لم يكن ‘وحش حولي’ آخر ذئب يتحرش بالأطفال ولن يكون الأخير، فالكثير من الوحوش مازالت طليقة بيننا. لكن قضية وحش حولي فتحت ملف التحرش الجنسي على العديد من المستويات كما طرحت الكثير من الأسئلة: كيف تعرف أن طفلك تعرض للتحرش الجنسي؟ ما هي الأعراض التي تشير إلى تعرض الطفل لتحرش جنسي؟ كيف تتصرف إن تعرض طفلك لهذه الجريمة؟ والأهم كيف نحمي أطفالنا من هؤلاء الوحوش؟ الإجابات في هذا التحقيق.
في البداية يعرف استشاري الطب النفسي حسن الموسوي التحرش الجنسي للطفل بأنه اخضاع بالقوة من شخص بالغ للطفل من أجل إرضاء رغباته الجنسية او غير الجنسية مثل: العبث بالأعضاء التناسلية وخلع الملابس وتعريض الطفل لمشاهد جنسية، وقد يصل التحرش ذروته باغتصاب الطفل.
لا توجد إحصائيات
ويواصل د.الموسوي رصده لهذه الجريمة التي يتعرض لها الأطفال فيقول:
التحرش الجنسي بالاطفال ظاهرة آخذة في التنامي في العديد من المجتمعات، ومنها مجتمعاتنا العربية. وعلى رغم أن الاحصائيات التي تحدد أعداد الأطفال الذين يتعرضون للتحرش غير متاحة بدقة في مجتمعاتنا، إلا أن اكتشاف جريمة تهز الرأي العام كل فترة وأخرى تفتح هذا الملف وكيفية التعامل معه، كما حدث في قضية ‘وحش حولي’ أخيرا.
وأول ما يجب أن يعرفه الناس أن من يتحرش جنسيا بالأطفال هو شخص بالغ عادة، ولا يقوم بذلك من أجل الجنس في المقام الأول، إنما يكون دافعه الأساسي هو الانتقام، فعادة ما يكون المتحرش جنسيا تعرض لعملية عنف جسدي في طفولته (تحرش او اغتصاب) وعندما يكبر يقوم بالشيء نفسه الذي حدث معه كنوع من التعويض أو الانتقام من الأطفال الذين يتحرش بهم، لكي يخفف من حدة الألم النفسي الذي مر به يوما، وهو يقوم بذلك مع الطفل الصغير لأنه يعرف أنه أكثر قوة بينما لا يستطيع أن يفعل ذلك مع شخص كبير. كما أن هذا المتحرش يجد لذة في اخضاع الطفل وقهره وهي اللذة التي يبحث عنها في المقام الأول.
هنا المشكلة تبدأ من الصغر فلو أن هذا الشخص لم يتعرض للتحرش صغيرا أو لو يعالج نفسيا بصورة سليمة لتفادينا مجرما في المستقبل يتحرش بالأطفال. ومن هنا تأتي أهمية التوعية التي يجب أن يعرفها الاهل عن التحرش الجنسي وكيفية التصرف مع الطفل الذي يتعرض للتحرش.
آثار مؤلمة
وعن الآثار الخطيرة التي يتركها التحرش الجنسي في نفسية الطفل يقول الاستشاري النفسي للأطفال جاسم حاجية:
التحرش الجنسي بالأطفال موضوع خطير جدا وخطورته ان آثاره تمتد إلى سنوات ما بعد الطفولة. التحرش الجنسي موضوع صعب على الطفل وعلى الأسرة، فالطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي يمكن ان تدمر نفسيته إن لم تعالج الآثار المترتبة على الاعتداء عليه، ومن أخطر هذه الآثار أن الطفل ربما يشعر بالذنب من جراء عدم مقاومته للمجرم، كما أن الطفل من الممكن أن يكرر السلوك الشاذ الذي حدث معه فيعمل ذلك مع أطفال آخرين في المستقبل.
وقد يصاب الطفل بنوع من الانطوائية والانعزالية والاكتئاب، ويزيد التصاقه بأمه أكثر من ذي قبل، وقد يتحول إلى شخص عدواني، ومن فرط الإهانة قد يجهش الطفل بالبكاء مرارا. والأسوأ أن هذه الحادثة يمكن أن تؤثر في علاقة الطفل في المستقبل بالجنس الآخر، فنجده عازفا عن الزواج كارها للارتباط.
علاج نفسي
ويؤكد د. حاجية ان الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي يحتاج إلى تأهيل نفسي على يد اخصائي:
على الأسرة أن تتعامل مع الطفل الذي جرى التحرش به على أنه ضحية وليس الجاني، فبعض أولياء الأمور يعاقبون الطفل المتحرش به وكأنه الفاعل على رغم أنه ضحية وليس له ذنب. . . . تابع
ولابد من عرض الطفل المتحرش به جنسيا على اخصائي نفسي في أقرب فرصة لأنه يحتاج الى علاج نفسي عاجل.
ويرتكب الكثير من الآباء خطأ كبيرا باعتقادهم أن ما مر على الطفل سينسى مع مرور الوقت، وهذا خطأ كبير لأن الطفل يحمل هذا المشهد المرعب في منطقة اللاشعور ويستدعيه في لحظة ما.
وعلى الأسرة أن تنتبه لرسائل الطفل التي قد تكون بطريق غير مباشر، فمثلا عندما يقول الطفل إنه لا يحب السائق او الحارس، هنا على الأسرة أن تستمع إلى وجهة نظره، فقد يكون هذا الكلام رسالة غير مباشرة لتعرضه لتحرش من هذا السائق أو الحارس.
يكون هذا الكلام رسالة غير مباشرة لتعرضه لتحرش من هذا السائق أو الحارس.
كيف تتصرفون؟
سألت المحامي عبدالله التركيت عن كيفية تصرف الأسرة التي تعرض طفلها للتحرش الجنسي فقال:
أول شيء يجب أن يعيه الأهل أنه من الخطأ إخفاء الموضوع بحجة عدم الفضيحة، فالقضية المثارة حاليا اعترف فيها المتهم بأن هناك العديد من حالات التحرش التي ارتكبها لكن لم يتقدم أصحابها ببلاغات ضده. هؤلاء الأهل، على رغم أنني ألتمس لهم العذر، فإنني أقول لهم إنهم لو تقدموا للشهادة ضد المتهم لأحكموا الأدلة ضده وضد كل من تسول له نفسه التحرش باطفال الآخرين.
في حالة معرفة الأسرة بتعرض طفلها للتحرش، فإن أول شيء يجب أن تقوم به هو التوجه إلى مخفر المنطقة والتقدم بشكوى أمام الضابط. والأهم في هذه الحالة عدم غسل ملابس الطفل أو علاج ما به من جروح أو كدمات لأن من الممكن طمس الكثير من الأدلة بذلك، حيث تؤخذ عينات من الطفل المتحرش به وهذه العينات كانت من أدلة اتهام وحش حولي، وهناك قضايا قبض على المتهم فيها عن طريق شعرة واحدة.
والبعض يعتقد أن بلاغه لن يقدم أو يؤخر وهذا خطأ لأن القضية ستظل معلقة وأحيانا تحفظ إلى أن يعرف الجاني، ولنا في قضية ‘وحش حولي’ العبرة، فقد تعددت البلاغات على مدار عام ونصف العام حتى وصلت إلى مرحلة القبض عليه. المهم أن نسارع بالبلاغ ولا نتراخى، فبعض الأهالي يبلغون بعد شهر وهذا خطأ، ويمكن أن تكون هذه الفترة عنصرا في مصلحة المتهم. كذلك بعض الاهالي يعرفون شخصية المتحرش فيعتدون عليه، وهو ما يحول أصحاب الحق إلى متهمين في الوقت نفسه.
وأخيرا أقول إلى هؤلاء المجرمين ان العقوبة التي تنتظركم مرعبة فقد تصل جريمة التحرش أو الاغتصاب إلى الإعدام.
دور الإعلام
تناول وسائل الإعلام لجرائم التحرش الجنسي.. مفيد أم مضر؟
يرى رئيس قسم الإعلام بجامعة الكويت سمير حسين أن الإعلام يلعب دورا مهما في تغطية موضوع التحرش الجنسي بالأطفال لعدة اسباب يرصدها على النحو التالي:
التغطية الإعلامية لقضايا التحرش الجنسي مهمة:
أولا لأنها تشعر الناس بالطمأنينة، وأن المجرم لن يفلت من العقاب، وأن لرجال الأمن عيونا ساهرة على أمن المجتمع.
ثانيا لأن التغطية الإعلامية فيها توعية للأسرة من مخاطر ترك الأبناء من دون رقابة، وتبصرهم بكيفية حمايتهم من التحرش الجنسي.
كما أن التغطية الأعلامية لحالات التحرش الجنسي تعتبر ناقوس خطر للمخاطر التي تحيط بالأطفال لكي تتلافاها الأسرة في المستقبل.
لكن المشكلة تتفاقم لو أن المعالجة الإعلامية أخذت منحى الإثارة، هنا يمكن ان تشعر الناس بالرعب والتخويف، وتفقد التغطية الرسالة التي تريد توصيلها.
وعلينا أن نفرق بين نوعين من التغطية الإعلامية: الصحف التي لا يقرأها الأطفال عادة، والفضائيات وهي الأخطر، لأن الأطفال يمكنهم مشاهدة ما يبث بعيدا عن عيون الأسرة. . . . تابع
وهنا يجب أن تكون معالجة موضوع التحرش الجنسي بأسلوب مدروس وعن طريق استضافة رجال متخصصين في التربية وعلم النفس والدين والاجتماع والإعلام والقانون، بحيث تقدم إلى الناس التوعية السليمة والمعلومات المفيدة. كما يجب ان تكون التغطية بأسلوب مدروس لا يشتمل على ألفاظ إباحية وأن تكون في أوقات متأخرة بعيدا عن الأطفال ومسامعهم.
الفضائيات غطت في الوقت نفسه قضيتي تحرش جنسي بالأطفال، الأولى في الكويت (وحش حولي) والثانية في مصر (قضية الطفلة هند)، بعض الفضائيات تعاملت باستاذية مع الموضوع بحيث غطت الحدثين باسلوب مهني يبحث عن الحقيقة وتحذير الناس من خطر ترك الأبناء من دون رقابة، وبعضها قدم لهم نصائح كانت بمنزلة روشتة علاج، وبعضها غطى الموضوع من باب السبق والإثارة الإعلامية التي طغت على كل رسالة ومن دون مراعاة للألفاظ والكلمات التي تقال، وبعضها تحدث عن مشاهد كاملة من دون تحذير للأسر من وجود الأطفال.
ما الأعراض التي تظهر على الطفل المتحرش به؟
يشير د.حسن الموسوي إلى أن هناك أعراضا تظهر فجأة على الطفل، ربما تشير إلى أنه تعرض للتحرش الجنسي منها:
يصبح نومه مضطربا ويعاني كوابيس مزعجة.
لا يأكل او تقل قابليته للطعام عن ذي قبل.
يتغير مزاجه حيث يصبح سريع البكاء وسريع الهيجان والإثارة.
يلاحظ عليه الانطواء والانعزال عن زملائه وأفراد أسرته.
يشعر بالخوف الشديد.
يصبح سلوكه أكثر عدوانية.
معلومات تحمي أطفالكم
يشير د.جاسم حاجية الى ان على الأسرة أن تمد الطفل بالمعلومات التي تكون بمنزلة طوق النجاة من حوادث التحرش الجنسي، مثلا يجب توعية الأطفال باسلوب سهل بعيد عن الابتذال بأجسامهم، ويجب أن نقول لهم انه ليس من حق أي شخص لمس أجسادهم. والطفل ذكي يعرف اللمسة البريئة من غير البريئة.
كما يجب أن ننبههم إلى عدم الوثوق بالغرباء بسهولة، ولابد أن نعلمهم حسن التعامل مع الأزمات، وكيفية التصرف في حالة تحرش أحد بهم، لأن الطفل في هذه السن لو كان غير مدرب على التصرف سيحدث شلل لتفكيره. لذلك يجب على الأسرة أن تطلب من الطفل الصراخ بصوت عال وطلب النجدة في حالة التحرش به، فهذا التصرف قد يساعد في نجاته. أيضا يجب أن نعلمه أن يعض يد المتحرش لو كتم أنفاسه. المهم أن نزرع في الطفل قدرة عدم الخضوع للمتحرش ومقاومته بذكاء.