حكم من اتهم أم المؤمنين بالفاحشة :
هذه أقوال أهل العلم في حكم من سب أم المؤمنين رضي الله عنها واتهمها بالفاحشة :
1- ساق أبو محمد بن حزم الظاهري في المحلى (13/504) بإسناده إلى هشام بن عمار قال : سمعت مالك بن أنس يقول : من سب أبا بكر و عمر جلد ، و من سب عائشة قتل ، قيل له : لم يقتل في عائشة ؟ قال : لأن الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها : ( يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين ) ، قال مالك : فمن رماها فقد خالف القرآن ، و من خالف القرآن قتل . قال أبو محمد رحمه الله : قول مالك هانا صحيح و هي ردة تامة و تكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها.
2- حكى أبو الحسن الصقلي كما في الشفاء للقاضي عياض (2/267-268) أن القاضي أبا بكر الطيب قال : إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبح نفسه لنفسه ، كقوله : ( و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ) ، و ذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة فقال : ( ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك ( ، سبح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبح نفسه في تبرئته من السوء ، و هذا يشهد لقول مالك في قتل من سب عائشة ، ومعنى هذا و الله أعلم أن الله لما عظم سبها كما عظم سبه وكان سبها سباً لنبيه ، و قرن سب نبيه وأذاه بأذاه تعالى ، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل ، كان مؤذي نبيه كذلك .
3- قال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن (3/1356( : إن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله ، فكل من سبها بما برأها الله منه فهو مكذب لله ، و من كذب الله فهو كافر ، فهذا طريق قول مالك ، و هي سبيل لائحة لأهل البصائر ولو أن رجلاً سب عائشة بغير ما برأها الله منه لكان جزاؤه الأدب .
4- ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول (566-586) بعض الوقائع التي قتل فيها من رماها رضي الله عنها بما برأها الله منه ، حيث يقول : و قال أبو بكر بن زياد النيسابوري : سمعت القاسم بن محمد يقول لإسماعيل بن إسحاق أتى المأمون بالرقة برجلين شتم أحدهما فاطمة و الآخر عائشة ، فأمر بقتل الذي شتم فاطمة و ترك الآخر ، فقال إسماعيل : ما حكمهما إلا أن يقتلا لأن الذي شتم عائشة رد القرآن .
قال شيخ الإسلام : وعلى هذا مضت سيرة أهل الفقه والعلم من أهل البيت وغيرهم .
قال أبو السائب القاضي : كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد الدعي بطبرستان ، و كان بحضرته رجل فذكر عائشة بذكر قبيح من الفاحشة ، فقال : يا غلام اضرب عنقه ، فقال له العلويون : هذا رجل من شيعتنا ، فقال : معاذ الله إن هذا رجل طعن على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات ، أولئك مبرءون مما يقولون ، لهم مغفرة و رزق كريم ) ، فإن كانت عائشة خبيثة فالنبي صلى الله عليه وسلم خبيث ، فهو كافر فاضربوا عنقه ، فضربوا عنقه و أنا حاضر .
و روي عن محمد بن زيد أخي الحسن بن زيد أنه قدم عليه رجل من العراق فذكر عائشة بسوء فقام إليه بعمود فضرب دماغه فقتله ، فقيل له : هذا من شيعتنا و من بني الآباء ، فقلا : هذا سمى جدي قرنان – أي من لا غيرة له – ، و من سمى جدي قرنان استحق القتل فقتلته .
و قال القاضي أبو يعلى : من قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف ، و قد حكي الإجماع على هذا غير واحد ، و صرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم .
و قال أبي موسى – و هو عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن جعفر الشريف الهاشمي إمام الحنابلة ببغداد في عصره – : و من رمى عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه فقد مرق من الدين ولم ينعقد له نكاح على مسلمة .
5- قال ابن قدامة المقدسي في لمعة الاعتقاد (29 (: ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء ، أفضلهم خديجة بن خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة ، فمن قذفها بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم .
6- قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (17/ 117-118( في صدد تعداده الفوائد التي اشتمل عليها حديث الإفك : الحادية و الأربعون : براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك ، وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز ، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ بالله صار كافراً مرتداً بإجماع المسلمين ، قال ابن عباس و غيره : لم تزن امرأة نبي من الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ، و هذا إكرام من الله تعالى لهم .
7- حكى العلامة ابن القيم في زاد المعاد (1/106) اتفاق الأمة على كفر قاذف عائشة رضي الله عنها ، حيث قال : واتفقت الأمة على كفر قاذفها .
8- قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (5/76) عند قوله تعالى : ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم ) ، قال : أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية ، فإنه كافر لأنه معاند للقرآن .
9- قال السيوطي في كتابه الإكليل في استنباط التنزيل ( ص 19 ) عند آيات سورة النور التي نزلت في براءة عائشة رضي الله عنها من قوله تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم .. الآيات ) ، قال : نزلت في براءة عائشة فيما قذفت به ، فاستدل به الفقهاء على أن قاذفها يقتل لتكذيبه لنص القرآن ، قال العلماء : قذف عائشة كفر لأن الله سبح نفسه عند ذكره فقال سبحانك هذا بهتان عظيم ، كما سبح نفسه عند ذكر ما وصفه به المشركون من الزوجة والولد .
10- سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في الأسئلة اليامية (1/7) عمن اتهم عائشة رضي الله عنها بالزنا وعن فضلها فرد رحمه الله بمايلي :
عائشة – رضي الله عنها – بنت الصديق هي أم المؤمنين بإجماع المسلمين ، ومن زعم أنها زنت فقد كفر لأنه مكذب لله في قوله جل وعلا : ( إن الذين جاءوا بالأفك عصبةٌ منكم لا تحسبوه شر لكم بل هو خير لكم ) سماه إفكا ؛ فالمقصود أن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – هي أفضل أزواج النبي عليه الصلاة والسلام ، ما عدا خديجة قد اختلف العلماء في أيهما أفضل ، ومن زعم أنها زنت ، أو اتهمها بذلك فهو كافر عند أهل العلم ، بإجماع المسلمين ، مكذب لله ولرسوله ، وهي براء من ذلك وهي الصديقة بنت الصديق ، وهي أفضل أزواج النبي عليه الصلاة والسلام ، ماعدا خديجة في تفضيلها عليها نزاع بين أهل العلم ، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم كلهن مطهرات مؤمنات تقيات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن ، يجب الإيمان بذلك والتصديق بذلك ، واعتقاد أنهن من أطهر النساء وخير النساء ، وأفضل النساء .
وفاتها:
تُوفيت رضي الله عنها سنة سبع وخمسين ، وصلى عليها أبو هريرة ، ودفنت بالبقيع ، وكان لها من العمر : ثلاث وستون سنة وأشهر .
رضي الله عنك يا أمنا ، يا حبيبة رسولنا صلى الله عليه وسلم ، يا طاهرة يا مطهرة ، وحشرنا الله معك ورسولنا عليه الصلاة والسلام في الفردوس الأعلى … آمين .
الكاتب الشيخ الدكتور عادل المطيرات حفظه الله
منقول من ايميلي للفائدة