السلام عليكـُن وَ رحمة الله وبركاته ~
طيب الله أوقاتكن أخواتي الحبيبات بالرضا و الخير ,’
السؤال :
ذكر لي أحد الأشخاص دعاءً يقول : ” يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
” أريد أن أتبين إن كان هذا الدعاء من الحديث الصحيح ، وإذا صح ، فما معناه ؟
الجواب:
أولا :
ورد هذا الدعاء في حديث صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها :
( ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به ، أو تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت : يا حي يا قيوم برحمتك
أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )
رواه النسائي في “السنن الكبرى” (6/147)
. وقال الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (رقم/227) : إسناده حسن .
وقد ورد هذا الدعاء ، بلفظ مقارب للمذكور هنا ، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ) .
رواه أحمد (27898) ، وأبو داود (5090) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3388) .
ثانيا :
هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين ،وتتضمن التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته ،
فهو سبحانه الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ، والعبد يستمد العون والتأييد من قيوميته عز وجل ،
كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء ، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه وآخرته .
ثم يسأل الله تعالى صلاح الأمور والأحوال ، فيقول : ( أصلح لي شأني كله )
أي : جميع أمري : في بيتي ، وأهلي ، وجيراني ، وأصحابي ، وعملي ، ودراستي ، وفي نفسي ، وقلبي ، وصحتي…
في كل شيء يتعلق بي ، اجعل يا رب الصلاح والعافية حظي ونصيبي . وذلك كله من فضل الله سبحانه وتعالى ،
وليس باستحقاق العبد ولا بجاهه ، ولذلك جاء ختم الدعاء بالاعتراف بالفقر التام إليه سبحانه ، والاستسلام الكامل لغناه عز وجل
، فيقول : ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) : أي لا تتركني لضعفي وعجزي لحظة واحدة ،
بل أصحبني العافية دائما ، وأعني بقوتك وقدرتك ، فإن من توكل على الله كفاه ، ومن استعان
بالله أعانه ، والعبد لا غنى به عن الله طرفة عين .
يقول ابن القيم رحمه الله :
” مِن ههنا خذل مَن خُذل ، ووُفِّقَ مَن وُفق ، فحجب المخذول عن حقيقته ، ونسي نفسه ، فنسي فقره وحاجته وضرورته إلى ربه ،
فطغى وعتا ، فحقت عليه الشقوة ، قال تعالى : ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى )
وقال : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب
بالحسنى فسنيسره للعسرى )
فأكمل الخلق أكملهم عبودية ، وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه ،
وعدم استغنائه عنه طرفة عين .
ولهذا كان من دعائه :
( أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك ) ،وكان يدعو :
يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك .
يعلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل ، لا يملك منه شيئا ، وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء ،
كيف وهو يتلو قوله تعالى : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا )
فضرورته إلى ربه وفاقته إليه بحسب معرفته به ، وحسب قربه منه ، ومنزلته عنده
” انتهى.”طريق الهجرتين” (25-26) .
وقال المناوي رحمه الله ، في شرح الرواية الثانية ، دعاء المكروب :
” ومن شهد لله بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا
والرحمة ورفع الدرجات في العقبى ” .
“فيض القدير” (3/526) .
والله أعلم .
المصدر : الإسلام سؤال وجواب