجزيئات لكي تشكل دوامة صغيرة من لونين تجسد ملامح قهوة الصباح الغني بالجمال ، ففعل
التكون المذهل هذا يصيبني بانبهار أرفع الفنجان ببطء أقترب منه بأنفي كي أستنشق هذه الرائحة
التي تعيد خلايا دماغي الي مواضعها الصحيحة والأصلية ثم أبدأ الرشف الجميل
توثبت حواسي كلها في نداءٍ واحد واشرأبت عطشي نحو غاية واحدة هي القهوة و لمن أدمنها
مثلي هي مفتاح النهار و لمن يعرفها مثلي هي أن تصنعها بيديك لا أن تأتيك علي طبق لأن حامل
الطبق هو حامل الكلام والقهوة الأولي يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت
هي هذا الصمت الصباحي المتأني الوحيد الذي تقف فيه وحدك مع ماءٍ تختاره بكسلٍ وعزلة ، في
سلام مبتكرٍ مع النفس والأشياء وتسكبه علي مهلٍ في إناءٍ نحاسيّ صغير داكن وسريّ اللمعان ،
ثم تضعه علي نارٍ خفيفة فالقهوة هي القراءة العلنية لكتاب النفس المفتوح
هناك اختلاف أحسه فيّ من قبل الفنجان الأول وبعده ، شعورٌ مثل أن تعيش شهرا مرتدياً نظارة داكنة
ثم فجأة تخلعها في نهارٍ مشمس ، في البداية يكون هناك ألماً ما ، ثم شعورا غامضاً ، ثم خدراً في
كل خلايا الجسد والدماغ بالذات ، ثم ارتياح تام للأعضاء ثم ينتهي هذا كله ليبدأ استقبالك للحياة
بصدرٍ مفتوح ..
لا قهوة تشبه قهوةٌ أخري ، ودفاعي عن القهوة هو دفاع عن خصوصية الفارق ، ليس هناك مذاق
اسمه مذاق القهوة فالقهوة ليست مفهوماً وليست مادة واحدة مطلقة
، لكل شخصٍ قهوته الخاصة ،
الخاصة الي حد أقيس معه درجة ذوق الشخص وأناقته النفسية بذاق قهوته ، ثمة قهوة لها مذاق
الكزبرة ذلك يعني أن مطبخ السيدة ليس مرتباً وثمة قهوة لها مذاق عصير الخروب وذلك يعني أن
صاحب البيت بخيل وثمة قهوة لها رائحة العطر ذلك يعني أن السيدة شديدة الاهتمام بمظاهر الأشياء
وثمة قهوة لها ملمس الطحلب في الفم ذلك يعني أن صاحبها يساري طفولي ، وثمة قهوة لها مذاق
القِدم من فرط ما تألب البن في الماء الساخن ذلك يعني أن صاحبها يميني متطرف وثمة قهوة لها
مذاق الهال الطاغي ذلك يعني أن السيدة محدثة النعمة
فنجان القهوة من يد امرأة تحبها وتحبك ، امرأة تفهم ذوقك ومزاجك الشخصي وقدرتك علي استيعاب
مدي السعادة ، لأن فنجان القهوة التي تصنعه امرأتك لك أنت وحدك هو من مفردات السعادة الطاغية
، هو الاندماج التام مع نظرة عينيها المفعمة بالحنان والفهم مع لمسة يدها ليديك وأنت تلتقطه منها ،
هو الشعور الكامل بالرضا
صباحكم أبيض وفنجان قهوة
كامل التقدير
م.ن