فإن مع العسر يسرا‎


بسم الله الرحمن الرحيم
فإن مع العسر يسرا
لا أحد في الحياة إِلا وقد ذاق مرارة الأسى، وشرب من كأس الحزن، ولبس ثياب المرض..
ويا ترى من الذي لم يتجرع غصص الهموم، ونزلت بساحته أمطار المصائب.. لا أظن أن أحداً نجا مما ذكرت.
ولكن المؤمن ينظر لذلك من نافذة « الكتاب والسنة » ليرى قرب الأمل، وضياء الفجر، وأن العسر يعقبه يُسر،
وأن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان الأيام القادمة تحمل الأفراح، وأن الليالي تعانق السرور.
فيا مهموم، إِن ربك حكيم فيما قدَّر عليك، فلا تقنط وتجزع..
( لا تحسبوه شراً لكم ) ووالله إنه قريبٌ وسميعٌ لصوتك.. ( إن ربي لسميع الدعاء )..
فابتسم، وانتظر الفرج، وأبشر فإن مع العسر يسرا.
والمتأمل في هاتين الآيتين يعي حقيقة إلهية عظيمة وسنة من سنن الله في عباده ألا وهي أن مع العسر لابد أن ياتي اليسر بلطف وخفاء يؤكد لنا معنى اسم الخالق اللطيف الذي يوصل عباده لأقدارهم بلطف عجيب لاتدركه العقول .
وقد قال تعالى :”إن مع العسر يسرا ” ولم يقل بعد العسر يسرا تأكيدًا على أن العسر لابدَّ أن يجاوره يسر , فالعسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه …
و كل الحادثات وان تناهت فموصول بها فرج قريـــب .
ولكي نفهم هاتين الآيتين لنتأمل قول ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا فهو يقول : ” ‏لو كان العسر في جحر ضب لتبعه اليسر حتى يستخرجه ، لن يغلب عسر يسرين‏” فتعريف العسر في الآيتين دلالة على أنه عسر واحد بينما تنكير اليسر في الآيتين دلالة على تكراره, فكل عسر مهما بلغ من الصعوبة مابلغ فإن آخره التيسير الملازم له ,وتأكيد ذلك قوله تعالى:
” سيجعل الله بعد عسر يسرا “
ففي بطن العسر إلا وهناك يسر كثير وهذا وعد الله وسنته في عباده, وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : ” أن الفرج مع الكرب ” وكلما اشتدت الأزمة كلما كان ذلك إيذانًأ بانقضاءها وزوالها, وأشد أوقات الليل حلكة هو ما يسبق طلوع الفجر , وما بعد الضيق إلا الفرج …
و كما أنه لا يعرف انشراح الصدر إلا من ركبه الهم والضيق فكذلك لا يعرف الفرج إلا من ناله الكرب ,فبضدها تتبين الأشياء, ومهما أحلولكت دون العبد الخطوب فلا بد أن يتلو الظلام نهار يبدد عتمته..

:: ويقول الشاعر في ذلك ::
يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفـارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحـبه *** لا تيأسن فإن الكــافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة *** لا تــجزعن فإن الصـانع الله
إذا بليت فثق باللــه وارض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله ما لك غير الله من أحـد *** فحسبـك الله في كل لك الله
:: ويقول الآخر ::
كن عن همومك معرضا *** وكِل الأمور إلى القضا
وابشـــــــر بخير عاجلا *** تنسى به ماقــد مضـــى
فلربَّ أمرٍ مُسخــــــــط *** لك في عواقبــــه رضى
ولربما ضـــاق المضيق *** ولربما اتســــــع الفضا
الله يفعل ما يشـــــــــاء *** فلا تكوننًّ معترضــــــا
الله عودك الجميــــــــل *** فقس على ماقد مضـــى

::و قال الشافعي::
وما من شدة إلا سيأتي من بعد شدتها رخــــاء

:: وقال آخر ::
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البــــــال
ما بين غفوة عين وانتباهتهــا يغير الله من حال إلى حـال

و معرفة هذا الأمر تجعل العبد لا تستغرقه لحظات العسر بل ينتظر اليسر القريب من الله ,
واليسر الموعود في الآية هو نتيجة حتمية لابد منها إلا أنها نتيجة مشروطة لابد لها من مقدمات تستجلبها وهي كالتالي:
الإيمان ويلازمه العمل الصالح والتقوى:قال الله تعالى: ” من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون “
وفي المقابل قال تعالى :” ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا”
كما قال تعالى: (فأما من أعطى وأتّقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى)كما قال، (ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً)، (ومن يتق اللّه يجعل له من أمره يُسراً).

{ الصبر }
فبعد تكرار حقيقة أن اليسر رديف العسر جاء الأمر بالصلاة إذ هي من اسباب استجلاب الصبر , والذي هو بدوره القنطرة التي لابد أن يعبر عليها العبد للوصول إلى اليسر ,و غالبا ما يربط الله بين الصبر والصلاة كمتلازمتين , قال تعالى :” واستعينوا بالصبر والصلاة ” و الصبر زاد إلا وينتهي أما الصلاة فهي زاد العبد الذي لا ينقطع .

{ الدعاء }
ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج : الدعاء العظيم المشهور الذي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم كلّ من سمعه أن يتعلّمه ويحفظه :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا رواه الإمام أحمد في المسند 1/391 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 198
وقد كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال : (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) الترمذي.
دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ.. رواه أبوداود

{ الاستغفار }
كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم :” من لزم الاستغفار
جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب ” سنن ابي داود وابن ماجه .
التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه :
قال تعالى ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه ” أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه .
فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له ، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وترحه فرحا، وخوفه أمنا فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير. ” الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ,ابن سعد

:: يقول الشاعر ::

إذا ضاق بك الصدر *** ففكر في ألم نشرح
فإن العســر مقرون *** بيسرين فلا تبـــرح
إذا أعضلك الأمـــر *** ففكر في ألم نشرح

:: ويقول آخر ::

دع الايـام تـفعل ما تشاء *** وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تـجزع لـحادثة الليالي *** فـما لـحوادث الليالي بقاء

فاللكرب نهاية مهما طال أمره ، وأن الظلمة لتحمل في أحشائها الفجر المنتظر .
*< وقال تعالى >*
(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون
).


عن younes altabbaa

شاهد أيضاً

اقوى علاج للعقم

بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلى كل من شهد الليل دموعها …