ذات يوم كنت أتلو كتاب الله وإذا بي أتلو آية فزعت رعباً منها وكأني أقراها لأول مرة
الآية رقم 17 من سورة النساء يقول الله سبحانه وتعالى
“إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”
جلست اتاملها واقول لن يقبل الله توبتنا فنحن جميعا نفعل الذنب ونعرف أنه ذنب
فغالبا عندما نرتكب الذنوب نعرف أنها ذنوب فكاد قلبي يتقطع خوفا هلكت إلى كتاب
التفسير حتى اعرف معنى الاية وتفسيرها وأحببت أن أفيدكم بما عرفت
“وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ
يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا”
الاية 18
فالحمد لله الذي يرحمنا ويقبل التوبة من عباده فمعنى الاية ليس كما وصل لي لاول
وهلة بل المقصود كما في التفسير أن العبد عندما يفعل الذنب يكون جاهلا بالاقدام
على معصية الله فكل عاص هو جاهل حين معصيته و
إنما سموا جهالا لمعاصيهم ، لا
وللوقوف على معنى هذه الاية اكثر إليكم هذه الفتوى
إذا انخرط شخص في معصية وهو يعلم أن ذلك يُغضب الله ، ثم تاب ، فهل تُقبل توبته؟ وما
توجيه قوله تعالى : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من
قريب..) وقوله : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم
ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). وهل قول مجاهد معتبر
في تفسير الآية الأولى حيث قال:”أن من عصى الله ، سواء بعلم أم بغير علم ، هو جاهل “؟.
إذا أذنب العبد وهو يعلم أنه يعصي الله ويخالف أمره ويعرض نفسه للعقوبة ، ثم تاب توبة
صادقة تاب الله عليه وغفر له مهما كان ذنبه عظيما ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
” إذَا تَابَ الْعَبْدُ مِنْ الذَّنْبِ غَفَرَهُ اللَّهُ لَهُ ، شِرْكًا كَانَ أَوْ غَيْرَ شِرْكٍ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (18/ 340) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
” إذا تاب العبد توبة نصوحاً صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه
ثواب حسناته “
انتهى من “الوابل الصيب” (ص: 12) .
وأما قول الله تعالى : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ
قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/ 17 .
فالمقصود بالجهالة في الآية : الإقدام على معصية الله ، وليس المقصود أنه لا يعلم من
الأصل أن ما يفعله ذنب ومعصية ، فهذا إن تاب من قريب تاب الله عليه ، وكل من تاب قبل
الموت فقد تاب من قريب ، وهذا من فضل الله وواسع رحمته بعباده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” قال أبو العالية : سألت أصحاب محمد عن هذه الآية فقالوا لي : كل من عصى الله فهو
جاهل وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ، وكذلك قال سائر المفسرين .
قال مجاهد : كل عاص فهو جاهل حين معصيته ، وقال الحسن وقتادة وعطاء والسدي
وغيرهم : إنما سموا جهالا لمعاصيهم ، لا أنهم غير مميزين .
وقال الزجاج : ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء ؛ لأن المسلم لو أتى ما يجهله كان
كمن لم يواقع سوءا ؛ وإنما يحتمل أمرين : ( أحدهما ) : أنهم عملوه وهم يجهلون المكروه
فيه . والثاني : أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة ، وآثروا العاجل على
الآجل؛ فسموا جهالا لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة .
والمقصود هنا أن كل عاص لله فهو جاهل ، وكل خائف منه فهو عالم “
انتهى من “مجموع الفتاوى” (7 /22) . وراجع : “تفسير ابن كثير” (2 /235) .
أنا رجل كبير عندي من العمر تسعة وخمسون عاما ، وهرعت عندما سمعت قول الله تعالى :
( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ) فهل فعل السيئة بالعلم أنها سيئة تمنع التوبة ؟
” لا يمنع التوبة إقدام الإنسان على المعصية وهو يعلم أنها معصية ، ويشترط للتوبة ثلاثة
شروط : الإقلاع عن المعصية ، والندم على ما مضى ، والعزم على عدم العودة إلى المعصية
وإن كان هناك حق لآدمي وجب رده إليه أو استباحته منه ، وكل من عصى الله فهو جاهل“
انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (24 /308-309) .
قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/ 135 .
لا يخالف ما تقدم ، ومعنى الآية : أن من صفات عباد الله المتقين أنهم إذا صدر منهم
أعمال سيئة كبيرة ، أو ما دون ذلك ، بادروا إلى التوبة والاستغفار ، وذكروا ربهم ، وما
توعد به العاصين ووعد به المتقين ، فسألوه المغفرة لذنوبهم ، والستر لعيوبهم ، مع إقلاعهم
عنها وندمهم عليها ، فلهذا قال : ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون )
ينظر : “تفسير
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” إِذَا أَصَرَّ عَلَى الصَّغِيرَةِ صَارَتْ كَبِيرَةً وَإِذَا تَابَ مِنْهَا غُفِرَتْ … وَإِذَا تَابَ تَوْبَةً صَحِيحَةً غُفِرَتْ
ذُنُوبُهُ ، فَإِنْ عَادَ إلَى الذَّنْبِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ أَيْضًا . وَإِذَا تَابَ قَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ أَيْضًا ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (11 /700) .
راجع للاستزادة في باب التوبة إجابة السؤال رقم (
46683) .
الإسلام سؤال وجواب
ملاحظة: التفسير الذي في التصاميم تفسير السعدي