مقال نقدي
هذه القصيدة للشاعر الفلسطيني ( سامي سكيك ) وهي بالفعل قصيدة رائعة
وهي باسم ( بؤس وحلم وصومعة ) عذراً يـا ليلي إذ أنـي *** نافستُك قسراً بظـلامي
فنجوميبـاتت خافتـةً *** و تجسَّد بؤسي بكـلامي
وغدوتُ أرمِّم أفكـاري *** مرتقباًإطلالَ صبـاحي
ليقضَّ مضاجعَ ديجـوري *** و يخطَّ رثـاءً لجراحـي
قدبتُّ غريبـاً في منفى *** ويعجُّ بصوتِ الغربـانِ
لا ذكرى عذبةَ أرشفُها *** فتبثُّ الروحَ بأركــاني
والشَّمسُ السارِحَةُ بعيداً *** لم تشرق بعـدُبأوطـاني
يا وطني المثخنَ كم أدعو ***لو كفَّت أيـدي المحتـلِّ
ولكمصَلَّيتُ بلا نصَبٍ *** من أجلِ النُصـرةِ و الحلِّ
لتعود لغزَّةَطلَّتهـــا *** ولعرشِ الضـادِ المعتـلِّ
يا ربِّ لقد غطَّت فِكَري *** هربـاً تتشبَّثُ في الحُلُمِ
فلعلِّي أبصـرُ زيتونـاً *** أو أُلْفـيالبلسـمَ للألمِ
لو كنتُ طليقاً من يأسي *** لأخِيطَ على الفورِجفوني
و أروحَ مقاماً منسيـاً *** كي أنشدَ حُلْماً بسكـونِ
يا عينَالشرقِ أيا قدسُ *** قد دنَّسَ عِفَّتَـكِ الرِّجسُ
من فكَّر يأتيكِ بعطــرٍ ****فالمأوَى مشفىً أو حَبـسُ
أممٌ ما عادتْ تفديـكِ ****إلا بقصـائدَترثيــكِ
أو شَطريْ بيتٍ من غزلٍ ***فعسَـاهُ قليلاً ينسيــكِ
ياقدسُ كفاكِ استنجَـادا *** عينُ الأعرابِ وقـد فُقئت
ونداؤكِ ما عادَ سيجدي *** أذنُ الأعرابِ و قد قطعت
أدعوكِ مراراً آسِـرتي *** صبراً وصموداًلسنينــا
فسآتي حتماً بِصَــلاحٍ **** ليدقَّ الطبـلَلحطِّينــا
فدعوني أعملُ في صمتٍ *** معتزلاً ألـزمُ صَوْمَعـتي
قديبدو ركني منتقـداً *** و يُجنُّ الشـكُّ لمعـزلتي
لتقولوا أني منهـــزمٌ *** أو حسِّي القومي منعـدمٌ
وأذيعـوا أني مختــلٌ *** و العُزلةُ جُبنٌ بلسَقَـمُ
كتبا ً خُطُّوها في شجبي ***واقضوا أعوامـاً في سبِّي
باقٍ وستبقى صومعـتي ***وسيلحقُ في الغدِ بيشعبي لا شك أننا أمام نص شعري جميل ما زالت سفائنه تمخر عبابالبحر (المتدارك) باقتدار و تؤدة، وما
زالت أشرعتها ممتدة في أفق البيانالرحب.. فقد استطاع الشاعر بإدراكه اللغوي و بحسه الشعري
أن يخرج لنا منقمقمه بأبيات تكاد تلامس ذرا الروعة والرقة، و تمكن من قيادتنا في مسيرة تأييد
للقدس والوقوف في وجه هذا المحتل الغاشم.. فقد شرع في بث شكواه -كعادةالأقدمين- لليل
و أراد أن يشاركه هذا الظلام الذي يعيشه الليل، فجميل قوله(نافستك بظلامي) و قوله (ليقض
مضاجع ديجوري)، و أجمل منه قوله (من فكر يأتيكبعطر) (أمم ما عادت تفديكا إلا بقصائد ترثيكا(
وكذلك قوله (فسآتي يومًابصلاح( .
و على كل فالنص جميل و ممتلئ بالصور المحلقة. و لكن لا بأس من إبداءبعض الملاحظات التي
أتمنى من شاعرنا أن يتقبلها بصدر رحب و التي أزعم أنهاستثري النص على الأقل من وجهة نظري:
صورة الغراب و كونه رمزًا للبؤس والشؤمجميلة.. و لكن ليتك لم تقرنها بكلمة (روث) فلفظة (روث(
إضافة إلى أنها نابيةو قلقة فهي لا تناسب الغربان؛ لأن الروث للبقر أو ما شابه ذلك و ليس للغراب،
ولو قلَّبنا عبارة (من أجل النصرة أو حل) لوجدناها هي الأخرى قلقة، فلوأعاد الشاعر صياغة
الشطر بحيث يكون مثلاً (من أجل النصرة و الحل)، بحيث إنهعرف (الحل) أسوة بالمعطوف عليه
(النصرة( .
أيضًا لم أعرف ماذا قصدالشاعر بفعل (تتيمن) هل قصد بها مثلاً تنحو؟ لست أدري، فإن كان هذا
قصدهفالفعل (تتيمن) قد خذله هذه المرة، وكذلك أخفق الشاعر في شطره (فطواهم زمني
بنعال) فهو لم يوفِق بين النعال و الطي.. علاوة على أن النعال كلمة نابية هيالأخرى و غير شعرية،
و إن كان اليهود يستحقون ما هو أعظم و أنكا من النعال،و لكن أرى أننا يجب أن نربأ بأنفسنا عن
مثل هذه العبارات في جوالشعر .
و كذا قوله (نبش عفتك الرجس) لا أدري إن كان الشاعر يقصد بها المعنىالدارج: “نبش”؛ أي
بمعنى فتش أو نبش بمعناها الفصيح كشف و أظهر، فعمومًاالقصدان لا يتفقان و المعنى. و البيت
الذي يليه جميل كما أشرت سابقًا، و لكنالشاعر لم يقرن جواب الشرط بالفاء و عدم إقران جواب
الشرط بالفاء خطأ نحوي .وأيضًا في قوله (عين الأعراب وقد فقئت) اضطره العروض لإقحام الواو قبل
(قد)إقحامًا ممجوجًا، و كذلك الفاء في (فتجدي) لم يكن هناك داع لإقحامها فالمعنى مكتمل
بدونهما، و لكن معرفة الشاعر و إجادته لعلم العروض جعلته يأتي بهما و إن كانتاقلقتين. و أيضًا
استخدام البتر للأذن لم يكن موفقًا، فالأذن من شأنها القطعوليس البتر، و لفظه (صباراً) أرجو
مراجعتها جيدًا، و الوقوف عندها طويلاً،فهي بحسب ظني غير صحيحة، و كذلك قوله (معزلتي)،
فالصحيح أن نقول(عزلتي).