أبو العلاء المعرّي
إذا لم تكن دنياك دار إقامة
…………………………………… فـــما لك تبنيها بنـــاء مُـقيــم ؟
أرى النسل ذنباً للفتى لا يقا له
…………………………………… فلا تنــكحن الــدهر غـير مقيــم
فحال وحيد لم يخلف مناسباً
…………………………………… تشــابه حالي عامــر وتمــــــم
وأعجب من جهل الذين تكاثروا
…………………………………… بـمجد لـهم من حادث وقــديـــم
وأحلف ما الدنيا بدار كرامة
…………………………………… ولا عــمرت من أهـــلها بكريم
سأرحل عنها لا أؤمل أو بة
…………………………………… ذميــــماً تولى عن جوار ذميـم
وما صح وُد الخل فيها وإنما
…………………………………… تغُر بــود في الحياة ســـــقيم
فلا تتعلل بالمُدام وإن تجز
…………………………………… إليها الدنا يا فاخش كل نديم
وجدت بني الدنيا لدى كل موطن
…………………………………… يــعدون فيها شـــقوة كنـعيم
يزيدك فقراً كلما ازددت ثروة
…………………………………… فتلقى غـنياً في ثياب عـــديم
فساد وكون حادثان كلاهما
…………………………………… شهيد بأن الخلق صُنعُ حــكيمِ
من أشعار المعري في اللزوميات
أبو العلاء المعرّي
أحمد بن عبد الله بن سليمان ( 363-449) بن محمد التنوخي( نسبة إلى تنوخ بطن من اليمن)
المعرّي ( نسبة إلى محافظة معرة النعمان) التابعة لمدينة حلب . وتبعد عنها حوالي 65كم .
هو الشاعر ، الفيلسوف، الكاتب، المؤلف. وهو ينتمي إلى أسرة ذات مكانة، ووجاهة، وثراء، وصلة بالأدب والقضاء . فأبوه كان قاضياً، وأمه من آل سبيكة ( أسرة حلبية مشهورة) أصيب المعري بالجدري في الثالثة من عمره ففقد بصر إحدى عينيه وأصيبت الثانية ، ثم عمي تماماً في السادسة.
تتلمذ المعري على أبيه، وغيره من علماء المعرة، ثم طلب العلم فيما حوله من مراكز الحضارة مثل أنطاكية وطرابلس واللاذقية وحلب، ولما عاد وهو في العشرين إلى المعرة كان مكتمل النضج، وافر الثقافة، وتكسب مدة بشعره، واتصل بكبار أهل عصره، ثم اقتنع من ذلك بدخل ، يدره عليه وقف خاص به، يقدر بثلاثين ديناراً.
وسافر أبو العلاء إلى حاضرة الإسلام: بغداد سنة 378، وطالت رحلته فإنه وصل إليها سنة 399. فاختلط برجالات بغداد، وعلت مكانته بينهم لأن أخباره سبقته إليهم، وعرفوا فضله عياناً. ولكنه لم يسلم من الأذى ، فنشأ له حساد وأهين في مجلس الشريف المرتضى، فقد كان الشريف مرة يهاجم المتنبي وينال منه، مما دعا المعري إلى الدفاع عنه، والتعريض بالشريف فأمر بإخراجه من المجلس جراً، فأثرت هذه الحادثة في نفسه، ودعته بالإضافة إلى عدد من الأسباب الأخرى مثل مرض والدته، إلى العودة إلى معرة النعمان، فغاد بغداد سنة 400.
وصل المعري إلى مسقط رأسه فوجد أمه قد توفيت، والأحوال قد اضطربت، وندم على مغادرة بغداد بعد فوات الأوان . فانعزل في منزله يكتفي بالقليل الذي يأتيه من الوقت، وحرّم على نفسه اللحوم وما يخرج من نتاج الحيوان، وفتح بيته لطلاب العلم والمعرفة، وقضى عمره في التأليف، والتعليم وقرض الشعر الذي ضمنه آراءه في الحياة. وعاش حياة تقشف وعبادة، في طاعة وابتعاد عن المعاصي، وسمى نفسه رهين المحبسين ( العمى ولزوم بيته) وربما خرج إلى شيء من الصلة بالناس وقضاياهم كتوسطه لأهل بلده لدى ابن مرداس صاحب حلب، وكان هذا قليلاً في حياته. وقد توفي أبو العلاء سنة 449، ودفن ببلده، عزيزاً كريماً.
المعري شخصية كبيرة في حياة الأدب والفكر عند العرب. وهو يعد بحق شاعراً وفيلسوفاً ، فإن آراءه في الناس والحياة، تمثل فلسفة خاصة متميزة. وإن آراءه في الأدب واللغة والأدباء والعلماء تكون اتجاهاً شخصياً بارزاً.
من أبرز آثار المعري: لزوم ما لا يلزم ( طبعة الهند ومصر) وسقط الزند ( طبعة شروح ثلاثة عليه – مصر) وضوء السقط، وهو شرح المعري على السقط، وله عبث الوليد: شرح على البحتري ونقد، ومعجز أحمد في شرح شعر المتنبي ( مخطوط) وله رسالة الغفران( طبعة مصر) ورسالة الملائكة ( طبعة دمشق) ومجموعة رسائل ( طبعة كامبردج) وزجر النابح ( جزء منه طبعة دمشق) وغير ذلك من الآثار الشعرية والنثرية.