ماتت وهى ترقص ودفنت وهى ترقص وهذة هى الحكاية
ركبت السيارة ، كشفت الغطاء عن وجهها..أصلحت من حال عباءتها ، تأكدت من حقيبتها ..
الهاتف النقال ، المال ، عطرها …. لم تنس شيء,.
انطلقت السيارة بهدوء نحو صالون التجميل ، وتجولت هي بنظرها …
وقفت السيارة ، ارجع إلينا الساعة الثانية عشر …
…
النساء كثير في الداخل ، لا بأس فأنا عميلة دائمة ومميزة
لابد أن تراعي صاحبة الصالون هذا الأمر وإلا
استقبال حافل ، تبادلن الابتسامات ، ذهب الخوف ، لن نتأخر كثيراً …
هذا حمام زيتي ، انتظري ساعة …
مجلة أزياء ، عرض لبعض التسريحات ، قلبت الصفحات تنقلت بين المجلات المختلفة…
مضت الساعة ، ارتفع آذان المغرب ، أسلمت نفسها لمصففة الشعر
جففت شعرها ، غاب الآذان ، ومضت الصلاة …
إزالة الشعر وتنظيف البشرة ، أنصتت لموسيقى هادئة ، تحولت لأخذ حمام مائي …
ارتفع الآذان ، إنها صلاة العشاء ، لم يتبق على الفرح سوى بضع ساعات …
وضعت رأسها بين يديّ المصففة ، اختارت التسريحة ، تناثر الشعر بين يديها ، يودعها وداعاً حزيناً
ألقت نظرة إلى المرآة لم تعرف نفسها ، ارتسمت ابتسامة على شفتيها ، لن يسبقني أحد …
رسمت وجهها لطخته بالألوان ، تغيرت ملامحها ، نظرت إلى الساعة
الواحدة ، ألقت العباءة على كتفها ، وبحذر شديد و ضعت الغطاء على رأسها …
ركبت السيارة … إلى المنزل بسرعة لقد تأخرت …
لبست فستانها ، تعرت من حياءها ، بدت بطنها ، وسائر ظهرها
أنكمش الفستان عن ركبتيها ، دارت حول نفسها ، لن يغلبني أحد …
^****^****^****^
العيون ترقبها ، الكل يتأملها ، نظرات الاعجاب تحيط بها ، تقترب منها …
نظرات السخط تنفر منها ، تغمض عينيها تقززاً من حالها …
السفيهات يلاحقنها بالتعليقات الساخرة …
رقصت على انغام الموسيقى ، اهتز جسدها …
تنوعت الأغاني وتنوع رقصها … لم يسبقها أحد ، ولم يغلبها أحد …
الكل يتابعها ، الكل يتحدث عنها …
من أين أتت بكل هذا ؟
كيف تعلمت كل هذا ؟ وكيف حفظت كل هذه الأغاني ؟ الكل يعرف الإجابة …
^****^****^****^
توقفت عن الرقص ، سقطت على الأرض ، ارتفع الصراخ
تدافع النساء إلى المسرح ، نادوها فلم تجب ، حركوها فما تحركت
ارتفع الصراخ ، حملوها ، أحضروا الماء ، مسحوا وجهها ، بكت الأم والأخوات
ارتفع العويل ، علا النحيب ، تدخل الأب والأخ
اختلطت الأمور تحول الفرح إلى حزن ، والضحكات إلى بكاء ، توقف كل شيء …
ألبسوها … غطوا ما ظهر من جسدها …
حضر الطبيب ، أمسك بيدها ، وضع سماعته على صدرها
أرخى رأسه قليلا ، انطلقت الكلمات من شفتيه لقد
ماتت … لقد ماتت …
^****^****^****^
ارتفع النحيب ، جرت الدموع …
ألقت الأم بجسدها على صغيرتها الجميلة
أخفى الأب وجهه بين يديه ، الأخ يدافع عبراته
خلاص يا أمي خلاص …
قامت الأم مذهولة ، صرخت ، لقد تحركت ، تحولت الأنظار نحوها
لقد جنت ، لقد ماتت هكذا قال الطبيب …
أسرع الأب والأخ والأخوات نحو الأم …
المشهد رهيب ، والمنظر مؤلم …
سقطت الأم على الأرض…
الأخوات فقدن السيطرة على مشاعرهن …
والأخ يصرخ … لا … لا … مستحيل …
تجلد الأب ، أمسك بالأخ ، وبلهجة حازمة أخرج الأخوات
وهن يحملن أمهن …
حضر بعض النسوة من الأسرة …
نظروا إلى الميتة ، ترقرقت الدموع ، وضعت الكبيرة منهن يدها على رأسها
انطلقت منها كلمة : فضيحة … فضيحة …
أسرعت نحو الأب ، يجب أن تستر عليها ، أحضروا المغسلة هنا
ادفنوها بين الصلوات ، إنها فضيحة ، ماذا يقول الناس عنا …
أرخى الأب رأسه ، نعم ، نعم …
إنا لله وإنا إليه راجعون …
^****^****^****^
جاءت المغسلة ، جهزت سرير الغسل ، وضعت الأكفان والطيب ، جهزت الماء …
أين جثة المتوفاة ؟…
سارت العمة أمامها ، فتحت الباب …
الفتاة على السرير مغطاة بغطاء سميك ..
وبجانب السرير وقفت الأم تكفكف دموعها …
أمسكت بورقة الوفاة ، الاسم ………… العمر : ثمانية عشر عام
سبب الوفاة : سكتة قلبية …
شعرت بالحزن ، نطقت بكلمات المواساة للجميع …
كشفت الغطاء ، تحول الحزن إلى غضب ، لماذ تركتموه على هذا الوضع
لقد تصلبت أعضائها ، كيف نكفنها …
الحاضرات لم يستطعن الإجابة ، سكتن قليلاً …
زاد حنق المغسلة ، انبعث صوت الأم ممزوجاً بالبكاء …
لم تكن هكذا حينما ماتت ، لقد اتخذت هذا الوضع بعد لحظات من موتها …
لقد سقطت على المسرح وهي ترقص
حملناها جثة هامدة ، حضر الطبيب ، كتب التقرير
ايقنت حينها بأنني قد فارقت ابنتي ، ألقيت بجسدها عليها
رحت أقبلها ، وأبكي ، شعرت بيدها اليمين ترتفع
ويدها اليسرى تعود وراء ظهرها ، أما قدمها اليسرى فقد تراجعت للوراء
أرعبني الموقف ، صرخت حينها ثم سقطت على الأرض
لأجد نفسي في غرفتي ومن حولي بناتي يبكين أختهن
ويبكين نهايتها المؤلمة …
انتحبت بالبكاء ، أنا السبب أنا من فرط في تربيتها
أنا من غشها ، ياويلي وياويلها من عذاب الله ياويل أباها وياويلنا جميعاً …
كانت تحب الرقص والغناء ، فماتت ……
وستدفن في قبرها …….. يارب ارحمها يارب ارحمني يارب اغفر لها …
محاولات لأعادة جسدها إلى وضعه الطبيعي ، الفشل كان النتيجة …
بذلت المغسلة مجهوداً جباراً في تكفينها …
وفي لحظة هدوء وبعيداً عن العيون ، نقلت الجنازة إلى المقبرة …
وهناك صلى عليها الأب والأخ وبعض المقربين …
نعم لقد دفنت وهي في وضع راقص …
اللهم
ثبتنا عند الموت ..وجعل خاتمتنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله..اللهم ارحمنا اذا غسلنا اهلونا وارحمنا اذا كفنونا ياارحم الراحمين