بــــســــم الله الـــرحـــمـــن الـــرحـــيـــــم
تمتاز لغتنا العربية بجمال أساليبها , وقوة عبارتها , وثروتها الضخمة من الألفاظ والمعاني , ولما نزل القرآن الكريم أتى بأروع النماذج اللغوية , وأفصح الأساليب العربية , وأسمى الآيات البينات , فسما باللغة العربية سموآ عظيمآ , وأضفى عليها بهاء ورواء [أي جمال ] , وحفظها على مر القرون , وجدد شبابها حتى ازدهرت في صدر الإسلام , وبلغت فيه أزهى عصورها , وأعلى مراتبها .
وقد حوت كتب اللغة نماذج رائعة من الإبداع اللغوي في ذلك العصر , نعرض عليكم مثال منها ؛ لتدرك ما في لغتك العربية من حلاوة التركيب , وجمال الأسلوب , وبراعة التصوير .
دخلت امرأة على هارون الرشيد وعنده أصحابه فقالت له : يا أمير المؤمنين , أقر الله عينك , وفرحك بما آتاك , وأتم سعدك , لقد حكمت فقسطت ثم سكتت . فعرف الرشيد ما تعني , وسأل أصحابه عما قالت , فقالوا : ما نراها قالت إلا خيرآ . فقال : ما أظنكم فهمتم . أما قولها : أقر الله عينك فمعناه أسكنها , وإذا سكنت العين عن الحركة عميت . وأما قولها : وفرحك بما آتاك فقد أخذته من قوله تعالى : { حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغة } , وأما قولها : وأتم سعدك فأخذته من قول الشاعر :
إذا تـــم أمــتر بـــدا نــقــصه تــرقــب زوالآ إذا قـــيل تــم
وأما قولها حكمت فقسطت فمعناه جرت [ أي : ظلمت ] , أخذته من قوله تعالى : { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } .
ثم التفت إليها الرشيد وقال لها : ممن المرأة ؟ فقالت : ممن قتلت رجالهم , وأخذت أموالهم . فقال لها : أما الرجال فقد مضى فيهم أمر الله , وأما الأموال فمردود إليك .