فوق الطائرة أو فوق الطاولة.. لماذا القلق؟



ياسر الحزيمي

بدأت بيني وبينه بعض الحوارات التي أردنا بها استثمار الوقت وقطع المسافة على متن تلك الطائرة المعلقة في الجو.
كان طموحًا مفعمًا بالحماس ومتحدثًا بارعًا وجليسًا لبقًا لا تمل جلسته.
كان يحدثني عن بعض إنجازاته محلقًا في سماء ذكرياته.. تتزاحم ألفاظه عند فمه، وتتسابق المعاني في عقله، واصفًا ومفتخرًا ومحفزًا.. وفجأة….! بدأ يتلعثم في الكلام، ويكثر من الالتفات، وقد تسارعت أنفاسه وارتعشت أطرافه..
فسألته، ماذا دهاك..؟ وما الذي أشغل تفكيرك وعكر مزاجك..؟
فقال آآآ.. أبدًا.. لا شيء سوى أني لا أحب المطبات الهوائية.
فقلت له: لماذا؟ هل تخشى أن نسقط..؟
فقال: لا لا.. ولكني أكره الاهتزاز بشكل عام
فقلت له: ماذا لو كان الاهتزاز في السيارة، هل ستخاف منه؟
فقال: لا السيارة تختلف، فالإنسان قادر على التحكم بها؟
قلت له: التحكم بها يعني ضمان النتائج..
فقال: تقريبًا، ولكن الطائرة لا يمكن السيطرة عليها، فقلت له: إذن أنت تخشى السقوط، فقال نعم، (والله العظيم أني أخاف أن تطيح الطيارة وما تحتنا إلا البحر، وأنا ما أعرف أسبَح، يعني ميت ميت)، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فقلت: سبحان الله…! هل تسمح لي أن أسألك…. هل تعرف الله…؟ هل تعرفه حق المعرفة…؟ هل تعرف قدرته؟ هل ترضى بقضائه؟ وهل تؤمن بقدره؟ وهل تتوكل عليه حق توكله…؟
فقال نعم والله..
فقلت هل تشعر بحاجتك له الآن؟
فقال نعم..
فقلت: أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد أن من يجلس الآن في بيته مطمئنًا بين أبنائه ليس بأقل حاجة مني ومنك إلى الله..
أخي المبارك: نحن في حاجة الله دومًا…. لا بد أن تحفظ الله في الرخاء ليحفظك في الشدة.. لابد أن تثق به..
فقال: أنا أثق به..
فقلت: أتثق به وأنت تخشى أن تسقط بك الطائرة..؟! وتتوقع أسوأ الاحتمالات، متناسيًا رحمته ومتجاهلًا قدرته وغافلًا عن حسن الظن به؟!
ما أشد تشاؤم الكثير منا، وما أضعف ثقتنا بربنا.. يستعد الطالب منا للامتحان، ويذاكر ويتعب ويبذل السبب، ثم تجده يخاف النتيجة التي لا يملكها سوى الله سبحانه، وتجده يقول: سويت اللي عليّ والباقي على الله…..نعم وربي الباقي على الله، قلها بصوت الواثق، لا بهمهمة المتخوف مما قد يكون.
من بذل الأسباب فليتكل على الله، هو حسبه ونعم الوكيل.
أيها الطالب وأيتها الطالبة: ابذل المجهود، وارضَ بالموجود.. توكل على ربك، وثق أنه أرحم منك بك.
أخي المبارك، لماذا كل هذا الخوف والهلع من الطائرات، ومن الإلقاء ومن المقابلات ومن الامتحانات….. فإذا كان هناك أمل فلماذا هذا القلق؟ وإذا لم يكن هناك أمل فماذا يفيد القلق..؟
سهرت أعين ونامت عيون
في أمور تكون أو لا تكون
فادْرَأ الهمّ ما استطعت عن النفس
فحملانك الهموم جنون
إن ربًا كفاك بالأمس ما كان
سيكفيك في الغد ما يكون
إن من يقلق من المستقبل ويخشى الغد ويتشاءم بما سيأتي ويبكي على ما قد يحصل لا يعرف الله حق المعرفة، وهو بتفكيره هذا يخالف السنن الكونية، ويعارض الأدلة الشرعية، ليبقى سجين عقله المكبل بقيود الوهم وسوء الظن وعدم التوكل على الله جل جلاله..
إن خوفك مما قد يحصل يسلبك الثقة في التقدم لما تريد..
إن التفكير في المستقبل أمر اختياري، فإما أن تفكر بالشر فتشقى قبل وقوعه، وإما أن تفكر بالخير فتسعد قبل حدوثه..
أخي الطالب، أختي الطالبة، استعن بالله، واستعد للامتحان بالمذاكرة والجهد والتعب، لا بالخوف والتشاؤم والقلق..
ذاكر جيدًا، وتوقع الأفضل، ثم أقدم على الامتحان واثقًا بربك سبحانه، فإن حصلت على ما تريد فاحمد الله واطلبه المزيد، وإن لم تحصل على ما تريد فاعلم ثم اعلم ثم اعلم أن الله يعلم وأنت لا تعلم، وأن الله اختار لك الأفضل، وأن الخير يأتي بلباس الشر، ويختبئ تحت معطف المصيبة.
يقول تعالى: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ”.
فقال لي صاحبي: كلامك في الصميم، ولكني مازلت خائفًا من السقوط
فقلت له: (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ) رواه الإمام أحمد.
هذه حياتك، والأمر يعود لك.


مما راق لي




عن Egyacker

شاهد أيضاً

للتفاؤل طــاقه عجيبه وغـــداً مشرق…!