فضل الإصلاح بين الناس‏



السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
فضل الإصلاح بين الناس
الصلح لغة : مادة ص ل ح والتي تدل على خلاف الفساد , كما قال ابن فارس , وقال ابن منظور :
الإصلاح نقيض الإفساد.
واصطلاحاً : عقد يرفع النزاع , وهو بمعنى المصالحة .
وإصلاح ذات البين : ذات بمعنى صاحبة أي صاحبة البين , والبين يأتي على معنيين متضادين في لغة العرب , فتأتي بمعنى الفرقة والفراق , وبمعنى الوصل , فعلى معنى الأول منهما : إصلاح صاحبة الفرقة بين المسلمين وإصلاحها يكون بإزالة أسباب الخصام أو بالتسامح والعفو , ,أو بالتراضي على وجه من الوجوه , وبهذا الإصلاح يذهب البين وتنحل عقدة الفرقة , وعلى المعنى الثاني : يكون إصلاح صاحبة الوصل والتحابب والتآلف بين المسلمين , وإصلاحها يكون برأب ما تصدع منها وإزالة الفساد الذي دب إليها بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا .
الأمر بإصلاح ذات البين في القرآن الكريم :
يقول تعالى في وصية الميت : (فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه) .
ويقول تعالى في القسم والحلف : (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) .
ويقول تعالى في حال الشقاق بين الزوجين : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) .
ويقول في حال خوف النشوز : (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير) .
ويقول في إجابة السؤال عن الأنفال : (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) .
ويقول في حال اقتتال المسلمين مع بعضهم : (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) .. إلى غير ك من الآيات التي تتحدث عن الإصلاح .
الأحاديث الواردة في الإصلاح وفضله :
عن أبي بكرة رضي الله عنهما قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى , ويقول : (إن ابني هذا سيد , ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) رواه البخاري .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟) قالوا : بلى , قال : (صلاح ذات البين , فإن فساد ذات البين هي الحالقة) . رواه أبو داوود والترمذي , وقال : هذا حديث صحيح .
وعن زيد بن ملحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (.. فطوبى للغرباء , الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي) . رواه الترمذي , وقال : حديث حسن صحيح .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار على أن يعقلوا معاقلهم , وأن يفدوا عانيهم بالمعروف , والإصلاح بين المسلمين . رواه أحمد .
وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً أو ينمي خيراً) متفق عليه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس , فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء , فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا) . رواه مسلم .
وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس : يعدل بين الاثنين صدقة ، ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة ] . ( صحيح )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه , قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر : ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال : (رجلان من أمتي جثياً بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي , فقال الله تبارك وتعالى للطالب : فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ قال : يا رب فليحمل من أوزاري) قال : وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء , ثم قال : (إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم , فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان , فرفع رأسه , فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال : هذا لمن أعطى الثمن , قال : يا رب ومن يملك ذلك؟ قال : أنت تملكه , قال : بماذا؟ قال : بعفوك عن أخيك , قال : يا رب فإني قد عفوت عنه , قال الله عز وجل : فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة) , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : (اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين) . رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد .
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الإصلاح :
عن سهل بن سعد رضي الله عنه : (أن ناساً من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء , فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه يصلح بينهم …) . متفق عليه .
وعن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته , فخرج رسول الله إليهما حتى كشف سجف حجرته , فنادى كعب بن مالك , فقال : (يا كعب) فقال : لبيك يا رسول الله , فأشار بيده أن ضع الشطر , فقال كعب : قد فعلت يا رسول الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (قم فاقضه) . رواه البخاري .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجار ة, فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك , فقال : (اذهبوا بنا نصلح بينهم) . رواه البخاري .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : توفي أبي وعليه دين , فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر بما عليه فأبوا , ولم يروا أن فيه وفاءً , فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له , فقال : (إذا جددته فوضعته في المربد آذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) . فجاء ومعه أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا بالبركة , ثم قال : (ادع غرماءك فأوفهم) , فما تركت أحداً له على أبي دين إلا قضيته , وفضل ثلاثة عشر وسقاً : سبعة عجوة وستة لون , أو ستة عجوة وسبعة لون , فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب , فذكرت ذلك له , فضحك فقال : (ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما) . فقالا : لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع أن سيكون . رواه البخاري .
من أقوال العلماء في الإصلاح بين الناس :
قال ابن بابويه : إن الله عز وجل أحب الكذب في الإصلاح , وأبغض الصدق في الفساد .
ويقول ابن القيم : فالصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمد فيه رضى الله سبحانه ورضى الخصمين , فهذا أعدل الصلح وأحقه , وهو يعتمد العلم والعدل , فيكون المصلح عالماً بالوقائع , عارفاً بالواجب , قاصداً للعدل , فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم .
وعن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال : كنت جالساً مع محمد بن كعب القرظي فأتاه رجل فقال له القوم : أين كنت؟ أصلحت بين قوم , فقال محمد بن كعب : أصبت , لك مثل أجر المجاهدين , ثم قرأ : (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) .
وقال الطبري عند قوله تعالى : (.. أو إصلاح بين الناس ..) : هو الإصلاح بين المتباينين أو المتخاصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما ليرجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به .
وقال الفضيل : إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلاً فقل : يا أخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى , فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو , ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل , قل : فإن كنت تحسن تنتصر مثلاً بمثل وإلا فارجع على باب العفو , فإنه باب أوسع وإنه من عفا وأصلح فأجره على الله , وصاحب العفو ينام الليل على فراشه , وصاحب الانتصار يقلب الأمور .
من فوائد الإصلاح بين الناس :
1 – الإصلاح بين المؤمنين إذا تنازعوا واجب لا بد منه لتستقيم حياة المجتمع ويتجه نحو العمل المثمر .
2 – بالإصلاح تحل المودة محل القطيعة , والمحبة محل الكراهية , ولذا يستباح الكذب في سبيل تحقيقه .
3 – الإصلاح بين الناس يغرس في نفوسهم فضيلة العفو .
4 – الإصلاح منبعه النفوس السامية , ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج بنفسه ويسعى للإصلاح بين الناس .
5 – اكتساب الحسنات والثواب الجزيل من جراء الإصلاح بين الناس .
6 – إصلاح ذات البين أفضل من نافلة الصيام والصلاة والصدقة .
7 – يثمر المغفرة للمتخاصمين عند المصالحة .
8 – عدم الإصلاح يؤدي إلى استشراء الفساد وقسوة القلوب وضياع القيم الإنسانية الرفيعة .
9 – الإصلاح بين الناس عهد أخذ على المسلمين .
10 – بالإصلاح يتم تماسك المجتمع الإسلامي وترابطه ووحدته في وجه الشيطان وأوليائه الذين يدعون إلى الفرقة والاختلاف .




عن ahmedaly122

شاهد أيضاً

للتفاؤل طــاقه عجيبه وغـــداً مشرق…!