مابين السعادة والشقاء … ما بين الصفاء والفناء … ما بين النور والظلام …
تذبذبت أرواحنا التي هي لغز حياتنا وسر وجودنا وحقيقتنا المجهولة …
حيت بداخلنا ما بين مد وجزر , فتارة تحلق بنا إلى عالمها النوراني وتصلنا بمصدرها الذي أشرقت بنور وجهه الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ,فتهتز أعماقنا سعادة ونشوة , وتفيض مدامعنا فرحا بنعمة الأنس والاقتراب , وتارة نكبلها بقيودنا ونضطرها على الهبوط في مستنقعات من الوحل والطين , صنعتها أنفسنا الأمارة بالسوء تعاونا مع شياطينها , فتظلم قلوبنا , وتشمئز أرواحنا منا , ونعيش بدوامة من الاضطراب والتشتت والقلق …
وغالبا ما تسيطر علينا حالات الجزر والغوص بالمستنقعات حتى لنكاد ننسى حالات المد والصفاء …
نستيقظ للحظات , ونغط في سبات عميق لأيام إن لم يكن شهورا بل سنوات … تغلف قلوبنا طبقات وطبقات من ظلمات المعصية والآثام التي تحجب عن أرواحنا أي مد علوي أو نسمة أنسيه شفافة …
إلى أن تأتي اللحظة التي نكره بها أنفسنا , وننقم بها على حياتنا ، ونصل إلى ذروة التنافر بين أرواحنا وأجسادنا …
وضع لا يطاق ولا بد من مخرج طوارئ يخرجنا من هذه المأساة … وقد نتساءل للحظات هل هناك من حل فعال وسريع لغفلة قلوبنا وسوادها ؟!!
وقد غاب عن أذهاننا قول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى : ( لكل شيء جلاء ، وإن جلاء القلوب ذكر الله )
ذكر الله ذاك الدواء العجيب , والوصفة المجربة لكل أمراض القلوب وعللها .. ذكر الله ذاك الحصن المنيع الذي نتحصن به من شر الشياطين والأعداء والأنفس والأهواء …
فكيف نغفل عن ذكره سبحانه وتعالى وهو من خلقنا وأكرمنا وفضلنا على جميع خلقه , وسخر لنا كل شيء , أنعم علينا بآلائه التي لا تعد ولا تحصى … وكل ذلك لأنه يحبنا … نعم يحبنا , ويفرح بتقربنا إليه , ويباهي ملائكته بنا …
فكيف لا نذكره ونطفئ ظمأ أرواحنا المتعطشة , ونحيي قلوبنا الميتة , و والله لن يأخذ هذا منا سوى صبر ومجاهدة بادئ الأمر , فلنربط أنفسنا برباط الهمة والعزيمة , ونبدأ بتعويدها على المداومة على ذكر الله في كل وقت وحين …
وقد لا نجد توافقا في البداية ما بين قلبنا ولساننا , ولكنها محاولات يائسة أخيرة من الشيطان سرعان ما تبوء بالفشل إذا ما قوبلت منا بعزم وإصرار …
وإذا ما وصلنا للتوافق التام بين قلبنا ولسانا ستتولد بداخلنا طاقة روحية هائلة تنسينا الدنيا وما فيها في حال ذكرنا لله ..
وكما قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله : ” كلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقا , ازداد المذكور محبة إلى لقائه واشتياقا , وإذا واطأ قلبه للسانه في ذكره كل شيء , وحفظ الله عليه كل شيء , وكان له عوضا من كل شيء ”