مالذي يمكن فعلهـ؟؟


من اجمل ماقرأت عن الفراق الأبدي
منير عوض يبوح بمشاعره تجاه مديره
الذي رحل الى حيث لا عودة ,,!
(منير صحفي بجريدة الرياض مشكلته انه يحب كثيراً)
للامانة الادبية بتصرف بسيط …

ما الذي يمكن للناس فعله حينما يموت أحبتهم؟

(هذه البحيرة ليست ماء. كانت شخصاً تحدثت إليه طويلاً، ثم ذاب!!).. بهذا القدر من الألم والحسرة ابتدأ الشاعر وديع سعادة نصه المعنون بـ”استعادة شخص ذائب”.

ابو محمد
.. لست أدري ماالذي أفعله؟ ولا أدري كيف يمكن لي أن أتحدث إليك هذه المرة، بعد أن أعتدت الحديث إليك وجها لوجه، وقلبا لقلب؟؟ أكتب إليك الآن، وأنا على يقين، أنك تسمعني بطريقة ما، لا أعلم كيف، ولكنك بلا شك تسمعني!! منذ وفاتك، وأنا لا أفعل شيئاً، أذهب إلى العزاء، يستقبلني أناس غيرك، أعرف بعضهم، والبعض الآخر لا أعرفه، أجلس بصمت، أحدق في الوجوه، أتناول ألمي على مهل، وأزدرده قطعة تلو الأخرى، وكلما رفعت بصري وحدقت في الوجوه، أراك هناك.. في كل تلك الوجوه.. صدقني لا أدري ما الذي أفعله.. ما الذي يمكن للناس فعله حينما يموت أحبتهم؟

.. منذ وفاتك وأنا لا أفعل شيئا.. فقط أحدق في الوجوه.. أحاول أن أتصالح مع قلبي هذه المرة.. منذ وفاتك وأنا لا أفعل شيئا.. فقد أقود سيارتي متنقلا بين الخبر والدمام، أتأمل الأشياء لكأنما أراها لأول مرة، أفكر كما لو أنني لم أر الحياة سوى هذه اللحظة.. أتساءل بحرقة: ما الذي يفعله الناس حينما يموت أحبتهم؟؟
منذ وفاتك وأنا أعيد ترتيب الحقيقة المرة في قلبي..

حقيقة أنك لم تعد موجودا.. هكذا بكل بساطة.. يا لقسوة الحياة.. في لحظة.. نكون هنا.. وفي اللحظة التي تليها مباشرة.. نسجل في قائمة الغياب عن الدنيا.. منذ وفاتك وأنا أحاول إعادة صياغة هذه الحقيقة.. أقلبها في كفي كقطعة من الحسرة.. وأنهار من الألم.. كيف تحمل أكفنا كل هذه الأنهار ولاتفيض؟!

.. أشعر برغبة حقيقية في أن أتوقف عن الكتابة الآن.. أشعر أن شيئا ما يخنقني والله.. هناك من يسرق الكلام من فمي.. هناك من يسرق حروفي.. لا أدري ما الذي أفعله الآن بدون حروف.. كل ما أعرفه أنني أحاول أن أتحدث إليك.. أحاول أن أقول لك شيئا.. أحاول أن أوصل الكتابة..

أبو محمد..

أظنها كانت العاشرة حينما أخبروني أنك لم تعد موجودا بيننا.. أظنها كانت العاشرة مساء.. العاشرة حزنا.. العاشرة فقدا.. العاشرة فجيعة لقلوب تحبك.. كانت العاشرة .. أي بعد نصف ساعة من وفاتك.. أقسم لك بالله لم أدر ما الذي ينبغي علي فعله.. لا أدري كيف لملمت جسدي وقلبي من فوق المقعد ونهضت.. نهضت ولم أكن أعلم إلى أين أذهب.. في تلك الحين لم يدر في ذهني سؤال: ما الذي يفعله الناس حينما يموت أحبتهم؟ لأنني حينها لم أكن مصدقا أنك لم تعد بيننا.. اتصلت على زميل آخر..
سألته سؤالا واحدا: الخبر صحيح؟
قال: نعم.
حينها شعرت أن الفجيعة تتسلل إلى قلبي بطريقة بدائية جدا.. بطريقة شرسة جدا.

أبو محمد..

منذ وفاتك وأنا أحاول لملمة قلبي والحديث إليك.. أحاول أن أتسلل إلى قلبي، دون أن يراني أحد، وأبكيك.. أبكيك كما لم يفعل أحد من قبل.. منذ وفاتك وأنا أشعر أن شيئا ما قد حدث لي.. ولكنني لا أعرف حقا ماهو؟؟ منذ وفاتك وأنا أتوسد أوجاعي ولكن النوم لا يجيء.. ولست أدري يا أبا محمد.. ما الذي يمكن للناس فعله حينما يموت أحبتهم؟
كانت الساعة الحادية عشرة تقريبا حينما وصلت إلى بيتك.. أي بعد ساعة ونصف من وفاتك.. لا أدري.. لوهلة ظننت أنك ستكون في استقبالي كعادتك.. ستبتسم كعادتك.. ستقول مرحبا كعادتك.. ستقول لي: “أنت ياولد ماتنام” كعادتك أيضا. تقدمت من الباب الخارجي.. لم تكن هناك.. خطوت إلى الداخل حيث فناء البيت.. إلا أنك لم تكن هناك.. قدماي بالكاد تحملاني وأنا أصعد الدرجات القليلة إلى داخل البيت.. ولكنك لست هناك.. مازال قلبي يتعثر بالخبر.. لا أدري كيف وجدت جسدي في مدخل البيت أمام المجلس بالضبط.. إلا أنك أيضاً لم تكن هناك على غير عادتك.. كان هناك أبنك محمد.. لم أتقدم منه.. وقفنا قليلا ننظر إلى بعضنا البعض.. كلانا لم يكن مصدقا أنك لم تعد موجودا.. في تلك اللحظة بالضبط.. شعرت أن قلبي خانني هذه المرة.. شعرت أنك حقا لست موجودا.. بكينا أنا ومحمد.. بكينا.. لأننا لم نكن نعلم.. ما الذي يمكن لنا أن نقوله.. كان ألمنا كنهر لايعلم أين المصب..!!

أبومحمد..

والله لست أدري ما الذي أفعله يا أبا محمد.. منذ وفاتك وأنا أفتش قلبي.. فلا أجد سوى ذكراك.. صدقك.. طيبة قلبك.. تسامحك مع الجميع، حتى مع الذين أساءوا إليك.. أفتش قلبي فأتذكر موعد دخولك إلى المكتب، حينما تدلف إلى المكتب صباحا نكون على يقين حينها أنها التاسعة تماما.. وحينما تخرج من مكتبك وأنت تشمر عن ساعديك للوضوء نعرف أن أذان الظهر بعد دقائق.. منذ وفاتك والله يا أبا محمد وأنا أتذكر كل التفاصيل الصغيرة.. أتذكر طريقتك في الكلام.. كوبك الأسود المخصص للقهوة.. سجادة صلاتك.. بل حتى طريقة إمساكك بالختم بيدك اليسرى.. أتذكر تصفحك للجرائد فور وصولك.. ضحكتك الصادقة والنابعة من القلب.. تواضعك مع الصغير والكبير.. هدوءك وإصغاءك للجميع.. لسانك العفيف.. رفضك الدائم لأن يذكر أحد بسوء أمامك.. أتذكر كلماتك، وكأنك تقولها الان أمامي، أتذكر كلماتك: (بشر كيف التغطية؟)، (الله يعطيكم العافية.. عسى ما تعبتوا)، (يا الله همتكم ياشباب نبغى التميز لجريدة الرياض)، (هاه بشر فيه جديد؟)، (لاتخلون شي يحبطكم عن هدفكم)، (عجلوا على المادة عشان تلحقون الطبعة)، (طيب.. أرسل المادة وتابع مع الديسك)، (الله يحميكم .. انتبهوا لأنفسكم)، (أحسنت.. أحسنت.. هذا اللي نبغاه)، (أعرف أنكم على قدر من المسؤولية وثقتي فيكم كبيرة)، (كلكم عيالي والله ولا أفرق بينكم)، (سم طال عمرك)…
منذ وفاتك والله يا أبا محمد وأنا أتذكر عملية الاستئصال الأولى التي أجريتها قبل سنوات، أتذكرك على السرير الأبيض، وأنت تذكر الله وتسبح.. وأذكر حجم الألم الذي كنت تعانيه بعد ذلك.. أذكر كلماتك حينما سألتك:
أبو محمد أيش تسوي وقت اشتداد الألم عليك؟
– ولا شيء.. أذكر الله فقط.

أبو محمد.. منذ وفاتك وأنا لا أفعل شيئا، فقط أحاول أن أنصت إلى داخلي، وأنا أقلب في ذكراك، وأتذكر كيف كنت مع الزملاء نتقاسم أخبارك وأنت في المستشفى.. نتقاسمها وكأنها كبسولات للأمل والتفاؤل، كانت مكالمة واحدة معك كفيلة بأن تجعلنا نبتهج، فبالرغم من صوتك المتهدج، وأنفاسك المتقطعة، إلا أن كلماتك وروحك المشرقة كانت تعبر إلى قلوبنا مباشرة.. كانت تمنحنا العزيمة لانتظار خروجك من المستشفى.. كنا جميعا نشعر أنك تعلمنا درسا في الصبر والإيمان بالله.. كنت تعلمنا كيف نحب الله أكثر.
منذ وفاتك وأنا لا أعرف ما الذي أفعله؟ لم أدخل إلى المكتب، ولا أظنني سأفعل بعد ذلك، ليس ثمة ما يستحق، أريد أن أحتفظ بذكراك الطيبة والنقية فقط، وهذا يكفي، يكفي على أي حال بالنسبة لكائن مثلي يخبئ أحبته في قلبه ويلوذ بالصمت..

ثالث أيام العزاء يا أبا محمد كنت أتحدث مع أبنك عبدالرحمن، طريقة كلامه وحركاته تشبهك كثيرا، تشبهك لدرجة أنها دمعت عيني وأنا أستمع إليه، كنت أقاوم رغبتي في البكاء، كان يحدثني عن لحظات وداعك الأخيرة، حينها شعرت أن نهرا من العذاب يعبر قلبي ويستقر في الشغاف.. كان يتحدث بألم، وكنت استمع إليه بألم بينما حفيدك (بدر) يجلس في حضني متشبثاً بثوبي.. ومازال قلبي يتعثر بالسؤال: ما الذي يمكن للناس فعله حينما يموت أحبتهم؟
أبو محمد.. بعد وفاتك مازال كل شيء في مكانه، إلا أن قلبي لم يعد كذلك، لم أعد أدرك ما الذي ينبغي علي أن أفعله.. منذ وفاتك وأنا أحاول أن أصغي إلى قلبي وهو يكتب إليك.. أحاول أن أتصالح مع قلبي لأجد إجابة لهذا السؤال: ما الذي يمكن للناس فعله حينما يموت أحبتهم؟ أحاول أن أتصالح مع قلبي لأقنعه بأنه حتى لو خسر جسدك معركته مع المرض، فإن روحك وإيمانك لم يخسر أبدا.. كنت أنت الرابح بإذن الله.

أبو محمد.. أريد أن أتحدث معك.. ولكن هناك من لايزال يسرق الكلام من فمي.. هناك من يسرق حروفي يا أبا محمد..!!

عن Trafalgar D Law

شاهد أيضاً

وش قصة ابوة…..؟؟؟

يقول صاحب القصة كان والدي من المسلمين المحافظين على صلاته ولكنه كان يفعل كثيراً من …