**كلود هالموس: بكل تأكيد، ستصابون بخيبة أمل، لكن ذلك ليس أمراً ممكنا، إن فرض الحدود على الأطفال والعيش في هدوء تام يشكل هدفا ساميا يسعى إليه الجميع، لكن من الصعب جداً تحقيقه.
الصراخ، والتهديدات والضرب، والمساومة، كلها سلوكات لا تأتي عن طريق الصدفة. إنها ردود فعل دفاعية يلجأ إليها الآباء، بعد أن يصطدموا بالمقاومة (الطبيعية) لأبنائهم، الآباء يشعرون بعجز حقيقي، لأنهم لا يجدون إمكانية للتغلب على هذه المقاومة. ومنهم من ينتهي بهم الأمر بالتشكيك في شرعية ما يطالبونهم به. درجة الاستياء تختلف لديهم، بطبيعة الحال، تبعا لطبيعة الموقف: يستحيل تحمل الطفل الذي يصرخ، بعد أن كان الأب أو الأم قد سمعا طوال النهار صراخ رئيسهما في العمل.. لكن درجة الاستياء تتحدد أيضاً تبعا لما يمكن أن يخلفه، التنازع مع الطفل، من ذكريات لدى الآباء عن طفولتهم الخاصة.
على سبيل المثال، الآباء، الذين كانوا يصطدمون خلال طفولتهم، بالرفض الآلي والسادي لآبائهم، في كل مرة كانوا يطلبون الحصول على شيء مُعين، ويسمعون الآن أبناءهم يقولون »لا« بينما لم يطلبوا منهم سوى أشياء عادية وبسيطة، يصعب عليهم تحمل هذا الوضع.
الرفض هنا يكون ظالما وباعثا على الشعور باليأس، ومثيرا للغضب: الكثير من الآباء يرددون عبارة »حتى ابني يقول لي لا!« وبنفس الطريقة، فإن الآباء الذين تلقوا تربية قائمة على القمع، يمكن أن يشعروا بنوع من الضيق النفسي، عندما يرفض الابن الاستجابة لطلباتهم. لأن ذلك يترك لديهم انطباعا بأنهم يكونون في تلك اللحظة طغاة مثل آبائهم. وهذا من شأنه دفعهم إلى الاستسلام، أو على العكس من ذلك، إلى رفع أصواتهم واللجوء إلى الضرب، بهدف الإفلات من ذلك الماضي الثقيل أكثر من السعي إلى اسكات الطفل.
* لكن عندما نلجأ إلى رفع الصوت، أو إلى الضرب، نشعر بالفشل، وبحالة من العجز؟
**أجل، إنها ردود فعل ناتجة عن العجز، فعندما نعاقب الطفل أو نضربه، يحاول الوالدان إعطاء الانطباع بامتلاك سلطة، يشعران بأنها سحبت منهما بفعل سلوكات الطفل وهذا الأمر قد يبدو هينا، لكن غالباً ما يتخذ طابعا مأساويا.
* هل هناك من طريقة أخرى للتصرف؟ أنا على سبيل المثال، أشعر دائما بالضيق عندما أتنازع مع ابني؟
**كل الآباء يشعرون بالضيق في مثل هذه الحالات، وكل الآباء يشعرون بالذنب. ويكون هذا الشعور قويا لدرجة أنهم يصبحون على قناعة بأن الآباء الآخرين يتصرفون على نحو أفضل، وهذا أمر غير صحيح. فبالنسبة لجميع الآباء، مسألة فرض الحدود على الأطفال ليست بالأمر السهل. إنها مهمة حقيقية، تتطلب جهداً ومثابرة. ومن الأفضل أن نوضح ذلك للآباء عوض أن نستدعي بانتظام جميع المحللين النفسيين، من خلال وسائل الإعلام، ونتوهم أنهم سيقدمون لنا »الوصفة المناسبة«، التي ستحل بشكل سحري كل شيء. هذه الوعود الضمنية تنمي لدى الآباء الاعتقاد في نموذج أمثل يشعرون إزاءه بدونية وبعجز كبيرين.
يمكن للآباء أن ينعموا براحة البال، شريطة أن يدركوا الأسباب العميقة ـ أي بعيدا عن المظاهر ـ التي تؤدي إلى النرفزة. لكن، بالزعم من ذلك الأمر لن يكون مريحا، ويجب أن نقول هذا الأمر ونعيده. هناك اعتقاد متزايد الآن، بوجود نوع من الآباء »برونزيين« يستطيعون الحفاظ على هدوئهم في كل الظروف، ومهما حصل. وهذا أمر غير واقعي. ثم إنه، مع افتراض وجود مثل هؤلاء الآباء، من غير المؤكد أن يكون سلوكهم مفيدا بالنسبة للأطفال.
* إذن لا يمكن للوالدين أبداً بلوغ الكمال…
**»فرانسواز دولتو« عالمة نفسانية وكاتبة كانت تتحدث عن مسألتين أعتبرهما أساسيتين. كانت تقول أولا، إن الآباء الذين بإمكانهم تحمل كل شيء. سيتركون لدى الطفل صورة أشخاص أقوياء إلى أقصى الحدود، لدرجة أن الطفل سيكون بالضرورة في منأى عن كل مكروه. وتضيف أن مثل هؤلاء الآباء لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخيفين بالنسبة للطفل. ونستطيع أن نلمس ذلك في الأفلام »الفانتاستيكية«، حيث يوجد أشخاص يتمتعون بقوى خارقة: لا يموتون مثلا، حتى وإن أطلق عليهم وابلا من الرصاص، الأمر يكون كابوسا حقيقيا..
ومن جهة أخرى، كانت »فرانسواز دولتو« تقول »لا شيء يمكن أن يشكل حدودا بالنسبة للطفل إلا تلك التي يلمسها لدى البالغين، بمعنى أن أقوال البالغين لا تكفي لكي يدرك الطفل أن سلوكا معينا غير مقبول. يجب على الطفل أن يلاحظ بأن البالغ يرفض في دواخله، هذا السلوك ولا يطيقه.
الآباء الذين يجدون، على سبيل المثال، طفلهم خنق القطة، فيهرعون لإيقافه ـ في أنفة.
الآباء ليسوا موسوعات في الأخلاق والقيم. الآباء أناس من لحم ودم ومشاعر. وشخصية الطفل تنمو أيضلاً من خلال الاحتكاك بهذه المشاعر. وبفضل هذه المشاعر تبدأ مشاعره الخاصة في التشكل. الطفل لا يدرك القواعد بعقله فقط، بل من خلال جسده وأحاسيسه أيضاً. فابتداء من سن محدد، يمكن للطفل أن يدرك، على سبيل المثال، معاناة شخص متقدم في السن يسقط أرضا بعد أن يدفعه أحدهم. وإذا لم يدرك هذه المسألة فإنه لن يفهم لماذا لا يمكنه أن يجري كيفما كان في الأماكن العمومية، الأمر سيبقى مجردا في ذهنيته.