$ فن النصيحة $


إن موضوع فن التعامل مع الإنسان كبيرُ جداً تعتني به كل الشعوب في العالم ومن بينها الشعوب الإسلامية .
ولدى الغربيين معاهد خاصة يُدَرّسُ فيها ما يسمى بــ ” المهارات الاجتماعية ”
كيف يتحدث الإنسان ؟ كيف يكسب الثقة بنفسه ؟ كيف يكون لبقاً في الحديث مع الناس ؟
والإسلام فيه الكثير من كنوز الآداب ، ومنها آداب التعامل ،
وقد أُعطينا القدوة من الأنبياء وخاتمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً .
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } (21) سورة الأحزاب
ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن يستفيدوا منها ،
ولم يتجاوزوا حتى الآن مرحلة التنظير ( مرحلة الفكر ) .
يقال : من آداب الصحبة كذا .. من آداب العشرة كذا .. من آداب الحديث كذا ..
فالغالب هو التعليم وليس التربية ، والتطبيق العملي هو المطلوب .
لتكون القيم سلوك يطبق وليس يتحدث عنه .

وهذه النقاط التالية إن طُبقت عملياً فستصل بصاحبها إلى هدفه ،
وهو النجاح في قبول نصيحته عند الآخرين :

* الناس يكرهون من لا يحترم إنسانيتهم : الإنسان ليس آلة وإنما هو إنسان بروحه وجسمه وعقله ومشاعره ،
وهو محتاج إلى تغذية هذه الأمور كلها والتركيز عليها كاملة حتى يكون التعامل مع الإنسان شاملاً ومؤثراً ،
وبعض الناس يخطئون عندما يريدون تقديم النصيحة يتعاملون مع الفكر فقط ، أو العقل فقط دون أن يهتموا بمشاعر الإنسان الذي يتعاملون معه .
فمثلاً : عندما تنصح شخصاً وتحرص على أن تكلمه وأنت تنظر إليه فإن سيشعر أنك تحترمه وتقدره ،
بعكس ما إن كنت تنصحه وأنت تتكلم وتنظر إلى ورقة أمامك أو إلى مكان آخر ،
فإنه سيشعر إنك غير مهتم به وأن ما تريده هو إيصال فكرتك فقط …
إن احترام إنسانية الإنسان هي من أخلاق المسلم وهو إنما يفعل ذلك ليكسب رضا الله سبحانه وتعالى ،
وليبحث عن الأجر العظيم الذي يحصل عليه من الأخلاق الطيبة ،
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يألف ويُؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس )

* الناس يكرهون النصيحة في العلن : لا يختلف اثنان في أن النصيحة في العلن يكرهها الناس ،
لأن كل الناس يكرهون أن تُبْرَزَ عيوبهم أمام غيرهم ، كل الناس مسلمهم وكافرهم لا يحبون أن يُنصحوا في العلن ،
ولكن إذا أُخذ جانباً ونُصح على انفراد فإن ذلك أدعى للقبول وأدعى لفهم المسألة ،
يقول الإمام الشافعي :
تَعْمّدنْي بِنُصحِكَ في انْفرادِيِ
وجَنّبْني النّصيحَةَ في الجماعَةْ
فإنّ النُصْحَ بين النّاسِ نوْعٌ من
التَوْبيخِ لا أرضى استْمَاعَهْ
فإن خالَفْتني وعَصَيْتَ قَوْلي
فلا تَجْزعْ إِذا لَمْ تُعْطَ طاعَةْ
وبعض الناس يريد أن تكون النتائج فورية فيُحبُ من الناس أن يغيّروا ما بهم بمجرد أن يُنصحوا !
فيكون مخطئاً في تقديره وغير فاهم لطبيعة البشر ،
إذ لابد أن يأخذ الناس فترة كافية للتفكير وفرصة مناسبة للانسحاب …

* الناس يكرهون الأسلوب المباشر في النقد : الناس كل الناس لا يحبون أن تقال لهم الأوامر مباشرة :
افعل كذا لا تفعل كذا ، فطبيعة البشر تأبى ذلك ، إذا أرت أن تقدم أمراً قدمه بأسلوب غير مباشر وبطريقة لطيفة ، فذلك أدعى للقبول ،
وعلى الرغم من أن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله كان منها أوامر مباشرة ،
إلاّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم أساليب أخرى مثل أسلوب الخبر : يقدم الخبر فيفهم الناس ماذا يراد ،
من ذلك ما ورد في قصة القوم الفقراء الذين جاؤوا ، وتأثر الرسول صلى الله عله وسلم لحالهم من الفقر ،
فقام وخطب الناس ، ثم قال : ” تصدّق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع مرة ”
ثم جاء رجل من الأنصار بصُرّةٍ كادت تعجز يده عن حملها وقدمها للرسول صلى الله عليه وسلم فاستهل وجهه ،
وقام الناس وتصدقوا حتى أصبح عنده كومة من الصدقات …..
لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم تصدقوا بل قال تصدق و تصدق فعل ماضِ ،
فهناك فرق بين أن تطرح الأمر وبين أن تطرح الرأي …

* الناس يكرهون من يركز على السلبيات دون الحسنات : الناس يكرهون الإنسان الذي نظر إلى عيوبهم
ويترك الحسنات بل وأحياناً ينساها ، فما أحد يسلم من العيوب ،
يقول سعيد بن المسيب : ( ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه )
ويقول كورتو في كتابه ” لمحات في فن القيادة ” :
( هناك طريقتان للحياة : طريقة سلبية قائمة على رؤية المساوئ ، ترى الأخطاء ليس لإصلاحها بل لاستغلالها بشكل هدام والعودة إليها بمناسبة وبدون مناسبة
وطريقة أخرى تنظر إلى الأمور بعين الرضا ، وتبحث عن المحاسن لتنميتها وتحسينها ، وترحم الضعف والأخطاء وتعمل على إصلاحها )

* الناس يكرهون من يعاملهم باستعلاء : الناس يكرهون من يعاملهم باحتقار واستعلاء ،
مهما كان هذا الإنسان ، حتى ولو كان من كان : داعية ، عالماً ، معلماً ، لأنهم لا يحبون من ينظر إليهم نظرة استعلاء ،
ولذلك يحث الإسلام على أن يكون الإنسان متواضعاً ،
يقول تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (159) سورة آل عمران

* الناس يكرهون من يتسرع في التوبيخ والتأنيب : الناس يكرهون من يؤنب ويوبخ في غير محل التأنيب ،
ومن غير تأنّ ودون السؤال والاستفسار ، وقد يكتشف بعد السؤال والاستفسار أن هناك اجتهاداً صحيحاً ،
فقد يظن أن الصواب معه فيبدأ باللوم الشديد ليظهر له بعدها أنه تسرع ،
مما يؤدي إلى أن يتجنبه الناس ويبتعدوا عنه لعلمهم أنه يلوم بتسرع وبأسلوب لاذع ،
فالإسلام يدعونا إلى تحري الحكمة والأسلوب اللين في النصح ،
يقول تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (125) سورة النحل

المرجع : فن التعامل مع الناس

عن

شاهد أيضاً

للتفاؤل طــاقه عجيبه وغـــداً مشرق…!