منذ اللحظات الاولى للولادة والطفل يلوذ بصدر امه لا ليرتوي من لبنها فحسب، وانما بحثا عن (الامان) الذي عاشه في (احشائها) وهو ينشده في (احضانها)، ولعلّ نظراته المشدودة الى عينيها، ودقات قلبها المتناغمة مع دقات قلبه اللصيق بها يشعرانه بالامان المفتقد هناك،
فقبلات الوالدين لأولادهم زَخَمٌ وشحنٌ عاطفيّ لا يستغنون عنه كما لا يستغنون عن غذائهم وشرابهم، وقد يصبرون على هذا لكنهم لا يصبرون على ذاك، وكم استغرب النبي (صلى الله عليه وسلم) من ذلك الاب (الاقرع بن حابس) الذي رأى النبي (عليه الصلاه والسلام) يقبل الحسن والحسين فقال له: لي عشرة اولاد لم اقبّل أحدا منهم، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما مضمونه: ((انك رجل نزعت الرحمة من قلبه))!!
وفي حياة بعض الفتيات والشبان اكثر من (فراغ عاطفي) أي ان هناك هوّة عاطفية تنجم عادة من أجواء أسرية خانقة لا يجد فيها الشاب والفتاة ملاذه الآمن فيحاول ان يبحث عن المعوّضات التي تسدّ له هذا النقص، أو تردم له تلك الهوّة.
فميل بعض الأبناء إلى العم أو الخال أو الجد والجدة، هو ـ احيانا ـ بسبب من هذا الفراغ، وتعلق بعض الصبايا من الفتيات برجال كبار في السنّ، ربما يكون ـ في احد أسبابه ـ افتقادهم للحنان الابوي وعثورهم عليه عند غير الاب ـ وفي الدراسات والبحوث الجنائية اتضح ان احد أهم عوامل الجنوح الى الجريمة هو النقصّ الحاد في التغذية العاطفية للجاني، كما تبين من دراسات اجتماعية ونفسية اخرى ان رغبة بعض الطلبة من الشباب والفتيات بالدروس الخصوصية ليس عدم الاستيعاب في غرفة الدرس، وانما لعوامل غير مباشرة من بينها الظمأ العاطفي الذي يعبّر عن نفسه باشكال مختلفة.
واذا كان المربيّ الأول علية الصلاة والسلام يشدّد على اهمية احتضان ورعاية وكفالة اليتيم، وتمسيد راسه وعدم تحسيسه بوقع الفقد عليه من خلال الاقتصاد أو التحسّب أو التحفّظ العاطفي ازاء الابناء في حضرته، فان هذه اللفتات كلّها توحي ان الفراغ العاطفي او النفسي الذي يخلّفه اليتم كبير، ولابد من السعي لاكماله واتمامه بنحو او باخر حتى يتجاوز اليتيم عقبة اليتم ويخرج الى الحياة معافى من عقدة النقص العاطفي التي لو استشرت لدفعت الى الجنحة والجريمة والاحساس بالجفاء والجفاف الاجتماعي.
إنّ كلمات اللطف الأبوي والحنان الأموميّ والعاطفة الرقيقة التي يعبّر عنها بنبرة الصوت العذب، والدفء الغامر، لها من القوة المنشطة ما لا يجده الشبان والفتيات والصبايا والصبيان في اقوى المنشطات المتوفرة في الصيدليات على الاطلاق.
ان احتضان خطأ الأبناء برفق، وتقدير مشاعرهم بعمق، والانتباه الى ما يجرحهم من كلمات او افعال، واشعارهم ان البيت هو الملجأ، وان صدر الام لا يعوض، وان كتف الاب لا يستبدل. وان جلسة حميمة تغدق فيها المشاعر على مصاب او منكوب او جريح نفسيا لهي مما لا يحصى ثوابه الا الله فضلا عما تؤمّنه من امصال الوقاية من الانهيار النفسي الذي يتعرّض له المصاب بـ (الفراغ العاطفي).
بديهة اجتماعية ونفسية لابدّ من الالتفات اليها: ما لا اجده في بيتي وبين اسرتي، سابحث عنه خارجها، وهذه بداية الطامّة، أو بداية التصدّع الأسري من الداخل حتى وان بقيت الروابط الشكلية بين افراد الاسرة قائمة.
منقوووووووول للفائدة