كيف يستفيد طفلك من العطلة الصيفية؟
فاطمة عبد الرؤوف
منقول من موقع رسالة الإسلام
يعد التخطيط الجيد أحد مظاهر الإبداع والتميز من أجل النقلة الحضارية التي نستشرفها ونهفو إليها، وإذا كنا متفقين أن أطفالنا هم المشروع الحيوي الذي نقدمه لأمتنا للخلاص من مأزقها الحضاري، كان لزاماً علينا أن نحسن التخطيط لحياتهم ولأوقاتهم، ومن أهم الأوقات التي تحتاج للإبداع في التخطيط هي فترة العطلة الصيفية، حيث يتسع وقت الأبناء للكثير من الأنشطة والخبرات، وإلا فإن ترك فترة العطلة للنشاط العشوائي هو الطريق السريع لتكوين جيل تافه لا يأبه بمعالي الأمور، ولا بقيم الحياة الرفيعة، جيل تكون ثقافته أفلام الكارتون المصنوعة في بلاد الغرب، وألعاب الفيديو العنيفة التي تمثل التربة الخصبة لتكوين إنسان همجي متبلد الشعور.
وليس معنى التخطيط لحياة الطفل في العطلة أننا سنحدد له كيف سيقضي كل دقيقة من يومه، ولكن معناه ببساطة أننا سنضع له الخطوط العريضة لبرنامجه الصيفي بالمشاركة الكاملة منه والاقتناع بقيمة هذه البرامج، فالاقتناع هو بوابة الحب أي التفاعل الإيجابي النشط مع هذه الخطط.
وهذه مجموعة من الأفكار التي تساعد الوالدين على تنمية حياة طفلهما في العطلة يراعى فيها اختيار النشاط المناسب للمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل.
وإذا كان لكل أسرة ظروفها وطبيعتها من حيث امتلاك الوقت الذي سيتم قضاؤه مع الأولاد، أو امتلاك مهارات تربوية معينة كالقدرة على الحكي وجذب انتباه الطفل أثناء ذلك مثلاً، إلا أن القاعدة الأساسية التي تحكم مدى النجاح في استفادة الطفل من العطلة الصيفية تتوقف على مدى عزمنا أن نحقق نقلة نوعية في حياة أبنائنا وما يستتبع ذلك من جهد يدور مجاله الأساسي داخل نفوسنا نحن الراشدين المثقلين بأعباء الحياة وضغوطها، فما لم نحرر أنفسنا ونتخلى عن هزيمة أنفسنا بالقول إننا غير قادرين على التخلي عن العصبية وأنه لا طاقة لنا للتفاعل مع حيوية الصغار، وكثرة ما علينا من أعباء ونحو ذلك من حجج يسولها لنا الشيطان للقعود عن فعل إيجابي مع صغارنا؛ فلن يكون لهذه الأفكار صدى أو مردود حقيقي لتنمية أطفالنا.
الترفيه واللعب
من البدهي في عقول الأبناء أنه لا معنى للعطلة الصيفية دون لعب وترفيه، أو بمعنى أدق زيادة المدة المخصصة لهما والحد الأدنى لذلك الخروج مع الطفل في نزهة مرة واحدة في نهاية الأسبوع.
أما إذا كان قرار الأسرة قضاء بضعة أيام على الشاطئ (تصييف) فلابد من مراعاة الآداب الشرعية خاصة للأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة وفترة المراهقة من التزام بالحجاب الشرعي وغض البصر والحفاظ على مواعيد الصلاة، واختيار الشواطئ الهادئة يكون هو الخيار الأفضل، ورحم الله الشيخ الشعراوي حيث يقول : لم يكن الصيف يعني لنا ونحن صغار الهروب إلى الشاطئ، بل كنا نهرب إلى أهلنا في الريف نقضي معهم أياماً طويلة ممتعة في جو من الهدوء والطبيعة الساحرة، فيا ليتنا نفكر في هذا البديل أي قضاء أيام مع أطفالنا في أحضان الريف مع الأهل والأسرة، فتكون فرصة لنا للاستجمام ولأبنائنا في الانطلاق وتعلم مهارات جديدة ومشاهدة طبيعة مختلفة، فهي فرصة رائعة للتعلم كما أنها توطد صلة الطفل برحمه وهي صورة من صور الاحتجاج على مادية هذا العصر المفروضة علينا بقوة العولمة.
شراء عدد من الألعاب الممتعة والهادفة في الوقت ذاته كالمكعبات والبازل وأدوات الطبيب والمهندس والخباز والبنا والمعلم ليتعرف الطفل على المهن المختلفة بينما يلعب ويلهو.
تعد الألعاب المائية من الألعاب المحببة جدا عند الأطفال، ومن الممكن أن يلعبها الطفل أثناء استحمامه في البانيو ومن الممكن عمل قوارب من الورق أو البلاستيك وتحريكها في حوض مليء بالماء وغيرها من الألعاب المائية وما أجمل أن يشترك الطفل في مدرسة لتعلم السباحة فيقوى جسده ويتعلم مهارة مهمة ويستمتع أيضا.
كما أن اللعب بالكرة من الألعاب الرائعة والتي تمنح الطفل النشاط وهي غير مكلفة بالمرة ومن الممكن صناعتها من الإسفنج فيتم اللعب بها دون خسائر.
ومن الألعاب المحببة جدا اللعب بالعرائس من خلال مسرح عرائس أو تمثيل وقص الحكايات وما أجمل أن يشترك الآباء والأبناء في صناعة عرائس بسيطة.
أنشطة هادفة
وهذه مجموعة من الأنشطة الممتعة أيضا ولكن الهدف الأول منها إكساب الطفل مهارات عملية ومن ذلك:
تعلم الطباعة بشكل بسيط فيتم إحضار قالب من الشمع أو الصابون ونحفر عليه الشكل الذي يريده الطفل ثم نضع اللون المحبب ويتم الضغط على قطعة قماش ثم يترك ليجف.
قضاء يوم في الأسبوع في المطبخ نشاط مميز للأطفال، خاصة البنات حيث يتم تعليمهن بعض الأكلات البسيطة، ونترك لهن مساحة من المشاركة الفعلية في إعداد الوجبة، ولا ننسى الإشادة بالطفل على المائدة وتقديم الشكر له على الطبق الذي صنعه للأسرة.
تحديد مكان في المنزل ونسميه (الورشة) في أحد أركان حجرة الطفل، نضع فيه منضدة صغيرة وكراسي وسلة قمامة وألوانًا ومقصاً وصمغاً وأوراقًاً ملونة ومجلات وجرائد قديمة وعلب الكرتون الفارغة ولفات مناديل الحمام الفارغة وعلب بلاستيك فارغة وكرتون البيض وورق الألمنيوم وزجاجات بلاستيك فارغة وصناديق الكرتون الكبيرة وعبوات الكريم الفارغة، إضافة إلى الصلصال والألوان والحصى وأوراق الأشجار والصدف ومقص آمن، ونرتب هذه الأشياء وننسقها ونضع كل مجموعة متشابهة معاً بمساعدة الطفل نفسه، ونقضي معه بعض الوقت في القص واللصق والتركيب ونحو ذلك، ثم نتركه ليقوم بذلك بنفسه، وعلينا أن نشيد بجهده ونعلق أعماله في حجرته ونشيد بها في وجود الضيوف على أن يتم الاتفاق مع الطفل أن تبقى الورشة دائما منسقة ومرتبة أثناء اللعب وبعده، وإلا فإنه سيتم إغلاقها لمدة يوم مثلا أو يومين، فنعلمه مهارة النظام أيضا.
ومن الخامات التي يمكن أن نوفرها للطفل في الورشة جوارب قديمة نظيفة، حيث يعمل الطفل على حشوها بأوراق الجرائد والمجلات والإسفنج وقطع القماش القديمة، وهكذا سيكون لديه كرات ملونة تسهم في نشاط الطفل الجسدي.
وكذلك نستطيع أن نقص جانبي صندوق كرتون كبير ونعمل مع الأطفال على تلوين الكرتون أو لصق الصور عليه ومن ثم يصبح لدينا نفق يمر فيه الأطفال من جهة إلى أخرى.
المسابقات نشاط مميز ومن الممكن الاستفادة منها في إشراك الأطفال في منافسة من ينظف حجرته أولاً، أو من يرتب سريره أولاً وبشكل أكثر إتقاناً.
لا يمكن أبدا أن ننسى نشاط الرسم والتلوين وتعليم الطفل مزج الألوان للحصول على ألوان جديدة ومميزة مع تخصيص لباس معين للطفل أثناء اندماجه في هذا النشاط، ومن الممكن وضع مشمع على أرضية الحجرة في ركن الرسم.
ما أجمل أن نشجع الطفل على زراعة بعض حبات الحلبة على شباك حجرته فهي نبات جميل ويكبر بسرعة، فيراقبه الطفل وينمي في قلبه حب الجمال، وفي السياق نفسه من الممكن أن نحضر حوضاً من الأسماك حيث سيقضي الطفل وقتاً كبيراً في مراقبة حركة الأسماك الملونة الجميلة.
القراءة والمعرفة
القراءة هي البوابة الذهبية للمعرفة، وإن عشق الطفل للقراءة هو وسيلتنا لبناء جيل جديد متميز، جيل يعيد أمجاد أمة “اقرأ” لذلك لابد من بذل الجهد لغرس هذه العادة في نفوس الأبناء، وكلما بدأنا مبكراً في القراءة للطفل ترسخت هذه العادة في نفسه، حيث يستطيع الطفل ذو العامين أن يستمتع بقراءة قصة بسيطة بأسلوب مؤثر، ومن المهم أثناء القراءة أن نجعل الطفل يشارك بصورة إيجابية فنسأله مثلاً ما رأيك في هذا الموقف، أو ماذا تعتقد أنه حدث بعد ذلك، أو كيف تتخيل نهاية هذه القصة، أو أريدك أن تتخيل نهاية أخرى لهذه القصة.
ومع تعلم الطفل مهارة القراءة لا ينبغي أن نبخل عليه بالقصص والمجلات التي تناسب سنه، وبذل الكثير من الجهد في عملية الاختيار، وإشراكه في عملية اختيار الكتب مسألة ضرورية فهي تدفعه دفعاً للتعلق بالكتاب، وعلى المربي الإسلامي أن يشجع الطفل على قراءة الكتب ذات الصبغة الدينية وقصص الأنبياء والمرسلين وعظماء تاريخنا وسيرة نبينا العطرة، وهناك العديد من دور النشر الإسلامية التي قدمت إسهامات مميزة في هذا المجال.
وما أجمل أن نهيئ للطفل ركناً هادئاً وأوراقاً وأقلاماً وندعه يبدع لنا قصة أو مقالاً أو خاطرة من تأليفه، وسنجد الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة ومرحلة المراهقة لديهم ميول كبيرة للتعبير عن نفسهم من خلال الكتابة.
حتى الصغار يستطيعون تأليف قصص بسيطة تحث على الأمانة والصدق ونحو ذلك من الأخلاقيات الجميلة، ويرسمون لها الصور المناسبة ويقومون بتلوينها أيضا.
تعلم القرآن
ولا يمكن الحديث عن العطلة الصيفية دون أن نذكر معايشة الطفل للقرآن الكريم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه” رواه البخاري. فلماذا نحرم أنفسنا من هذه الخيرية وإذا كانت مدارس تحفيظ القرآن الكريم موجودة طوال العام وعلاقة الطفل بالقرآن الكريم هي الأخرى مستمرة طوال العام فإن فرصة العطلة الصيفية وما تتضمنه من مساحة واسعة في الوقت هي فرصة ذهبية لمزيد من الحفظ والمراجعة، وما أجمل أن تلتقي الأسرة ولو مرة أسبوعياً في حلقة لتعلم أمور الدين وعلى رأس ذلك القرآن الكريم، ويستتبع ذلك البحث عن المساجد والمراكز الإسلامية التي تقدم برامج شيقة ومفيدة للأطفال والمراهقين وتشجيع أبنائنا على الالتحاق بها.
ويبقى المجال مفتوحاً لإبداع الوالدين ـ خاصة الأم ـ من أجل عطلة رائعة للأبناء.