مرحبا بالجميع
هل الشراهة في تناول الطعام تسبب السمنة فقط ؟
قد نعتقد أن الأثر الوحيد هو أن نصاب بالسمنة وهذا غير صحيح. فالأكل الكثير له أكثر من ضرر. وهذه هي الصورة الكاملة لما قد يحدث لك إذا تعودت أن تأكل أكثر من اللازم.
الإفراط في الطعام كان دائماً، ولا يزال، حقيقة واقعة. فقد كان أطباء العصور القديمة يربطون بين مرض النقرس وبين الإفراط في الأكل، كما أن البدانة الشديدة هي بالطبع ظاهرة قديمة رغم أن بعض سماتها وآثارها المتعلقة بالغدد الصماء قد تكون مفهومة بصورة أفضل في ايامنا هذه، ومع ذلك فإن الإفراط في التغذية الذي يضر بصحة الشعب كله هو تطور حديث نسبياً نجم من عاملين جديدين يؤثران على كثير من السكان في البلدان المتقدمة فنياً، وهما سهولة تيسّر الأغذية النقية ذات السعرات الحرارية العالية والتي تنتجها الصناعات الغذائية، ونقص مستويات النشاط الجسماني نتيجة لتقدم وسائل الانتقال وعمل الآلات، وفي الواقع، لم يعترف إلا في العقدين الأخيرين بأن الإنسانية تواجه وباء واسع النطاق لأمراض القلب والأوعية الدموية باتجاه يؤثر على شعوب بأكملها، وأن الافراط في التغذية واحد من أهم العوامل المساهمة في ذلك
.
ويمكن تعريف الإفراط في التغذية بأنه التزود من الطعام بما يفوق ما يُستهلك من سعرات حرارية. ومن ثم فإنه حالة من اختلال التوازن تؤدي إلى تجمع الدهون في الخلايا الدهنية التي تظهر في شكل بدانة.
وثمة طرق عديدة لتقدير البدانة (أو تقصيها) وهكذا النحافة، فوزن الجسم لا ينبىء عنها بصورة كافية ما لم يؤخذ معه بالاعتبار الجنس والطول ومظهر الجسم، ويمكن تقدير البدانة بقياس سماكة طيات الجلد بواسطة جهاز خاص بسيط.
والبدانة صفة ذات درجات شديدة منها ما يسهل التعرف عليها بالطبع، ولكن بين الجسم النحيف البادي النحافة والجسم البدين بدانة ملحوظة توجد مراحل انتقالية عديدة.
فالشخص ذو الجسم المتوسط في المجتمع يمكن أن ينظر إليه كبدين في بيئة اجتماعية أخرى، لأن قضية الحالة البنيوية قضية معقدة غاية التعقيد.
والمخرج العلمي هو التعريف بوزن الجسم المثالي بأنه ذلك الوزن المرتبط بأدنى نسبة وفيات عامة إذا أخذ بالاعتبار تكوين الجسم، والسن والجنس، رغم أن هذه البينات وتلك قد تتفاوت في بعض المجتمعات، ففي المجتمعات الغنية قد يكون وزن الجسم المرغوب أقل كثيراً من المعدل.
وليست جميع حالات البدانة ناجمة فقط عن الإفراط في الأكل، فإن الوراثة تلعب في ذلك دوراً هاماً، كما أنه في بعض الحالات _رغم ندرتها النسبية _ تعزى البدانة إلى أمراض صريحة تصيب الغدد الصماء، كما أنه في بعض الحالات، ومن ناحية أخرى، يحدث في الغالب أن يتناول الناس كمية كبيرة من احدى المكوّنات الطبيعية للغذاء دون تخمة بالنسبة للسعرات الحرارية واختلاف التوازن النوعي هذا (أهم نواحي الأغذية الغربية من الدهون الوفيرة للغاية) قد لا يؤدي إلى بدانة ملحوظة إلا أنه يزيد إلى حد كبير أخطار التعرّض لأمراض القلب.
وقد أدت الدراسات البعيدة المدى التي تمت خلال العقدين الماضيين بشأن حدوث أمراض القلب بين مجموعات كاملة من السكان كانوا أصحاء مبدئياً، إلى التعرّف على عدد من العوامل التي تسهم في حدوث تصلب الشرايين، وخاصة الشرايين التاجية التي تغذي القلب نفسه بالدم، وأهم عواقب التصلب بالشرايين التاجية هي انسداد عضلة القلب والوفاة بالسكتة القلبية المفاجئة.
والبدناء أكثر من النحفاء تعرضاً للإصابة بالتصلب في الشرايين التاجية، بيد أن التحليلات الإحصائية أظهرت أن البدانة نفسها ليست عاملاً مستقلاً من عوامل الخطر، فهؤلاء البدناء الذين يصابون فيما بعد بانسداد عضلة القلب، أو يموتون فجأة نتيجة سكتة قلبية تكون مستويات دهون الدم المرتفع أو الافراط في التدخين هي السبب، بينما من ليست بدانتهم ملحوظة ويصابون بالمرض لديهم نفس عوامل الخطر أي ارتفاع نسبة الدهون في الدم وضغط الدم المرتفع وما إلى ذلك. ومن ثم فإن البدانة دليل على الإفراط في التغذية مما قد يؤدي إلى أمراض القلب، إلا أن هذه الأمراض تحدث غالباً دون تذكرة رغم أنه يكون ذلك بدون أكل كثير من الدهون.
وتحتوي مصل الدم على عدة أنواع من الدهون (المواد الدسمة الكولسترول هو الدهن الذي رسخت علاقته بحدوث انسداد عضلة القلب، ومن ناحية أخرى فإن مستوى كولسترول مصل الدم يتوقف إلى حد كبير على كمية الدهون في الغذاء، لدرجة أنه إذا عرف تركيب وكميات الطعام التي يتناولها شخص ما يمكن لأغراض علمية حساب مستوى الكولوسترول في مصل دمه بدقة معقولة
.
يبدو أنه عند التطبيق يُتبع إجراء عكسي بانسداد عضلة القلب، فيأخذ الأطباء من الأفراد المعتقد أنهم معرضون تعرضاً شديداً لخطر الإصابة، ويوضح التحليل الكيميائي للعينة ما إذا كان مستوى الكولسترول مرتفعاً، فإذا تأيّد الشك تسدى المشورة من أجل تعديل النظام الغذائي وجعله أكثر توازناً وأقل احتواء للدهون والسعرات الحرارية. وموجز القول إن الإفراط في التغذية محظور.
وليس انسداد عضلة القلب والوفاة الفجائية هو الوحيد من بين أمراض القلب والأوعية الدموية المرتبطة بالإفراط في التغذية، فضغط الدم المرتفع يحدث أكثر بين من يفرطون في الأكل. ويسهم ضغط الدم المرتفع في تصلب الشرايين التاجية ويزيد إلى حد كبير خطر الإصابة بالسكتة القلبية، كما يسهم الإفراط في التغذية في حدوث مرض السكر الذي هو نفسه يهدد الأوعية الدموية، وخاصة تلك التي بالقلب والدماغ.
وللبدانة المفرطة مضاعفات أخرى تفرض على القلب عبئاً متزايداً مما يؤدي إلى تضخم البطين الأيسر، ونظراً لأن البدناء يشعرون سريعاً بالتعب، فإن حركاتهم تتناقص ويقل استهلاكهم لطاقتهم. بيد أنه مع استمرارهم في الإفراط في الأكل طبقاً للعادات المتأصلة فيهم، فإن بدانتهم قد تصبح حالة سرمدية، وتتصاعد مستفحلة وتصيبهم بالعجز. وحالات البدانة المؤدية للعجز نادرة إلا أن الإفراط في التغذية _الذي يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية _ يكون في المجتمعات الغنية ظاهرة شائعة إلى أبعد حد، ولعلها تشكل إحدى السمات الإحيائية الاجتماعية الأساسية لكثير من الجماعات،
فلماذا يأكل الناس أكثر من حاجتهم إذا كان في مقدورهم عدم تحمل نفقات ذلك؟ هناك أسباب كثيرة لهذا السلوك اجتماعياً وتاريخياً وسيكولوجياً (نفسياً) والمهم أن الإفراط في التغذية هو إلى حد بعيد اضطراب سلوكي، وبالتالي يمكن _من حيث المبدأ _ تقويمه.
ولكن عند التطبيق توجد عقبات جمة، أحدها التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، فالطفل البدين قد يصبح في الغالب بديناً عندما يكبر ويتم نموه. والعادات الراسخة الغرس بالنسبة للإفراط في الأكل قد تصبح عقبة تستمر مدى الحياة ويمكن أن تقصر عمر الفرد، ومن المهم للغاية تعليم الأطفال مبكراً عادات أكل صحية متوازنة إذا أريد إحداث تغيّر في سلوك وتصرفات المجتمع لناحية الإفراط في الأكل
دمتم بصحة وعافية